لم يكن خبر إدراج«السدو»الإماراتي في قائمة التراث غير المادي للبشرية لدى منظمة اليونسكو، أخيراً، خبراً عادياً، إذ مثّل صيغة اعتراف دولي بمكانة ورفعة جودة الحرف اليدوية الاماراتية. وكذا جسد هذا الاختيار من قبل اليونسكو، في ابعاده وجوانبه المتصلة، شهادة تقدير لأهمية جهود ومبادرات تركيز أهل الامارات، حاليا، على إنعاش صناعة "السدو" القديمة، والتي كانت انتعشت وحازت مكانة مهمة بين شعوب المنطقة، بفضل ميزاتها النوعية.

 

تعد صناعة السدو إحدى أبرز الحرف التقليدية الإماراتية التي تعكس غنى مضمون التراث، إذ تمثل مهنة قديمة عمل فيها الانسان البدوي.

وهي اكتسبت أهميتها من احتكاكها المباشر بحياة الانسان، وهنا يبرز السؤال: ما هو السدو، ولماذا حصل على هذه المكانة المهمة في الدولة والعالم أجمع؟

حققت الامارات إنجازا كبيرا، في الفترة الماضية ( يوم 27 نوفمبر)، من خلال ادراج منظمة اليونسكو العالمية، لحرفة السدو، على قائمة التراث غير المادي للبشرية.

وهو ما يمثل انتصاراً للدولة، ويبين مدى اهتمامها بهذه الحرفة التي مرت عليها قرون عدة. كما يبين مدى خوفها من اندثارها، خصوصا في ظل كونها دولة عصرية استطاعت، رغم كل الإغراءات والتطور التكنولوجي، أن تحافظ على وجود الحرف التقليدية الموروثة لديها، ومنها السدو، وإيلائها لحرفة السدو اهمية كبيرة، تتميز فيها عن مجموعة حرف يدوية أخرى كثيرة لم تعد موجودة في الإمارات، بفعل تبدل احتياجات الناس في حقبة ما بعد النفط.

 

(حياكة الصوف)

قد لا يكون هناك تاريخ محدد لبداية صناعة السدو (حياكة الصوف)، أو حتى آليات الشغل فيها وطرق انجازها، فهي تعتبر من أقدم الحرف اليدوية التقليدية في شبه الجزيرة العربية، وبلا شك فإنها تعطي صورة صادقة عن جهود أولئك الذين عاشوا في البيئة الصحراوية، وعرفوا جيداً كيف يمكن استغلال مواردها الطبيعية وتطويعها لصالحهم، حتى مع قلتها.

ورغم أن السدو لم يعد ظاهراً بيننا هذه الأيام بشكل جلي، إلا أنه كان قديماً شيئاً أساسياً في حياة من مروا في هذه المنطقة، فمسكن البدوي كان عبارة عن بيت شَعْر مصنوع من شعر الماعز وصوف أغنامه، وكانت الخيمة أو بيت الشعر تمثل الملجأ الواقي الذي يرتاح فيه من عناء حياته القاسية، ويمتع نظره بالمنسوجات الزاهية بألوانها ونقوشها الجميلة.

وقديماً كان في السدو دلالة على مكانة صاحب البيت، وذلك وفقاً لدراسة قامت بها المتخصصة بمجال التراث وصناعاته، رونا كرايتن، حول الأساليب الفنية للحياكة البدوية (السدو)، والتي أوضحت بأن "مكانة صاحب البيت (تقصد قديماً) تتحدد وفقاً لحجم بيت الشعر وما يحويه من منسوجات (السدو)".

وقالت: "لكون حياة التنقل تتطلب البساطة والخفة في الحركة، اعتادت بعض القبائل العربية ترك بعض منسوجاتها وحاجياتها الثقيلة لدى أشخاص يأتمنونهم خلال فترة تنقلهم في الصحراء وراء المراعي".

استخدامات عدة

استخدم السدو، قديماً، في مجالات واشكال متعددة، خصوصا لدى البدو. وهو يعد عنصراً أساسياً في تكوين بيوت الشعر التي تعتبر بالنسبة لهم، مساكن متنقلة.

وهذه البيوت نابعة من اختيار ولدته ظروف البيئة والحياة التي يعيشها الناس قديماً، فهم كانوا في حالة تنقل دائم مع حيواناتهم، طلباً للكلأ والماء، واعتادت المرأة على حياكة السدو، وهي من خلاله تعبر عن تقاليد فنية عريقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ.

