لعل أكثر ما يميز المرأة الإماراتية عن قريناتها في الخليج، واقع كونها الأكثر تمسكاً بزيها التقليدي. ولا غرابة في أن نرى اليوم، أنه أصبحت المرأة الاماراتية مصممة أزياء تعمل على مواكبة خطوط الموضة العالمية، ضمن حدود أزيائها التقليدية، ولعل العباءة خير مثال على ذلك، فقد تحولت من مجرد رداء إلى قطعة غالية الثمن تصول وتجول مجموعة مبدعات اماراتيات في تصميمها.

 لكل امرأة في هذه الدنيا زيها الخاص تحبه وتعشقه، فهو ما يميزها عن غيرها من نساء العالم. وكذلك هي المرأة الاماراتية التي تعشق عباءتها وأزيائها الخاصة، والتي حافظت عليها من الاندثار ولم تلحق ركب التغيير الذي شمل كل شيء في عالمنا. فقديما كانت المرأة الاماراتية تحيك ملابسها بيدها، ومع مرور السنوات تواكب اشتغالها على تصاميم الزي، مع خطوط الموضة العالمية.

ورغم ذلك بقيت ملابسها تتميز بالبساطة ولكنه من نوع بسمة جمالية فريدة، وكذا تتسم بروعة الذوق والتناسق في الألوان. وايضا حافظ بعض النسوة على وجود التلي الذهبي والزري الفضي.

 ارتباط بالبيئة

إن أهم ما تتميز به أزياء المرأة الإماراتية عضوية الارتباط ببيئتها المحيطة، وكذا تماشيها مع العادات والتقاليد العربية والإسلامية، وقد انعكس ذلك على شكل ولون وطبيعة هذه الأزياء، فمن جهة تتميز بألوانها الجميلة وشكلها الفضفاض. ومن جهة أخرى، اتسمت بتلبيتها لمختلف الأذواق.

ولعل أشهر ما يميز ازياء المرأة الاماراتية، خاصة التقليدية منها، تزيينها بخيوط التلي الذهبية، أو خيوط الزري الفضية. فالتلي، الذي يعرف أيضاً باسم (السين)، عبارة عن خيوط من القطن (عادة تتألف من ستة خيوط أو "هدوب" ثلاثة من كل جهة)، يتوسطها خيط واحد من الفضة، وتقوم المرأة بجدل هذه الخيوط بطريقة فنية، إذ يكون خيط الفضة في الوسط دائماً.

وأما الزري فهو عبارة عن خيوط من الحرير الأصفر اللماع، والذي تحلى به الملابس، ويعتقد أن لفظة (الزري) فارسية وهي مشتقة من كلمة (زر) وتعني "الذهب". وقد كانت تطرز الملابس بالزري فيقال "ثوب مزرّاي". وتعتبر صناعة التلي والزري، واحدة من المهن النسائية المهمة، التي ظلت تمارسها المرأة الاماراتية لفترة طويلة.

ولا تزال تحرص على تعليمها للبنات، وقد لاقت هذه الحرفة رواجاً كبيراً، خلال عقود الستينات والسبعينات من القرن الماضي، إذ توفرت للنساء مبالغ مالية أكثر، لتصرف كل منهن على تزيين الملابس. وحرصت المرأة الاماراتية على تطريز ملابسها بالتلي عند الصدر والرقبة والرسغين.

تعد "الكندورة العربية" من أهم ملابس المرأة الاماراتية، والكندورة هي عبارة عن فستان يحاك من جميع أنواع القماش، وتتميز بخيوط التلي الذهبية المطرزة على أكمام اليدين والرقبة، لتضفي على الكندورة لمعاناً وبريقاً يزيد من أناقة المرأة. وهناك أيضا "الثوب".

وهو عبارة عن القطعة الثانية التي ترتديها المرأة فوق الكندورة، وتستخدم في صنعه أنواع عديدة من الأقمشة، وهو مستطيل الشكل يخاط من الجانبين، وتترك فتحتان طويلتان لليدين وفتحة واسعة للرقبة، وقد تضاف إليه قطعة من الخلف، تسمى الذيل. في حين يشبه "السروال" أو "البادلة" البنطال ولكنه أوسع وفضفاض.

والجزء الأسفل منه يكون مزيناً بتطريز جذاب من التلي. ولأثواب المرأة الاماراتية أنواع أو اسماء عديدة، أبرزها ثوب (النشل)، وهو ثوب واسع يرتدى في المناسبات الخاصة، مثل حفلات العرس والأعياد، وتلبسه النساء والفتيات والبنات الصغيرات في معظم دول الخليج العربي، ولا فرق في زخارفه أو تفصيله أو ألوانه فيما بينهن. ويصنع من أقمشة حريرية سادة.

