الميثولوجيا هي اللغة الأولى، لغة الطفولة الإنسانية، والكتاب والباحثون لا بد لهم من مطالعة الميثولوجيا لمعرفة الموقف العفوي البكر للبشرية، بل إن العلم مضطر إلى احترام الميثولوجيا لمعرفة البذرة الأساسية للمعرفة النفسية والفكرية حسب غاستون باشلار.

هذا الكتاب يحاول تقديم معظم أنواع الميثولوجيا العالمية، وتوضيح الروابط بينها، بل انه يؤكد أنها جميعا تنطلق من مشكاة واحدة لمعرفة الوقف النفسي من ظواهر الكون والحياة. أنّ هذا الكتاب يشمل أساطير إفريقيا وآسيا والأميركتين واوقيانوسيا وأوروبا والميثولوجيا اليونانية والمصرية والفراتية وميثولوجيا الهند ويبسط المعلومات ويحللها للشاعر والأديب والباحث والقارئ العادي.يصف الباحث المؤلف ميثولوجيا الازتيك (وهو اسم يطلق على شعوب إقليم وسط المكسيك والازتيك وتعني الأرض البيضاء) بأنها ميثولوجيا الأضاحي والانتظار أو الميثولوجيا القاتلة، ينطلق هذا من اهتمامهم بالتقويم الشمسي فحتى تكتمل مدة الشمس الخامسة لا بد من الأضاحي البشرية للحفاظ على دورة المطر وهم يختلفون عن غيرهم في مسألة الأضاحي بأنها كانت حلا لمشكلة الطبيعة التي تصاب باختناقات لا يفتحها إلا الدم البشري.

وبحسب الروزنامة الازتيكية الشمس الخامسة هي الأخيرة، وبغروبها تغرب الإمبراطورية، إلا إذا ظهر المخلص المنتظر من الشرق وقد كان المخلص المنتظر كورتس هو المنتظر القاتل الذي عجل بانهيار الامبراطورية التي لا تعرف صفات مخلصها!

أما ميثولوجيا حضارة الانكا الأضخم في أميركا الجنوبية فهي ميثولوجيا ضراعة الدم والتي كانت أيضاً وراء انهيار إمبراطوريتهم العظيمة التي تمتعت بفكر هندسي وحضاري ومدني وطبي كبير، فقد تمكن مئتا جندي اسباني من تحطيم إمبراطورية في نصف يوم!. ومثلها ميثولوجيا الشمال الأميركي التي يصفها المؤلف بأنها ميثولوجيا الأمل المفقود.

أما بالنسبة إلى الميثولوجيا الرافدية التي تتهم بأنها بدائية طينية وليست صخرية، وكل ميثولوجيا بدائية بالضرورة فالأساطير والزقورات العالية كلها بنيت أو سجلت على ألواح الطين، ويربط الباحث بين الاستبداد الشرقي وبين قلة احترام عناصر هذه الميثولوجيا للجمال والسمو، فمعظم رسومات الرافدين وحشية تبعث على إيقاع الرعب في قلب المشاهد وذلك لتخليد الملك، أما أهم أساطير الرافدين فهي الطوفان التي لا تخلو منها أسطورة بشرية.

وتبقى الميثولوجيا الرافدية ميثولوجيا نواح مستمر على دموزي «تموز» الذي افتدى زوجته اينانا«عشتار» المخطوفة من الالهة والتي عادت لتبكي في شعائر حزن لا تنتهي. كما انه ليس فيها بشر الا اثنين هما شوكاليتودا وزيوسودرا.

ميثولوجيا شعوب المايا (المكسيك الوسطى) هي ميثولوجيا دورات الخلق والتدمير، مما أدى إلى انهيارها أيضاً أسوة بزميلاتها من حضارات أميركا الأصلية، ويسميها الباحث ميثولوجيا» لعبة كرة الموت القاتلة» وهي كرة مطاط كان يلعب بها مجموعة من الناس أو النبلاء تنتهي بقربان بشري، وقد استفظع المستعمرون طقوس الفصد الدموي التي كان الإمبراطور يقوم بها، أما الدخان والتدخين فقد كان له وظائف غير التي لها الآن، تتعين في طرد البعوض وإرسال برقيات مستعجلة وأحيانا للاتصال مع «قلب السماء».

