بعد مرور مائة عام على وفاة الكاتب الروسي الكبير ليون تولستوي يولي الناشرون الغربيون اهتمامهم بمذكرات زوجته صوفيا تولستوي، صوفيا انديافنا، ابنة الطبيب التي كان تولستوي قد تزوجها وهي في الثامنة عشرة من عمرها حيث أنجبا 13 طفلا بقي منهم تسعة على قيد الحياة. وإذا كانت السيدة تولستوي قد كتبت قصة حياتها في «يوميات» فإن هذه هي المرة الأولى التي يتم نشرها فيها على الصعيد العالمي وليس الروسي فقط وحيث لم يتم نشرها في الاتحاد السوفييتي ولا في روسيا بعد كاملة.
في مطلع القرن العشرين كانت صوفيا اندريافنا أمضت القسم الأكبر من حياتها إلى جانب مؤلف «الحرب والسلام»، ليون تولستوي، الروائي الشهير وأحد أعلام الفكر الروسي. ومنذ ما يقارب المائة سنة قررت «صوفيا تولستوي» الشروع بكتابة قصة حياتها، بصيغة يوميات. وذلك باعتبارها شخصية «لها اعتبارها» وليس فقط من حيث أنها زوجة تولستوي. وهذا ما تعبّر عنه بالقول إنها أرادت أن «تستعيد» ذلك الجزء من ذاتها الذي جرى حجبه إلى جانب «الرجل العظيم».
لقد كانت «حاجة» صوفيا تولستوي إلى «البوح بما تكنّه لذاتها» مسألة جوهرية بالنسبة لها. هذا ولو كان الثمن هو إبراز تناقضاتها «وهي كثيرة»، إلى جانب ما كان يعتريها بين فترة وأخرى من «صلف وغيرة». إنها لا تكتفي أبدا بالوصف، بل تقدّم ما يشبه «التحليل النفسي الذاتي» في محاولة لفهم «نفسها».وهذا ما تفصح عنه بأشكال عديدة.
وما يكتشفه القارئ لدى صوفيا تولستوي هي أنها كانت امرأة «مسحوقة» أحيانا من قبل عبقرية زوجها، وأنها كانت أحيانا أخرى «فريسة» إحساس عميق بالحرمان. هذا خاصة تحت زحمة مطالب الحياة اليومية التي كانت تتطلّبها منها أسرتها وأطفالها العديدون.
ولعلّ من أهم فوائد هذا الكتاب أن صاحبته تقدم، عبر توصيفها لمسار حياتها اليومية، الكثير من المعلومات عن بعض الجوانب «الحميمة» لدى ليون تولستوي. ومن خلال التفاصيل يتعرّف القارئ على معنى أن تكون المرأة زوجة رجل شهير. وتتبدّى خاصة ملامح المسار الفكري لتولستوي ككاتب يحمل الكثير من التناقضات الذي «تمزقه تناقضاته وصراعه الداخلي المستمر».
ورغم ما قيل، وهو كثير، عن تولستوي فإن هذا الكتاب «اليوميات» بقلم زوجته ورفيقة حياة صوفي، يقدّم ما هو جديد عنه وعنها. تكتب: «لقد أمضيت حياتي كلها وأنا أسخّر كل ما أملكه من قدرات لأجل زوجي، وضحّيت بكل شيء من أجل أسرتي. لكن كان ذلك هو ما أتطلّع إليه. لقد كان قدري ووجهتي في الحياة، أو لعلّني أستطيع أن أقول ذلك بشكل أفضل، إنها إرادة الله».
كانت صوفي ابنة مدينة مدللة وقد التحقت عند الزواج بليون تولستوي في منزله الريفي على مسافة 300 كيلومتر من العاصمة موسكو حيث عاشت معه هناك 48 سنة. وتشير أن نوعا من سوء التفاهم قام بينها وبين زوجها منذ سنوات الثمانينات في القرن التاسع عشر. كان ذلك على خلفية إعجابها به ككاتب روائي بينما توجه هو نحو الكتابات الفلسفية وانتهج خطا سياسيا قريبا من الفلاحين، بل وتخلّى عن «لقبه الارستقراطي». وأعلن عن نيّته التخلي عن حقوقه كـ«مؤلف» لصالح الشعب . وما تؤكده صاحبة هذه «اليوميات» هي أنها رغم خلافها الفكري والحياتي مع تولستوي لم تتخلّ أبدا عن «معركتها» من أجل أن «تستعيد موقعها» في حياة زوجها. وتشير أنه كان من جهة «يحاول الابتعاد» أحيانا بينما لم تكن تريد هي سوى «العيش بجانبه».
ومن خلال هذه «اليوميات» يتعرّف القارئ أيضا على الظروف التي شهدت «ولادة» الأعمال الروائية الكبرى لليون تولستوي. وتشير المؤلفة أن أكثر الفترات سعادة في حياتها بالقرب من زوجها كانت خلال «الفترة الجنينية» لرواية «الحرب والسلام». وتروي أيضا قصة انتحار إحدى جاراتها بإلقاء نفسها أمام قطار مسرع. تلك الحادثة هي التي أوحت بنهاية رواية «آنا كارنينا» الشهيرة.
وإلى جانب الحديث عن تولستوي ورواياته وعلاقاتها بالوسط المحيط به، تقدّم صوفي الكثير من الحكايات عن نمط الحياة اليومية لمنزل ارستقراطي روسي في القرن التاسع عشر. وتصف بإسهاب تلك النزهات التي كانت تقوم فيها برفقة أطفالها بأحضان الطبيعة عبر الغابات بقصد التزلج على الجليد المتجمد لسطح مستنقع قريب. وفيما يشبه كثيرا أجواء الروايات الروسية.
ولا شك أن أحد ميزات هذا العمل الكبرى هو أنه يشكّل وثيقة فريدة عن السنوات الأخيرة من حياة ليون تولستوي. وما تؤكده صاحبة اليوميات «زوجته» هو أنه كان قد نال أثناءها مكانة كبيرة تتجاوز حدود «الروائي» إلى مكانة «رجل الفكر» الذي يؤمّه أفواج من الزوار القادمين من جميع أنحاء روسيا.
إنه كتاب- وثيقة يتسم بقدر كبير من الصراحة التي قد تصل أحيانا إلى درجة «القسوة». وقصة امرأة روسية عاشت ثقافة حقبتها وقررت أن تكتبها بكل «صدق». تقول في المقدمة: «سأحاول أن أكون مخلصة وصادقة حتى النهاية. كل حياة هامة وحياتي قد تلفت ذات يوم انتباه أولئك الذين قد يريدون معرفة أكثر عن المرأة التي اختارت لها العناية الإلهية أن تعيش إلى جانب العبقري والمعقّد ليون نيكولايفتش تولستوي».
الكتاب: يوميات صوفيا تولستوي
تأليف: صوفيا تولستوي
الناشر: الما بوك نيويورك 2010
الصفحات: 650 صفحة
القطع : المتوسط
The diaries of Sofia Tolstoy
Sofia Tolstoy
Alma Books- New York- 2010
650P.