يتوسع كتاب " شعر الجن في التراث العربي"، لمؤلفه الدكتور عبدالله سليم الرشيد، في إدراج نماذج وأشكال نسب العرب، الشعر إلى الجن، إذ جعلوهم ذوي صلة بالشعر، بشكل واضح، وبخاصة في المواقف المحفوفة بأجواء من الرهبة والغموض، المتمثلة بنمط ما نقلته تلك الأخبار، التي جاء الشعر في تضاعيفها.

ويذكر عبدالله سليم الرشيد، أنه من العلماء الذين اعتنوا بتصنيف كتب عن الجن وأخبارهم وأشعارهم: لقيط المحاربي (ت 190هـ)، ابن أبي الدنيا (ت 281هـ) الذي يمكن عد كتابه من أقدم ما وصل إلينا فيما هتفت به الجن، الخرائطي (ت 327هـ)، المرزباني (ت 384هـ)، الشبلي (ت 769هـ)، السيوطي (ت 911هـ). كما يشير المؤلف، إلى أنه، ومن قبل، كان قد خص الجاحظ (ت 255هـ)، الجن، بكلام طويل في كتابه (الحيوان). وهو ينقل فيه أن ما ورد بتخصصات هذا الباب كثير جداً (يريد ما نحل من الشــعر للجن)، ولكنــه لم يورد منه إلا القليل.

ويرى المؤلف أن ما بين أيدينا من هذا الشعر، وما أطاف به من أخبار أسطورية، تعبير عن مستوى معرفي في فهم الحياة والكون وسائر مظاهرها، فهو ذو ارتباط أبعد غوراً بما في طبيعة العمل الشعري، من صبغة عجائبية وإعجازية، أضفاها الخيال الجمعي عليه. وهذه الأخبار وما احتوت عليه من شعر منحول داخله في إطار الأدب، إذا ما قبلنا الرأي الذي يجعل الأدب كتابة تخيلية، وإذا ما غضضنا الطرف عن صدقها من كذبها، ساغ لنا إدخالها في الثقافة الأدبية العامة؛ لأن فيها محاولة لتأطير الخبر والفكر بالصياغة الفنية.

ثم تحدث الرشيد، عن الجن في التفكير العربي. فعرف بهم وأورد آراء العرب في الجن، وحدد مساكنهم ومقدار الشعر المنسوب إليهم، كما ورد في المصادر. ثم عرج على اختلاف رواية الشعر المنسوب إلى الجن، وبيّن تضارب نسبة الشعر إلى الجن، حتى في الكتاب الواحد، إذ نسب شعر في قصة مقتل الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، إلى راكب. ثم نسب في موضع آخر إلى جني، وذلك في كتاب الهواتف لابن أبي الدنيا.

كما تناول المؤلف مواقف بعض العلماء من شعر الجن والأخبار المتصلة بهم، فأورد آراء للجاحظ والمسعودي وأبي هلال العسكري والسيوطي والماوردي. ويرى أن كثيرا ما يورد في الشعر المنسوب إلى الجن، وما يلابسه من قصص مصاحبة الجن أو تلقي الشعر عنهم بلفظ التكذيب الصريح أو التوهين والشك.

ثم يدرج فيه الكثير من شعر الجن، موضحاً قيمته الفنية، وعلاقته بمفهوم الشعر عند العرب، ليصل إلى أن حقيقة نسبة الشعر إلى الجن، ألهمت النقاد أن يدركوا العلاقة بين الشعر والسحر. وكذا يمكن عدها، إرهاصاً بشَّر بنظريات متقدمة في تأويل الشعر وفهمه.

ويؤكد الرشيد أن ما في هذا الكتاب، استعراض لما جاء من الشعر منسوبا إلى الجن، من حيث مصادره ومقاماته ومادته، ومستواه الفني. وكذا مقاربة لعلاقته بمفهوم الشعر عند العرب، وهي نقطة الارتكاز المهمة فيه، التي يرجو المؤلف أن تمنح هذا الكتاب خصوصية نقدية، فنسبة الشعر إلى الجن ألهمت النقاد أن يدركوا العلاقة بين الشعر والسحر، ويمكن عدها إرهاصا بشّر بنظريات متقدمة في تأويل الشعر وفهمه. ولا شك في أن هذه الأخبار، وما لابسها من الشعر، لا تزال بحاجة إلى دراسات تحليلية، تستخلص دلالاتها الحضارية والاجتماعية والنفسية.

 

تلميح وتصريح

 

يبين الكتاب أن للشعر عند العرب، شأناً كبيراً، فهو لديهم تعبير ذو سمات غير معهودة، وتمثيل للمعاني، وافتنان في الألفاظ، وخروج عن السائد في كلامهم اليومي العابر، بل حتى عن كلام خطبائهم البليغ. ويشهد على تلك المنزلة، اتفاقهم على المصادر الغامضة للشعر، ونحلهم الكلام البليغ للكهان والعرافين، ونظرتهم للشاعر على أنه إنسان غير عادي. وتواطؤوا في هذا السياق على نسبة الشعر إلى الجن، وجعلوهم ذوي صلة بالشعر تلميحا أو تصريحا.

 

المؤلف في سطور

 

الدكتور عبدالله سليم الرشيد، أستاذ الأدب والنقد في كلية اللغة العربية ـ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض. صدر له أربعة دواوين شعرية، وهي: خاتمة البروق، حروف من لغة الشمس، أوراد العشب النبيل، ونسيان يستيقظ. ومن كتبه :السيف والعصا.. مذكرات في مشكلة الفصحى والعامية، وقوفاً بها: ثلاث ظواهر في الشعر العربي الحديث.

 

الكتاب: شعر الجن في التراث العربي

تأليف: الدكتور عبدالله سليم الرشيد

الناشر: المجلة العربية - الرياض - السعودية - سلسلة كتاب المجلة العربية - العدد 186-2012م

الصفحات: 88 صفحة

القطع: الصغير