الدكتور زكريا طاحون أستاذ جامعي مصري ، محاضر بجامعة الزقازيق ، عضو هيئة التدريس بالجامعة العمالية، عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي، عضو بالمنظمة العربية للتنمية الإدارية، رئيس مجلس إدارة جمعية المكتب العربي للبحوث والبيئة..
باحث في شؤون البيئة له العديد من البحوث والدراسات المنشورة في الصحف والدوريات العربية من كتبه : (الصناعة والبيئة ـ إدارة وهندسة البيئة ـ أخلاقيات البيئة وحماقات الحروب ـ بيئات ترهقها العولمة ـ التلوّث خطر واسع الانتشار ـ السلامة والصحة المهنية ـ إدارة البيئة نحو الإنتاج الأنظف - ممارسات مذلّة للبيئة ـ الإنسان المعاصر صانع الأزمات ) .
في كتابه الجديد (قدسية البيئة) ينظر الباحث إلى البيئة من كل جوانبها الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والثقافية ، بالإضافة إلى جوانبها الفيزيائية والبيولوجية التي يراها الباحث بنظرة واسعة وشاملة لأنها تشكّل الأساس الطبيعي للبيئة البشرية.
أما جوانبها الاجتماعية والثقافية هي التي تحدّد ما يحتاج إليه الإنسان من توجهات ووسائل فكرية تكنولوجية لفهم الموارد والمصادر الطبيعية، واستخدامها على نحو أفضل، بحيث يتحقّق له الطموح، ومن ثم الإشباع الذي ينشده.
يتألف الكتاب من مقدمة وعدّة عناوين . فعن (طبيعة المشكلات البيئية ) يعتبر الباحث أن طبيعة المشكلات البيئية هي دائماً طبيعة حادة وعنيفة ، ولذلك لم تسلم أي من دول العالم مهما كان مستوى تطورها الاقتصادي من حدّة هذه المشكلات،
ولكن تختلف هذه الحدّة من بلد لآخر، فتواجه الدول المتقدمة العديد من المشكلات البيئية الناتجة عن استخدام التكنولوجيا الحديثة وبخاصة في الصناعة ، وما تحدثه من استنزاف للموارد وما تنتجه من مواد ملوثة للبيئة، وبخاصة في التجمعات الصناعية المركزية ( المدن الصناعية) .
وفي الجانب الآخر تواجه الدول النامية أيضاً العديد من المشكلات البيئية الناجمة عن: الفقر ـ زيادة السكان ـ سوء إدارة واستغلال الموارد والطاقات الطبيعية لهذه الدول . إن الوعي العالمي بمشكلات البيئة قد ظهر متأخراً وتحديداً في النصف الأخير من القرن الماضي «العشرين» .
ولكنه نما بسرعة هائلة بحيث أصبحت المشكلات البيئية أكثر المشكلات تداولاً بين الناس، وذلك من خلال الوسائط المتعددة ، ومن خلال أجهزة الإعلام المختلفة والهيئات الدولية، كما أُنشئت معاهد متخصصة تابعة لهيئة الأمم المتحدة تعنى بالبيئة وبمشكلاتها، وتنشر رسالتها البيئية على مستوى العالم ، الذي أصبح قرية واحدة نتيجة للتقدم السريع في وسائل الاتصال والمواصلات.
