يدرج مؤلف الكتاب، الباحث الموسيقي المتخصص، صميم الشريف، جملة عوامل رئيسية، يرى أنها لعبت كبير الدور في نشأة وتطور الموسيقا في سوريا، ويذكر من ضمنها ماهية تطور الأغنية الشعبية الدارجة التي كانت تستقي مادتها من الحياة اليومية البسيطة ديمومتها عند الفنانين الشعبيين المجهولين.
والذين حافظوا عليها ونشروها في كل ديار الشام. حتى أضحت بعد أن جمعت وهذبت من تراث الشعب الفولكلوري. وهذا طبعاً إلى جانب فني الغناء الكلاسيكي (القصيدة والموشح)، وفن الأغنية الشعبية. إذ نقل العاملون في الموسيقى والغناء، فن الدور المصري إلى ديار الشام ليتبوأ المكانة اللائقة به، إلى جانب فنون الغناء الأخرى المعروفة، مثل: الموال، الاهزوجة.
ويوضح المؤلف أن الموسيقا العربية في سوريا تقوم، على قسمين أساسيين، يتفرَّع عنهما ما اصطلح على تسميته بقوالب التأليف الغنائي والموسيقي. الأول: هو الفن الغنائي وينحصر التأليف ضمنه، في القوالب الفنية التي أبدعها العرب في عصورهم الزاهية، كالقصيدة والأغنية الدينية والموشح والغناء بكلمة "يا ليل" والمواليا والأغنية الشعبية والابتهالات الدينية والأهزوجة، وفي القوالب الموسيقية الموروثة من التركة العثمانية، مثل البشرف والسماعي والتحميلة والدولاب الذي كان يستخدم كتمهيد للغناء.
وأما الفن الحديث الذي دخل على الغناء العربي منذ ثلاثينات القرن الماضي، فتندرج فيه القصيدة الغنائية والأغنية الدارجة والأغنية الشعبية المطورة عن مثيلتها التراثية. وكذا الأغنية المستقاة قوالبها من الغرب.
ويشير الباحث صميم الشريف، الى انه، وبصورة عامة، فإنَّ فترة الثلاثينات ثمَّ الأربعينات من القرن الـ20، تمكنَّت من الحفاظ على التأليف الموسيقي في سوريا، في القوالب الموروثة، أمام تيار التجديد الفوضوي، والذي سار جنباً إلى جنب مع الاضطرابات التي عصفت بسوريا طوال عقد الثلاثينات، والتي لم تتوقف إلا مع نشوب الحرب العالمية الثانية في صيف عام 1939، لتعود أكثر عنفاً بعد عامين في أعقاب دخول الجيش البريطاني الثامن الى سوريا عام 1941.
كما يلمح المؤلف الى ان بعض نقاد الموسيقا يذهب الى القول: إن تيار التجديد الفوضوي الذي شهدته الحركة التأليفية التي انبثقت عن المعاهد والأندية الموسيقية الخاصة، كان انعكاساً للأحداث الدامية والاضطرابات التي شاركت فيها تلك الأندية والتي لم تتوقَّف طوال الثلاثينات، سوى خلال فترات ضئيلة من أجل جمع الصفوف والتقاط الأنفاس.
غير أنَّ واقع الغناء في الفترة نفسها، كان أفضل من واقع الموسيقا. ويمكن القول إنَّ الغناء اتخذ له مساراً واضحاً بالنسبة للتراث (في فن الموشحات)، فمدينة حلب حافظت عن طريق أقطابها، مثل: علي الدرويش وعمر البطش ونوري الملاح "1882-1942" وأحمد الأوبري "1895-1952" وأحمد الفقش "1900-1974 ".
وعملت على إثرائه وإغنائه. بينما تراجعت في سائر فنون الغناء الأخرى، مثل الدور والقصيدة والأغنية الخفيفة الدارجة، وذلك أمام هجمة الأساليب المصرية لهذه الفنون التي احتلت مكانتها، ليس في سوريا فحسب وإنما في سائر الأقطار العربية عن طريق أصوات المطربين والمطربات المصريين، ومنهم:
محمد عبد الوهاب، صالح عبد الحي، محمد بخيت، عبد الغني السيد، عبده السروجي، محمد صادق، أحمد عبد القادر، منيرة المهدية، أم كلثوم . وأصوات المطربين والمطربات غير المصريين من المقيمين في مصر، من أمثال: نادرة الشامية، لور دكاش، علياء المنذر وكل من ولديها: أسمهان وفريد الأطرش.
ويبين المؤلف انه يمكن القول، بعد هذا، إنَّ فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الـ20، على صعيد مسيرة وتفاصيل تطور الموسيقى في سوريا، كانت صورة ونتيجة للأوضاع السياسية والاحتلال والاضطرابات والثورات، فشهدت بواراً،
ثمَّ يورد الناقد صميم الشريف أسماء المغنيين والموسيقيين الذين أثروا المشهد الموسيقي السوري، ومن هؤلاء :أحمد الصواف(1902-1987)، صالح المحبك ( 1910-1954)، ماري جبران ( 1911-1956)، فايزة أحمد( دمشق 1934- القاهرة 1981)، سلامة الأغواني ( 1909-1982 )، عمر النقشبندي ( 1910-1981)، رفيق شكري ( 1923-1969)، نجيب السراج، عبد الفتاح سكر، صباح فخري، عدنان أبو الشامات، سهيل عرفة، محمود إسماعيل، مصطفى نصري، صفوان بهلوان.
ويعتبر الشريف في بحثه أنَّ الموسيقي شفيق شبيب 1897-1982، هو من أوائل الرواد، ومؤسس النادي الموسيقي الشرقي في سوريا (1914)، وكان من بين أعضائه فخري البارودي.
الكتاب: الموسيقا في سوريا دراسة تاريخية
تأليف: صميم الشريف
الناشر: وزارة الثقافة دمشق 2011
الصفحات: 800 صفحة
القطع: الكبير