 "ميرح"

ومن الازياء التقليدية الأخرى لدى المرأة الاماراتية، ثوب (ميرح)، وهو تخريج الثوب بلون آخر من أقمشة أخرى تخاط مع بعضها. واما ثوب (النقدة)، والذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى تطريزه بقطع الفضة أو خيوط الفضة التي كانت تباع وزناً، فهو يصنع من قماش متخلخل النسيج، ويسمى "تول ناعم"، علماً بأن كلمة (نقدة) كانت قديماً تعني وزن الفضة.

وهناك أيضا ثوب (الثريا) والذي يكون مطرزاً بشكل مثلث عند الصدر، وقاعدته إلى الأسفل تشبيها بنجم الثريا في السماء. وأما ثوب (سرح) فيكون مطرزاً بوحدات تنزل طولياً فقط، في حين يختلف الأمر في ثوب (حفن)، إذ تقطع زخارفه خطوط أفقية، وتستخدم المرأة الاماراتية أيضاً ثوب (الملسلس) أي الموشح بخطوط ملونة بـألوان مختلفة، وهي براقة ذهبية وفضية. ويوجد أيضاً ثوب (الكورار)، ومعظم هذه الأثواب كانت تستخدم لمناسبات معينة.

 "السويعية"

تستخدم المرأة الاماراتية عباءة يطلق عليها اسم "السويعية"، والتي تلبسها عند خروجها الى مناسبات مهمة، وكانت "السويعية" تصنع قديما من الحرير أو الصوف وتجمل بالزري. وهي عبارة عن رداء طويل فضفاض. والغرض منه عدم إبداء ملامح الجسم، وكانت قديماً تستورد من الكويت والبحرين والسعودية.

 الشيلة والبرقع

أما "الشيلة" وهي عبارة عن قطعة من القماش سوداء اللون، ويطلق عليها البعض اسم (الوقاية). وكانت الشيلة في الماضي كبيرة، ويصل طولها الى المترين وكذلك يبلغ عرضها حدود المتر الواحد، وتضعها المرأة على رأسها خلال خروجها من المنزل حيث تغطي وجهها بالشيلة قبل أن ترتدي العباءة.

وهناك أربعة أنواع للشيلة هي: الساري، والسمة، والغيل، والتورة، وقد ذكرت الشيلة أو الوقاية كثيراً في الشعر الشعبي، فكان المسافرون في رحلات الغوص يرمزون باستخدامهم لكلمة الشيلة إلى "الشوق" إلى الأهل والأحبة.

وكذلك استخدموا "الكندورة" أيضا في تعبيراتهم الشعرية، كناية عن الشوق إلى الأهل والأرض، خاصة وأنهم كانوا يغيبون لأشهر عدة عن قراهم ومدنهم. ومن أغطية الرأس الأخرى ما عرف باسم (الملافع)، و(البرقع البدوي) و(الغشوة) أو (البوشية) التي تتكون من قماش حريري أسود مطرز الحواشي. 

البرقع.. للمرأة المتزوجة

وأما (البرقع) فقد كان أحد أجزاء زينة المرأة الاماراتية، وجرت العادة قديماً ان تؤمر الفتاة بلبس البرقع فور بلوغها، وفي وقت لاحق أصبح البرقع مقتصراً على المرأة المتزوجة فقط، ويصنع البرقع من نوع خاص من القماش المستورد من الهند وأفضلها هو قماش (تباتل).

والبرقع عبارة عن قطعة قماش تتألف من نوعين، أحدهما فاخر يكون من قماش (شربت حسين)، والعادي من قماش الحشيشي (ساسوتي). ويثبت البرقع على الوجه بواسطة خيوط (حمراء أو ذهبية) وتسمى (الشبج). وقل ارتداء البرقع في الوقت الحاضر.

واستعيض عنه بالشيلة التي توضع على الوجه لتغطيته. وكانت المرأة الاماراتية قد استخدمت في تصميمها لأزيائها أنواعا عديدة من الأقمشة، والتي تحتوي على تطريز مميز، منها: "المزري".

وهو قماش خاص تنشر فيه نقوش أو خطوط أو زخارف من الزري، ومنه جاءت التسمية. وكان هذا القماش يستورد على حالة من الهند وإيران وباكستان، ويكون على هيئة طوق يقص منها البائع بالوار. وهناك أيضاً ثوب "بو تيلة"، وهو من الأقمشة المعروفة جداً في الإمارات، و"التيلة" هي الكرات البلورية الشفافة الملونة التي كانت مخصصة ليلعب بها الصبية سابقاً، وهو من الأقمشة المفضلة لخياطة كل من : الكندورة والخوار. 