وعن ( الحوادث الطبيعية ) التي تقع نتيجة التفاعلات الجيوفيزيائية بين الغلافين الأرضي المائي والجوي وقشرة الأرض، يركّز الباحث على قلق خبراء البيئة لأن أي تغير يطرأ على هذه التفاعلات يؤدي إلى تكرار الحوادث البيئية ، ويوسع من مدى خطورتها ،
لذلك زادت حيرة العلماء وخبراء البيئة بشأن الآثار المحتملة لهذه الحوادث كارتفاع درجة الحرارة وارتفاع الأخطار الجوية، وتزايد شدتها وتكرار حدوث العواصف المدارية، وتعاظم بخار الماء في الغلاف الجوي (نتيجة لازدياد تبخّر المياه السطحية) الذي ينتج عنه هطول الأمطار بغزارة ،
وفيضانات البحار والأنهار وما يترتّب عن هذه الحوادث وتوابعها من الآثار والتداعيات، فضلاً عن العواصف الرعدية والثلجية والأعاصير بالمناطق الساحلية في أنحاء كثيرة من العالم، وبخاصة في المناطق التي يتزامن فيها ارتفاع مستوى سطح البحر مع خطر العواصف والأعاصير .
لذلك تضاعف الهمّ البيئي ، وأصبح واجب الخبراء هو المتابعة والعناية المستمرة لأحوال البيئة ، والوقوف على ظواهرها الطبيعية ومكوناتها ومواردها ومصطلحاتها ككل متكامل . ويبرز الباحث مشكلة أخرى يرى انها من أخطر المشكلات البيئية ويسميها (خطر الأخطار) ألا وهي مشكلة الجفاف بتأثيراته العنيفة على السكان ،
وبالشكل الذي يفوق أي خطر بيئي آخر ، حيث انه يُعتبر الخطر الطبيعي الأكثر تعقيدا والأقل فهماً من سائر الأخطار الطبيعية ، وينتج الجفاف بشكل رئيسي عن التقلبات المتكررة التي تحدث في دورة الغلاف الجوي ، إذ تؤدي فترات الجفاف الطويلة وشدته الى اضطرابات التفاعلات البيولوجية في التربة بشكل يؤدي تدهورها وزيادة تصحّرها ،
ويعزى التصحّر جزئياً إلى : حدوث الجفاف والرعي المفرط القطع الجائر للغابات وإفناء المراعي وما إلى ذلك من الممارسات الإنسانية اللاواعية . عن ( مكوّنات النظام البيئي ) يقسّم الباحث هذا النظام الى : 1ـ كائنات غير حيّة : وهي المواد الأساسية غير العضوية في البيئة .
2ـ كائنات حيّة : وتتكون من : ـ كائنات حيّة ذاتية التغذية ، وهي الكائنات الحيّة التي تستطيع بناء غذائها بنفسها من مواد عضوية بسيطة ، بواسطة التمثيل الضوئي كالمزروعات . ـ كائنات حيّة غير ذاتية التغذية : وهي الكائنات التي لا تستطيع تأمين غذائها بنفسها ، وتضمّ الكائنات المستهلكة على ما يصنعه النبات وتحوّله في أجسامها الى مواد مختلفة تبني بها أنسجتها وأجسامها ، وتسمى مثل هذه الكائنات «المستهلك الأوّل» لأنها تعتمد مباشرة على النبات .
كما تعتبر الحيوانات التي تتغذى على هذه الحشرات كائنات مستهلكة أيضا ، لأنها تعتمد على المواد الغذائية المكونة لأجسام الحشرات والتي نشأت بدورها من أصل نباتي . والكائنات الدقيقة هي التي تتغذى على الكائنات النباتية والحيوانية ،
وتحوّلها إلى مركبات بسيطة تستفيد منها النباتات ، من أمثلتها: البكتريا ـ بعض الكائنات المرممة ـ الفطريات ، ولهذه الكائنات أهمية رئيسية في إعادة استعمال المواد الغذائية بشكل مستمر ، وبذلك تؤمن استمرار الجهاز البيئي وتساعد على استقراره.
