يستعرض الكتاب ماهية الرؤى البنيوية، في مفهوم السيرة الذاتية كمقاربة اصطلاحية ومعجمية، ساعيا الى تمييزها عن غيرها من الأجناس، مثل اليوميات والذكريات والمذكرات.

 ويذكر مؤلفه أحمد بن علي آل مريع، أن العرب أطلقوا كلمة سيرة على ما كتب من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، واتسعوا في مدلولها، فأطلقوها على بعض الأشخاص، كسيرة ابن طولون وسيرة صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس. كما أن السيرة في محيطها الأدبي الواسع نوع أدبي يكون فيه ملتقى الحق الفني بالحق التاريخي، ويراد بها درس حياة فرد من الأفراد ورسم صورة دقيقة لشخصيته.

وعن توصيفات المعاصرين للسيرة الذاتية يرى المؤلف انه كثيرا ما يصطدم الباحث بعبارات مثبطة تدعو إلى القعود أو الانصراف عن العمل على إيجاد تحديد مرض لفن السيرة الذاتية، بدعوى أن السيرة الذاتية جنس أدبي جديد لا يتجاوز عمر مصطلحه القرنين على وجه التحديد.

كما يبين آل مريع أن هناك اتجاهاً يعتمد في تعريفه للسيرة الذاتية على متون أعمال السير الذاتية، ولذلك تباينت المفاهيم وتشعبت التصورات بحسب المتون (النصوص التي خضعت للوصف والدراسة). وأما الاتجاه الآخر فإنه لا يأخذ في الحسبان المتن الأدبي لفن السيرة الذاتية عند تعريفها، لكنه يعتمد على ما يسمى بـ(العقد الأوتوبيغرافي) أو ميثاق السيرة الذاتية.

ويقف على رأس هذا الاتجاه الناقد الفرنسي المعاصر فليب لوجون. ويشير المؤلف إلى ما أسماه بأنواع أدبية تلتبس بالسيرة الذاتية، منها: الاعترافات، الذكريات، الرسم الذاتي، المذكرات، اليوميات. وفي الوقت نفسه يعمد الباحث آل مريع، إلى التأكيد على الأصول الكنسية والمسيحية التي رافقت نشأة السيرة في أوروبا. فمن رحم نظرية الاعتراف بالذنب، نشأ أدب السير الذاتية، وتمدد إلى آخر الكتابات في جنس السيرة.

كما، وفي ظل هذا الفضاء السردي، انتبه المؤلف الى أن السيرة تنهض على أدب البحث عن الذات. ولكن هذا البحث هو أيضاً بحث في القيم وفي المثل العليا وفي الفضائل فهذه الذات الثاوية وراء السيرة، ليست معصومة من الخطأ كما أنها لا تتحرك من عالم من اليقينيات والمطلقات، وإنما كائن إنساني ينفعل بالمكان وبالتربية وبالوراثة.

وتحت عنوان" الصدق وكاتب السيرة الذاتية المسلم"، يحدد المؤلف مفهوما للأدب الإسلامي، ويسعى إلى أن يطّرح أفكاراً قيمة في هذا الشأن، مستدلاً بتجارب عدة، وأهمها: اعترافات الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وما يهمنا فيها أن هذا الرجل كان مولعاً بالفنون وبالموسيقى، وعاشقاً للأجواء الفنية المصرية في الأربعينيات من القرن الفائت.

وأما الآن فهو زائد فيها ومعبر عن ندمه وأسفه. وهذا- برأيه- ما يسمح بالقول ان للسيرة الذاتية بعد الشاهد التاريخي لتطور الأفكار والقيم، من التسامح والتعدد واتساع الأفق، إلى نوع من التشدد والانغلاق، أصبح مع الأسف ظاهرة عامة، أساءت إلى الثقافة وإلى الفنون وتلك قضية أخرى.

ويوضح آل مريع، في تطرقه الى شروط كتابة هذا النوع الادبي، ان الجسارة والجرأة شرطان من شروطها، وإلا أضحت تلاعباً بالألفاظ وتخفياً وراء الاستعارة، كي لا يكون الكاتب موضوعاً للنقد وللحكم من القارئ.

والباحث آل مريع لا ينفي تلك الشروط ولكن يحاول إلباسهما اللبوس الإسلامي الذي يعشق الفضيلة ويحيي الندم على الإثم، بما يشبه ضرباً من جلد الذات الذي هو المقابل المفهومي لتعرية الذات في الاعترافات الأدبية الغربية، وكلاهما في تقديره، يسلب أدبية السيرة من أجل نموذج أخلاقي رفيع .

ويجد آل مريع، ان للأخلاق في السيرة، تأثيراً سيئاً، إذ يمكن أن تمثل القناع الذي يدعى الكاتب السيري إسقاطه، أو أنها يمكن أن تحول النص إلى وعظ وتنبيه من الوقوع في المطبات والسقطات، وذلك ما يحول الكاتب إلى صاحب سلطة على القارئ، لأنه هو الأعرف منه والأكثر خبرة.

إننا نرى كما رأى كثير من النقاد، أن أفضل الحلول الممكنة لتجنب الاعترافات الفاضحة والتعري الزائد، يتمثل في تأصيل الشعرية في صميم العمل الأوتوبيرغرافي، فالحقيقة التي يسعى الكاتب السيري إلى بلوغها هي حقيقة عصية عن الإدراك في الوقت ذاته، إذ إنه يحاول أن يمسك بأكثر العناصر لزوجة وانسيابية.

وهو عنصر الزمن. ويحاول -عبثا- أن يمسك باللحظة الهاربة لكي يعيد موضعتها في صميم عملية الإنتاج والكتابة وهذا عمل لا يخلو من عنف ومشقة. إذن نحن في الأصل أمام نص سردي ولكنّه قد يروح الى الشعر ويمتزج بقلق الشاعر، ونعني بالشعرية أيضاً أن ننفذ إلى روح الكاتب، وبقدر ما يتجاسر على التعبير عن فكرة خفية أو واقعة غير تقليدية بقدر ما يعتوره الرّعب لحظة كتابتها، ولحظة مراجعتها حتى بعد مدّة من الزمن.

كما تناول المؤلف، بالشرح الاعتراف، (المكاشفة) كمظهر من مظاهر الصراحة ومحاباة النفس وعتابها، ليصل إلى نتيجة مؤداها، أن كتابة السير الذاتية في حد ذاتها، عملية تخييل، وبالكتابة يكشف كاتب السير الذاتية، مناطق قصية في تجربته وفي وعيه.

 

 

 

 

 

 

الكتاب: السيرة الذاتية مقاربة الحد والمفهوم

تأليف: أحمد علي آل مريع

الناشر: المجلة العربية

كتاب المجلة العربية الرياض 2011

الصفحات: 176 صفحة

القطع: المتوسط