يشتمل كتاب" امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، لمؤلفه الطاهر الحداد، على قسمين: تشريعي واجتماعي. ويتناول القسم التشريعي ضمنه، هدف إثبات أمرين.. الأول أن الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة لم تعد تتمتع بها وتمارسها بالدرجة نفسها.. وكذا بالمستوى عينه، اللذين وضع الإسلام المرأة فيه.
ويوضح المؤلف أن الإسلام حين شرع هذه الحقوق للمرأة، لم يكن يريد أو يقصد أن يقف عندها، بل غايته أن يمهد إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة، لكن المسلمين بسبب ظروفهم التاريخية، وقفوا في طريق التطور هذا. ويشير الحداد إلى أن الأحكام على نوعين: الأولى الثابتة غير القابلة للتبديل (مثل العدل والمساواة). والأخرى التي أطلق عليها "أحكام عرضية"، التي أوجبتها الظروف.. وليس في ذهاب تلك الأحكام ما يضير الإسلام، مثل: قضايا الميراث، تعدد الزوجات.
ومن مسائل القسم التشريعي، يضيء الكتاب على موضوع "الاعتبار الذاتي للمرأة"، مبيناً أنه تحسنت أوضاع المرأة مع الإسلام، في مقابل فترة الجاهلية.. حتى أنه توجد سورة طويلة في القرآن الكريم، باسم "سورة النساء".. وهي تتناول حقوق المرأة وواجباتها.
ويدلل المؤلف على أن رفاعة الطهطاوي يعد أول من تجرأ حديثاً في موضوع النظر إلى المرأة، واعتبرها مساوية للرجل، سواء بسواء.. وهو ما جعل الحداد يطالب بالحقوق المدنية للمرأة، مثل الشهادة والقضاء، إذ أجاز الإمام "أبوحنيفة" تولي المرأة القضاء، واعترف الإسلام لها بهذا الحق. ويرى الكاتب أنه يستحيل للإمام أن يفتي بذلك عن غير حق، خصوصاً أنه عاش فترة قريبة من فترة حكم الصحابة الراشدين.
وبناء على ما سبق، يلفت المؤلف إلى أنه قرر الإسلام للمرأة أهلية تخول لها حق التملك الشخصي، سواء عن طريق الميراث أو العمل كالرجل. ويتطرق الحداد، إلى أمور عديدة ترتبط بمسائل الزواج، وقال بجملة أفكار في هذا الخصوص، استوعبها المجتمع التونسي في ما بعد، ومنها: حرية الاختيار بالنسبة للزوجين، اعتبار الزواج دون البلوغ جريمة. وعن تعدد الزوجات، بين أنها عادة منذ قبل الإسلام. وأما في حالة تعذر الزوجية، فأباح الإسلام "الطلاق"، وهو أبغض الحلال عند الله، ويحث الإسلام على اجتنابه بغير مبرر، إذ يأمر ببعث حكمين للتوفيق بين الزوجين أولاً.
وأما القسم الاجتماعي من الكتاب، فأثار فيه الحداد، الكثير من القضايا والأفكار العملية بالنسبة للمرأة، شارحاً كيفية تثقيف المرأة، حتى أنه قسم التثقيف إلى مناح: صناعية، منزلية، عقلية، أخلاقية، زوجية، صحية. ويرى أنه يتم ذلك عن طريق: تربية الروح الدينية، تهذيب الذوق وتكوين العقل، التدريب على الصواب، التنشيط بالألعاب الرياضية.. وغيره.
كما تناول المؤلف مسألة الزواج من الأجنبيات، ونجده عارضها بشدة، نظراً لحرصه على عروبة وقومية الشخصية التونسية، مشدداً على أن المرأة الأجنبية ستلقن أولادها أخلاقها وعاداتها وتقاليدها، وثقافتها بالتالي، ما يحتمل أن يهدد ملامح شخصية الأجيال الجديدة. كما تناول قضية "سفور المرأة"،.
وهي القضية نفسها التي أثارها رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، بل ومارسته "نبوية موسى" ودعت تلميذاتها إليه. ويؤكد الحداد أن في السفور ضرورة لخروج المرأة من عصور التخلف، إلا أن السفور عنده لا يعني الخروج على حدود اللياقة والأدب وكشف الجسم والتجميل والتزيين وإثارة الشهوات..
بل هو وسيلة لتطوير المرأة، وإعدادها الإعداد الصحيح. ويعد هذا الكتاب تعبيراً فكرياً وعملياً، عن ما كانت عليه الحياة الثقافية والاجتماعية في تونس، بل في العالم العربي، في مطلع القرن الـ19، مع الاتصال بالعالم العربي، إذ انكشفت الهوة الحضارية والفارق بين المنطقتين. وبرزت الدعوات الإصلاحية من أجل تحقيق التقدم المرجو.
الكتاب: امرأتنا في الشريعة والمجتمع
تأليف: الطاهر الحداد
الناشر: "كتاب الدوحة"- (مجلة الدوحة-2012)
الصفحات:230 صفحة
القطع: المتوسط