وكانت تتفنن في زخرفة ونقش السدو، بنقوش كثيفة، هي عبارة عن رموز ومعان مختلفة يدركها البدو. ويعرفون ما تحمله من قيم، فبعضها يعبر عن وشم القبيلة نفسها. وبعضها عن المواسم ويتميز السدو بألوانه الزاهية المتنوعة وزخارفه الجميلة التي لها أيضاً دلالات اجتماعية مختلفة، ومستوحاة من طبيعة أبناء البادية.

 

مواد وأدوات

تعتمد حرفة السدو على مواد وأدوات، منها وبر الإبل وصوف الماعز والأغنام، إضافة إلى مجموعة معدات منها، المغزل والأوتاد الخشبية، ورغم أن هذه الحرفة كان يمارسها في القدم الرجال والنساء، على حد سواء، إلا أن النساء كن أشد إتقاناً وبراعة فيها، مقارنة مع الرجال. ومن السدو يمكن للحرفي صناعة بيوت الشعر وما تحتاجه من (فلجان وذراء وأسيجة).

وكذلك صناعة المزاود والخروج والمفارش والمساند، وتدخل في هذه الحرفة حياكة الملابس ورفي البشوت التي هي أكثر ملابس الرجال شهرة وأهمية في منطقة الخليج تحديداً، والممثلة نمط لباس عربي أصيل، يعد من أرقى أنواع الازياء، كونه يصنع من خيوط فاخرة وبطرق متقنة جداً.ويعد صوف الغنم وشعر الماعز، مواد أساسية يحتاجها صانع السدو في عملية الغزل.

حيث تبرم هذه المواد على المغزل للحصول على الخيط، ثم تمر بمرحلة السدو للحصول على "الدرية". وهي كرة الصوف، ومن هنا تبدأ حياكة بيت الشعر الذي يغطي أعلى الخيمة، وبعضاً من جوانبها لمقاومة برد الصحراء في فصل الشتاء.

 

الألوان.. ردة فعل

تتميز البيئة الصحراوية بصرامتها وهدوئها وألوانها الخالصة، وكردة فعل على صرامة هذه البيئة وألوانها، فقد كانت المرأة البدوية تتعمد استعمال الألوان الصارخة، كالأحمر والبرتقالي في منسوجاتها بالسدو، وهي الألوان التي تغلب على أقمشتها. لتعكس بذلك حساً فنياً وذوقاً جمالياً فطرياً. وقبل دخول الأصباغ الكيميائية كانت النساء يستعن قديماً، ببعض النباتات الصحراوية، مثل العرجون.

وهو نبات بري حولي يعطي لوناً برتقالياً مائلاً إلى الاصفرار، لغرض صبغ الخيوط الصوفية، وكن يستعملن "الشب والفوه واللومي" لتثبيت اللون. وأيضاً لإضافة اللمسات الجمالية على أقمشة السدو، كانت تعمد المرأة في البادية الى إضافة لمسات جمالية خاصة عليها مثل المزاود والخروج والقواطع، وتزينها بالدرز والجدائل الملونة أو الجلود، في حين اعتمدت نقوش السدو بشكل أساسي على الأشكال الهندسية القائمة على مبدأ التناسب والانتظام، ليبدو ذلك تأثراً بالنسق العام للجسد الإنساني.

وبالتكرار المنتظم في الطبيعة كتعاقب الليل والنهار وتوالي الفصول. وفي امتداد افق السهول والرمال، ويتجلى ذلك في الحياكة اليدوية في الخطوط الافقية المتوازية المميزة لنقوش السدو، الحاوية لأشكال هندسية مبسطة، إذ تظهر في كثير من الأحيان، في صورة مثلثات أو نقاط أو أشكال هرمية صغيرة متكررة.

ونتلمس في أشكال تصنيع وحياكة السدو، وفي أنماط زخرفته بنقوش جميلة ملأى برموز ومعان مختلفة، تعبيرا فريدا عن احد أشكال مكونات هوية البيئة الصحراوية، وذلك مثل نقوش دلال القهوة، وسروج الإبل والاقمشة التي تكسى بها الصقور. وكذلك في أنواع أخرى تحاكي دلالات ضاربة جذورها في عمق تاريخ المنطقة، كنقوش القباب والهلال، وبعض الرسوم الهندسية من فن العمارة الأموية والعباسية.

