مؤلف المقامات اللزومية هو «أبو الطاهر محمد بن يوسف بن عبد الله التميمي السرقسطي» وقد لقب بالسرقسطي نسبة إلى سرقسطة وهي مدينة في ثغر الأندلس وما أن شب حتى أصبح رحالة في طلب العلم فقد رحل إلى «بلنسية، شاطبة، مرسية، وأخيراً قرطبة».
وقد حصل على قدر كبير متنوع من العلوم، في الفقه والنحو واللغة والأدب كما أنه عاش فترتين من فترات التاريخ وشهد ألوانها من الصراع الطبقي والسياسي وعناصر ازدهار الحركة الثقافية في عواصم الأندلس عاش فترة من حياته في عصر الطوائف وفترة أخرى في عصر المرابطين.
وإذا كان من الثابت أن الحريري قد انتهى من كتابه مقاماته سنة 504 هجرية وأن السرقسطي توفي سنة 538هـ ـ فانه من الممكن أن تكون مقامات السرقسطي قد كتبت بين سنة 504 وسنة 535 هـ ـ من آثار السرقسطس كتاب «في غريب لغة العرب» وهو كتاب متسلسل أي أن المؤلف ألف في هذا العنوان خمسين كتاباً كل كتاب بني على باب من الأبواب.
وقد تعمد المؤلف أن يفتتح كل باب ويختمه بشاهد شعري بأخذ من الشاهد الأول الكلمة التي يجعلها أساساً للتسلسل ويكون الشاهد الأخير استشهاداً على معنى الكلمة الأخيرة في الباب ويبدو من قراءة الكتاب قوة وكثرة محفوظة اللغوي كما يبدو من ترجمات السرقسطي أن له ديواناً من الشعر والمتتبع لهذه المقامات يجد فيها روح المؤلف وطريقة عرضه للمقامات وطريقة الحيل التي لاحظناها عند بقية المقامات بل إن الأسلوب وتركيب الجمل ليس فيه اختلاف كذلك هناك اتفاق في بعضها في الموضوع والنهاية فالمقامة «20» متفقة في بعض جوانبها وبعض أبياتها مع المقامة «28» .
وتتكرر الجمل في المقامتين وتتكرر النهاية في المقامة «48» مع المقامة «49» قوله: فانفصل عني وما عاد وجعلتا حديثة المردد والمعاد» ولا شك أن السرقسطي حاكى في مقاماته هذه قمة الإبداع المشرقي في أدب النثر ألا وهو مقامات بديع الزمان الهمذاني .
حيث يقدم لنا صوراً من صميم الحياة حافلة بالحركة التمثيلية التي تدور فيها المحاورة والمساجلة بين شخصيتين: الأول الرواية عيسى بن هشام والآخر أبو الفتح الإسكندري بطل النوادر والأحداث وقد كان لهذه المقامات تأثير عميق في تاريخ النثر العربي وازداد هذا التأثير عمقا بمقامات «الحريري» التي حاكى فيها بديع الزمان وأربى عليه وجعل بطله أبا زيد السروجي .
وقد وجدت المقامات الشرقية في الأندلس قلوباً متلهفة عاشقة وعقولاً متفتحة مستوعبة بدأ «السرقسطي» مقاماته استهلالية يبدأ: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين أما بعد حمداً لله العالي والصلاة على المصطفى النبي فهذه خمسون مقامة أنشأها أبو الطاهر محمد بن يوسف التميمي السرقسطي بقرطبة من مدن الأندلس عند وقوفه على ما أنشأه الرئيس أبو مهد الحريري بالبصرة أتعب فيها خاطره وأسهر ناظره ولزم في نثرها ونظمها مالا يلزم فجاءت على غاية من الجودة والله أعلم.
ونقرأ منها المقامة الخامسة عشرة: حدّث المنذر بن حمام قال: حدث السائب بن تمام قال: حللت بالزاب مبعد الأهل والأحزاب فأقمت من أهلها بين قوم قد استولت عليهم البداوة واستطارت بينهم العداوة وفشت فيهم عنجهة الأعراب وقسوة الصعاليك والخراب فاعتزمت الخروج إلى بعض بلادها متفادياً من مصاعها وبلادها فسرت من حي إلى حيً ومن رشد إلى غي تلحفني الهواجر وتبخل على الحياض السواجر.
وهكذا يقدم لنا السرقسطي خمسين مقالة تحمل كل واحدة حالة اجتماعية معينة ليقدم من خلالها شخصاً معينا من الناس وبذلك نتعرف على حياة ذلك العصر الاجتماعية والاقتصادية والفكرية فتكون هذه المقامات سجلاً حياً للحياة في ذلك العصر.