ثم يتحدث الباحث عن ( خصائص الجهاز البيئي ) ويرى ان هذا الجهاز يتميز بأنه نظام على جانب كبير من التعقيد ، وذلك لما يحتويه من كائنات متنوعة ، وعلاقات متبادلة فيما بين هذه الكائنات من جهة وبين الظروف البيئية من جهة أخرى ، ومعنى هذا وجود شبكة متداخلة من العلاقات على أساس التنظيم الذاتي المتبادل بين الطبيعة والحياة،
هذا التداخل هو أحد العوامل الأساسية في سلامة كل نظام بيئي ، إذ انه يحدّ من أثر التغيرات البيئية ، أما إذا تتابعت التغيرات البيئية وتعاقبت ، فإنها تحدث خلخلة في توازن النظام البيئي وفي صموده وثباته . من طبيعة النظم البيئية انها وبشكل تلقائي تميل دائماً الى الاستقرار فكلما زاد النظام البيئي تعقيداً ازداد ميلاً نحو هذا الاستقرار ،
ذلك أن تعدد الأنواع المؤلفة لأي نظام بيئي يزيد من علاقتهما المتبادلة ، وبالتالي من استقرار هذا النظام ، ولذلك فاستقرار النظام البيئي يعني قدرة هذا النظام على العودة الى وضعه الأول بعد أي تغيّر يطرأ عليه ، طالما لم يحدث تغير أساسي في تكوينه ،
ومن هنا تتحقق إمكانية ثبات النظام البيئي واستقراره. عن (وقف التهديدات بالتدمير الشامل ) يبدو الباحث متفائلاً من ان العالم قد حقق على مدى خمسة عقود تقدماً كبيراً صوب الحدّ من إنتاج أو انتشار أو استخدام الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل ،
وتشمل المعاهدات الدولية ذات الصلة الوثيقة بذلك .. حيث يجب أن يتطهّر العالم من هذه الأسلحة ، بحيث يصبح الجميع بمأمن اكبر من هذه الأخطار التي لا حدّ لأهوالها . هذه المعاهدات هي : ـ معاهدة الحظر الجزئي للتجارب المبرمة عام 1963 .
ـ معاهدة حظر الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية عام 1967 ( معاهدة ملاتيلولكو ) . ـ معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968. ـ معاهدة الصواريخ المضادة للقذائف البالستية عام 1972 . ـ اتفاقية الأسلحة البيولوجية عام 1972.
ـ معاهدة سولت الثانية عام 1979 ـ معاهدة اعتبار منطقة جنوب المحيط الهادئ منطقة خالية من الأسلحة النووية المبرمة عام «1985» عن (مفهوم البيئة وقدسيتها ) يعود الباحث إلى حياة الإنسان الأولى ممثلة في أبينا آدم عليه السلام منذ هبوطه من الجنة الى الأرض والتي ترتبط بالبيئة التي أصبحت مستقرة ، ؟
ولكم في الأرض مستقرٌ ومتاع إلى حين ؟ [البقرة : 36 وارتبط تطوره العقلي والحضاري بارتقاء استغلاله لشتى إمكانيات البيئة وطاقتها. منذ ظهور الإنسان على هذه الأرض وعلاقته بها قديمة ووطيدة، لكنها علاقات إذعان وجور ،
كما يرتبط استغلاله لها وغيرها من المعطيات والموارد الموروثة والمشيدة بمدى تطور قدراته وإمكاناته العقلية والفكرية لاستثمار هذه الموروثات والمواد والمصادر البيئية بشكل أمثل . ولن يتحقق للبيئة قدسيتها ، أي أمانها واستقرارها إلا بالتعقل والحكمة في طريقة تعاملنا مع قضايا وأزمات البيئة ، واحترام المشاعات القدرية بين البلدان ،
ووقف ألوان التهديد والتلويح باستخدام أسلحة التدمير الشامل (النووية والكيميائية والبيولوجية) ووقف جميع تجاربها البرية والبحرية والجوية وأخيراً تجريد المجتمع الدولي وتطهيره من جميع الأشكال العسكرية التهديدية ، ومن ثم العناية القصوى بالبيئة.
د. وانيس باندك
*الكتاب:قدسية البيئة
*الناشر:مطبعة عابدين - القاهرة 2007
*الصفحات:118 صفحة من القطع الكبير