يرى كتاب"مشكلة الاتحاد والتعالي في عقيدة الشيخ محيي الدين بن عربي"، لمؤلفه الدكتور الأخضر قويدري، أن نظرية وحدة الوجود عند ابن عربي، لا تعني أبداً، حلول الله في مخلوقاته، أو اتحاده بها، بل تبين أنّ الوجود واحد، ولكن ينظر إليه باعتبارين :

 وحدته وأنه لا موجود بحقّ سواه، تكثّره بأسماء وبصفاته المتجليّة في العالم. وبالتالي فلا هو متحد بالعالم، ولا متعال عنه . ويلفت قويدري إلى أن ابن عربي ظل يشدد على أنّ الوصول إلى التوحيد الخالص المتمثل في رؤية الحقّ في الخلق والخلق في الحقّ، لا يتأتى أبداً خارج حدود الشريعة الإسلامية .

كما أشار إلى وُجد العالم لإظهار الحقائق الإلهية، والغاية من إيجاده تتمثل في "التخليص من المزجة، فيعرف كل عالم منشأه من غير امتزاج " . . والأسماء رغم اختلافها فإنها تعود جميعها إلى الذات الإلهية الواحدة، وما يحدث في العالم ما هو إلا أثرٌ لتجلي الأسماء الإلهية المختلفة، كالنافع والضار والمنتقم والقابض والباسط، وغيرها . وما نشاهده في هذا العالم، من شر وخير، وقبح وجمال، وحقّ وباطل، ما هو إلا نتيجة لتجلي الأسماء الإلهية "ولو بقي اسم من الأسماء، لا حكم له ولا أثر، لكان ما يقتضي له الحكم معطّلاً " .

ويلفت المؤلف إلى ان هذه المعرفة تعطي صاحبها الراحة والطمأنينة، لأنه إذا تيقّن يقيناً ذوقياً، من أنّ ما يحدث لـه هو جزء من حقيقته التي هي عينه الثابتة في علم الحق، تيقن أن هذه العين لا يخرج منها إلا ما هو مطابق لحقيقته، والحقائق لا تتغير على الإطلاق .

ويوضح قويدري أن دين الحبّ الذي يتكلم عنه ابن عربي، مقام ذوقي يبلغه العارف فيشهد بعين الحقيقة أن الله عزّ وجلّ متجل ظاهر في كل الأشياء، فيسلّم لهذه المظاهر، ويتواضع عند شهودها، للحقّ عز وجلّ، الذي منه بدأت وإليه تنتهي .فالموجودات التي ظهر الله بها هي التي بطن فيها، والتي بطن فيها هي التي ظهر فيها، وحاصل الأمر " أن الحقّ سبحانه ظاهر في بطونه، باطن في ظهوره " . وليس في الوجود إلا هو، بل هو الوجود وحده .

ويشدد المؤلف على أن دعاة وحدة الوجود يؤمنون بأن الكثرة الموجودة في العالم، ترجع إلى تكثر الأسماء الإلهية وتعددها، غير انهم عندما يتكلمون عن الكثرة، ينبهون إلى أنها ليست كثرة حقيقية، وإلى أنّ الذي يقف عندها دون أن يرجعها إلى أصلها الواحد، واقف محجوب بحجاب الخلق عن الحقّ، أي أنه في مقام " الفرق الأوّل ". وحتى تكتمل المسيرة، ينبغي أن يتعدى هذا المقام ليصل إلى " مقام الجمع "، وهو مقام " الفناء في الله "، وهذا المقام ذوقي شهودي، يبلغه العارف " فيشهد الحق بلا خلق " .

ويفيدنا قويدري بانه ينقسم التوحيد عند بن عربي إلى ثلاث مراتب، ولا يتم السلوك الصوفي إلا باستكمالها، وهي : توحيد الأفعال، توحيد الصفات، توحيد الذات. وذلك أن "الذات محجوبة بالصفات، والصفات بالأفعال، والأفعال بالأكوان والآثار " . كما أن سلوك الصوفي يبدأ بتحقيق وحدة الأفعال ( أي الفناء في الأفعال)، ثم يترقى إلى تحقيق وحدة الصفات ( أي الفناء في الصفات )، ليصل في النهاية إلى تحقيق وحدة الذات ( أي الفناء في الذات) . فهذه الفناءات الثلاثة هي التي تمكّن الصوفي من الوصول إلى عين البقاء، وهو المقام الذي يشهد فيه " الحقّ في الخلق والخلق في الحقّ " .

والصفات الإلهية تتمايز في مرتبة الألوهية، وبهذه الصفات سيوجد كل ما سوى الله من الكائنات، ذلك أنّ هذه الصفات والأسماء ستطلب آثارها " إذ لا قاهر بلا مقهور، ولا قادر بلا مقدور، ولا راحم بلا مرحوم، ولا خالق بلا مخلوق ". ومعرفة آثار الأسماء والصفات في هذا العالم، أمر ميسور لكل ذي عقل، ومن هذه التجليات يمكن للعاقل أن يترقى إلى معرفة الأصول، أي الأسماء والصفات.

إنّ وحدة الوجود التي أرسى دعائمها ابن عربي، ظهرت في أوروبا على يد الفيلسوف الألماني جوهان اكهارت ( 1327 م)، إذ تأثر بالثقافة الأندلسية في الحكمة والعلوم . وإذا علمنا أنّ فلسفة اكهارت قد امتدّ تأثيرها إلى فلاسفة القرن الثامن عشر، مثل فيخته ( 1814) وهيغل ( 1831 ) وشيلينغ ( 1854 )، استطعنا أن نستنتج قيمة آراء ابن عربي الصوفية، في تشكيل بنية الفلسفة الألمانية خاصة، والأوروبية عامّة .

 

 

 

 

 

 

الكتاب: مشكلة الاتحاد والتعالي في عقيدة الشيخ محيي الدين عربي

تأليف: د. الأخضر قويدري

الناشر: دار نينوى دمشق 2011

الصفحات: 192 صفحة

القطع: المتوسط