 

تحول

لم تعد صناعة السدو منتشرة في الإمارات والخليج عموماً بشكل كثيف كما كانت في السابق، وقد تحولت مع مرور الزمن إلى هواية يمارسها بعض النسوة اللواتي ورثن هذه الصناعة عن أمهاتهن وجداتهن، ولعل هذا ما كان سبب تحفيز هيئة أبوظبي للثقافة والتراث لتسجيل السدو ضمن قائمة التراث غير المادي للبشرية لدى منظمة اليونسكو، بهدف المحافظة على هذه الحرفة وإنعاشها، وبلا شك فإن تمسك بعض النسوة في هذه الحرفة يرجع الى الحنين للماضي، حيث كانت الأمهات قديماً يقمن بحياكة "السدو" وتأمين مفروشات البيت البسيطة المنتجة يدوياً من قبلهن.

 

طريقة الحياكة

تقوم المرأة، قبل بدء حياكة السدو، بإزالة الشوائب وبقايا العشب التي تكون عالقة بصوف الأغنام، مستخدمة أمشاطاً خشبية، ذات أسنان حديدية. وذلك كي تصبح أليافه صالحة للغزل، ثم تضع ألياف الصوف على "التغزالة" لسحب الألياف منها وغزلها. ويعتبر صوف الأغنام من أكثر الخيوط شيوعاً ضمنها، لوفرته وحسن غزله ونسجه، فضلاً عن كون لونه الأبيض هو الأكثر تفضيلاً لدى الناس، إذ يتصف صوف الغنم الأبيض بسهولة صباغته بأي لون. ذلك على عكس الوبر والشعر اللذين يستخدمان بألوانهما الطبيعية ولا تنجح صباغتهما.

ويكون لـ"الفتلة" المفردة حينما تغزل، "برمة" يمينية أو يسارية، وهذا حسب اتجاه دوران المغزل، سواء باتجاه عقارب الساعة أو عكسها. ويتحكم عدد "البرمات" في كل سنتيمتر، بقوة الفتلة وذلك يؤثر في مظهر النسيج، فإذا قلّت في السنتيمتر الواحد، أنتجت "فتلة" ذات غزلتها رخوة ومتخلخلة، وتعطي نسيجا ناعما لينا.

أما "الفتلة" التي يكثر عدد "برماتها" في السنتيمتر الواحد فتعطي نسيجا أكثر قوة وتماسكا، يُبرز بوضوح جمال النقوش اليدوية التي تُرسم على النسيج.وكان أهل الامارات في الماضي، يستخدمون الأصباغ الطبيعية المستخرجة من الأعشاب الصحراوية، لكن حالياً تشترى الخيوط الصوفية والشعر، وهي مصبوغة آلياً، أو تشترى الأصباغ من الأسواق وتمزج. بينما يعتمد في العديد من قطع "السدو" على لونها الطبيعي الذي يفضله السياح ويقتنون منه قطعا صغيرة، كهدايا تذكارية.

 

مشغولات متنوعة

لقطع المشغولات المصنوعة من السدو في الخليج أسماء عدة. منها ما يطلق عليه اسم "الساحة"، وهي المفارش التي تستخدم في فرش المجالس والدواوين، وتصنع عادة من الخيوط المبرومة، وتسمى عادة "البساط". وهناك أيضاً ما يعرف باسم "المساند". وهي عبارة عن مجموعة وسائد يستند إليها الجالسون في المجلس، ويتم تزيينها بـ "الخشام"، أي تطريز أطرافها لتعطي رونقاً جذاباً.

وهناك أيضاً "الدثارة" وهي نسيج جميل وقليل السماكة، يستخدم كغطاء للنوم في الشتاء. بينما يعد "بيت الشعر" القطعة الأكبر من مشغولات السدو، وهو الخيمة والمسكن المتنقل لأهل البادية، ويصنع من الصوف أو الماعز بلون أسود أو بني. وهناك "المزواد" وهو كيس كبير يستخدم لحفظ الملابس، له حياكة أعلى فتحة الكيس. يماثله قليلاً "العدل" وهو عبارة عن كيس كبير لحفظ الأرز أو القمح، وكانت "العدول" قديماً تصنع من القطن نظراً لمرونة خيوطه. وكذلك هناك "الحقائب" وهي قطعة معروفة من اسمها، كانت تضع الجدات فيها قديماً، الحلي التقليدية أو الدخون وأدوات الزينة". وهناك أيضاً "الشعرية" و"الرواق" و"البطان" و"الطرابيش".