يتناول كتاب "اللغة كائن حي.. رؤية ونظرة فكرية حول اللغة الكردية أنموذجا" لمؤلفه آزاد حموتو، قضية اللغة من منظور فقهي سيسيولوجي معمق، مستقصيا طبيعة ارتباطاتها بالثقافة والتاريخ والتقاليد والتراث الأدبي لشعب ما في فترة زمنية غابرة. يوضح حموتو أن هذا العلم يعتمد على النصوص والمخطوطات والنقوش المكتوبة والموثقة، أي انه علم يبحث في شؤون اللغة المكتوبة.
ويؤكد مؤلف الكتاب، أن اللغة، تعد من أهم الوسائل الأساسية التي يملكها الفرد والمجتمع، للتعبير عن النفس، وللتفاهم والترابط والتواصل مع الآخرين. وعرفت البشرية حضارات ومدنيات عديدة متعاقبة تاريخياً وجغرافياً، جاءت ورحلت، ولدت وماتت، وبقيت معها اللغة، ككل كائن ومخلوق حي، خاضعة لقوانين الولادة والبعث والنمو والتطور والوفاة والزوال.
ويشير مؤلف الكتاب الى ان عماد مختلف الحضارات، في شتى حقب التاريخ، كان وسيبقى، أناسها مع أداة ثقافتهم وتعبيرهم الأساسية، ألا وهي لغتهم، وعلى الأخص الحضارات التي تعاقبت على منطقتنا، مثل: الحضارة السومرية، التي شهدت مراحل ازدهار ومراحل ضعف. وكذلك الحضارة الأكادية التي انقسمت إلى لغتين: البابلية والآشورية.
وينتقل الباحث حموتو الى تبيان حقيقة ان الكرد كشعب جبلي، أصوله تنحدر من منطقتين، الأولى: منطقة جبال زاغروس، والثانية: غرب منطقة الهضبة الأرمنية ومنطقة جبال طوروس. وهكذا فإن أصل اللغة الكردية المستعملة اليوم هو "هندو جرماني"، بفرعها الإيراني الغربي القديم، وثمة أخبار من نصوص مسمارية وكتابية تذكر شعوبا ومجموعات بشرية جبلية.
وأسماء أعلام، لها علاقة مباشرة بالكرد، ومن المرجح- حسب المؤلف- أن يكونوا أسلافهم، إذ إن هذا هو ما يتفق عليه جميع المتخصصين بعلم الكردولوجي. ويرجح حموتو أن تكون لغة الكرد لغة شفهية محكية، منطوقة، غير متأثرة بغيرها، وهذا ربما يكون التفسير المنطقي لديمومتها إلى يومنا هذا.
ويشير المؤلف، في شرحه لمضمون وتركيب اللغة الكردية، الى انها مركبة ومبنية من عدّة لهجات، منها لهجتان أساسيتان، اولهما الكرمانجية أو الكردمانجية، والتي تنطق وتتكلم بها الغالبية العظمى من الكرد، وتستعمل الخط اللاتيني في تدوينها وكتابتها. اما الثانية فهي الصورانية أو السورانية المستعملة والمتداولة في المناطق الشرقية والجنوبية من إقليم كردستان العراق، وفي المناطق المناظرة لها في إيران، وتستخدم في كتابتها الخط العربي.
ويبين المؤلف ان الكردية تضم لهجات أخرى عديدة، صغيرة نسبياً، مثل: اللهجة الظاظية، اللهجة اللورية، اللهجة الكورانية. وهذه اللهجات المحكية، لها تاريخها وتطورها ونموها اللغوي الخاص. وكان علي ترموخي أوّل من ألف كتاباً في نحو اللغة الكردية وصرفها، وهو بعنوان "السبيل إلى اللغتين الكردية والعربية"، وذلك سنة 1591م.
لكن حموتو يؤكد على انه كانت التجربة الرائدة في خلق وتكوين لغة كردية، عامة وحديثة ومفهومة نوعاً ما، بالنسبة لجميع الكرد، كانت في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، وهي للأمير الكردي المثقف جلادت بدرخان، في دمشق وبيروت، ولاحقاً لأخيه كاميران، في باريس.
وكانت انطلاقتها بوضع قواعد وصرف جديدين، مع اختراع وإيجاد أبجدية متفرعة عن الأبجدية والخط اللاتيني. وبعدها كثرت المحاولات في عموم مناطق استقرار الكرد، كما تكررت عمليات تطوير حال اللغة الكردية من كل الجوانب، على يد متعلمي أكراد يريفان، في جمهورية أرمينيا.
ويرى المؤلف أن الإعلام الكردي المرئي، يحاول حالياً، كسب أكبر عدد ممكن من المشاهدين والمتابعين، من خلال الفضائيات المتنوعة، عبر خلق لغة تخاطبية مشتركة، وذلك كمرحلة أولى تقضي بتعريف وتوضيح شكل اللهجات المتنوعة لجمهور الكرد، ثم يقوم في المرحلة الثانية بتقريب اللهجات من بعضها لتكوين لغة جماهيرية تداولية مفهومة من عموم الكرد.
ويخلص حموتو الى التأكيد على ان اللغة تنمو وتكبر وتتوسع بأدبياتها المكتوبة والمدونة، وبإبداع متعلميها ومثقفيها ومفكريها، أي انها تحتاج إلى مدارس وإصدارات ومنشورات ودوريات يومية وأسبوعية وشهرية وفصلية وسنوية، والأهم من كل ذلك، إلى قرّاء.
المؤلف في سطور
الدكتور آزاد حموتو، باحث وكاتب. من مواليد عفرين في حلب بسوريا، حيث درس في مدارسها، ثم تابع دراسته، فتخرج من جامعة مونستر في ألمانيا. وهو متخصص في مجال علم اللغات الشرقية القديمة، وحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الأديان والأجناس.
كتاب: اللغة كائن حي رؤية ونظرة فكرية حول اللغة الكردية أنموذجاً
تأليف: آزاد حموتو
الناشر: دار الزمان دمشق 2012
الصفحات: 84 صفحة
القطع: المتوسط