يعتبر الباحث أن الهند هي شجرة الكون الميثولوجية فهي مصدرة ومستوردة لكل أنواع الأساطير، والميثولوجيا اليونانية كلها مهاجرة من الشجرة الهندية حتى قتل الابن للأب وانحياز الأم لبنتها إلى درجة أن شوبنهور بنى نظريته الفلسفية على الشجرة الهندية، كما اعتمد رالف امرسون على الهندوسية في تطوير فلسفته المتعالية وطور جورج هاريسون موسيقى الروك انطلاقا من موسيقى الهند وبنى عالم النفس الشهير كارل غوستاف يونغ نظرية واسعة اعتمادا على «الماندلا» الهندية.

من الصعب تمييز الميثولوجيا عن النفس في الهند، والسبب يعود إلى أن التطور الميثولوجي الهندي لم يكن تصارعيا وإنما كان تراكميا فالرب يحل إلى جانب الرب وينتزع منه أهميته.

لذا يوصف المعجم الميثولوجي الهندوسي بأنه معجم مطاط تذوي فيها مصطلحات الدين مع الفلسفة، كما أن الميثولوجيا الهندية تنفرد بأنها بلا عقوبة أبدية. وللأعداد أهمية كبيرة في الميثولوجية الاسكندفانية لكنها لاتصل إلى الأهمية التي أولاها الشرقيون للأعداد كما في المدرسة القبالية اليهودية فالعدد ثلاثة سحري يصلح للابتهال وللعدد ثمانية قوة سحرية أكثر من كل الأعداد.

يشدد الباحث إلى أن ميثولوجيا فارس (الزردشيتة) ركزت على عقيدة المخلص المنتظر وأنها وضعت الأساس لكل مسيح منظر، النار عندهم هي الخلق الأول الذي لا تشوبه شائبة، كما أن الألفية عقيدة زرادشتية أيضاً بظنهم أن نبيا جديدا يأتي في الدورة الثالثة.

وتعتبر الطاوية ترجمة صينية للقب اهورا زدا الفارسي، والمنوية والميثرية تجليات أخرى لها، والشهنامة (ستين ألف بيت شعري) ملحمة شعرية تعرض الميثولوجيا الإيرانية مع الأشارة إلى تقاليد فارس العريقة، أما البهائية فهي دين عالمي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر غرضه خلق عالم يخلو من النزاع. ميثولوجيا مصر الروحية الشمسية هي مقلوب ميثولوجيا الرافدين المادية، وهي عقيدة البحث عن الخلود، فالبحث عن الذهب لم يكن من أجل الثروة وإنما من أجل سر الخلود!

يبقى البحث الأهم في الكتاب هو الميثولوجيا اليونانية التي تتميز بخصائص أهمها: أنها أدخلت منطقا خاصا على الميثولوجيات المشتركة بين الشعوب بحيث انها صارت مقنعة بالمجاز، كما أنهم جسدوا الميثولوجيا بفن النحت، الأمر الثالث هو أن الدين اليوناني الذي احتضن الأساطير المهاجرة دين أدبي» لا يحارب الأديان الأخرى» كما توفر على المنطق والخيال والعقل والتسامح مما حول بانثيونهم إلى بانثيون عالمي.

المؤلف في سطور

حنا عبود مؤلف وناقد أدبي ومترجم، متفرغ للتأليف والترجمة، صدر له في التأليف 14 كتابا تناولت المسرح والشعر والنظرية الأدبية ومنها(علم الاقتصاد الأدبي، والقصيدة والجسد، ومن حديث الفاجعة).وصدر له في الترجمة الأدبية، 25 كتابا عالجت آداب الأمم العالمية وأساطيرها ومنها: النبوية في الأدب، وأركان الرواية والكوميديا الإلهية.

و صدر له في الترجمات الفلسفية والاجتماعية والسياسية 16 كتابا تبحث في الاشتراكية الخيالية والمادية التاريخية وصراع الأفكار ومنها: موجز تاريخ الفلسفة والعائلة المقدسة والعلوم الاجتماعية.

الكتاب: الميثولوجيا العالمية

المولف: حنا عبود

الناشر: اتحاد الكتاب العرب دمشق2009

الصفحات:385 صفحة

القطع: المتوسط

أحمد عمر