جهاز العروس

لا تختلف ثياب العروس الخليجية عمومـــاً في تفصيلهــا وزخرفتها عن ثياب المناسبات العادية، إنما تتميز بكثرتها، إذ تحرص العروس على اقتناء مجموعـــة كــبيرة من الثياب المطرزة حسب قدرة أهلها وأهل زوجها في هذا الصدد، ويفضل اللون الأخضر في ليلة الزفاف، تعبيرا عن التفاؤل، ويكون ذلك أثناء وضع الحنة وتزيين العروس.

وهذا في حين تتكون "زهبة" العروس الإماراتية (جهاز العروس)، بشكل رئيسي، من مجموعة العطورات النسائية المعروفة قديماً، كالعود والمسك والعنبر التي تجلب بشكل رئيسي من الهند، وكذلك الحناء والصندل والزعفران والزبـــاد والبخـــور وخلطــــات متقنة من الدخون، وهي من بعض أنواع العطور. وهناك الورد والصمغ وطحين العود.

كما تضم الزهبة أيضاً ثياباً تقليدية مزركشة ومزينة بخيوط حريرية، فضلاً عن بعض الأقمشة وأدوات للزينة ومواد تجميل، إضافة إلى قطع من إكسسوارات الذهب، تتمثل في (الطاسة) ذات السلاسل الذهبية التي توضع على الرأس، (الشغاب) : قرط للأذن، (الحيول): أساور ليد العروس، (الكف) : سوار تتدلى منه سلاسل ذهبية تنتهي أطرافها بخواتم خمسة، (المرتعشة) :عقد تتدلى منها سلاسل الذهب وتوضع في جيد العروس.

 الأزياء في الكتب

كانت الأزياء في الامارات وسلطنة عمان تحديداً، موضع اعتناء نوعي بالنسبة لعدة كتاب اجانب، وفي هذا السياق، وصفها باسهاب وتفصيل كبيرين، مجموعة من الرحالة الاوروبيين الذين مروا في هذه الأرض، وكذلك فعل عدد من الرجال العسكريين الذين كانوا في المنطقة، خلال فترة الاستعمار البريطاني والبرتغالي لها، وايضا أثناء مهماتهم الرسمية التي كانوا يكلفون فيها.

وقد وثقت مجموعة كتب عدة انجزها رجالات غربيون، في تلك الفترات، تقاليد الازياء بالمنطقة والامارات، وهي مؤلفات تعتبر فريدة من نوعها نتيجة لغياب التوثيق العربي في المجال.

ومن أبرز من كتبــوا في تلك الفترة، اللفتناننت توماس لمسدن الذي نشر كتاباــً متخصصا بهذا الشان في العام 1822، وهو يعــد من أوائل الذين كتبوا عن أوضاع المنطقة في تلك المرحلة، وقدم في كتابه المذكور، وصفاً لملابس النساء التي غلب عليها اللون الأسود فحينها.

وهناك أيضا الرحالة الميجر توماس سيكنز الذي أصدر كتاباً في عام 1836 وصف فيه أسواق مسقــط والأزياء التي كانت تباع فيها.

وأما بلغريف فقد زار الشارقـة في العام 1860، وذكر أن اسواقها كانت تعرض العديد من المنتجات الصوفية، موضحا انه كان تشتمل على مصنع للعباءات الخفيفة والأثواب القطنية الطويلة.

وهو فعليا ما اكده الرحالة لوريمر الذي زار الشارقة في العام 1905، إذ ذكر أن العباءات كانت تصنع من صوف الأغنام. وكذلك درج على هذا النهج عدد من الرحالة الاخرين، مثل: الن فيلرز، ولفريد ثيسغير. واعتينا، كما نظرفعل نظراؤهما، في ذكر توصيفات وتفاصيل الأزياء التي كانت يستخدمها الرجل والنساء في الامارات.

ومن أبرز الإصدارات الحديثة التي وثقت لزي المرأة الاماراتية التقليدي، كتاب "الملابس الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة"، الذي أصدرته دائرة الثقافة والإعلام في عجمان في العام 2011. وهو يستعرض الملابس الشعبية للرجل والمرأة والطفل في المجتمع الإماراتي، ويضيء على مصادرها وتصميماتها وأنواعها وطريقة خياطتها. ويعد الكتاب مرجعاً مهماً في هذا الحقل، خاصة وأنه يعد الأول من نوعه.

وهناك أيضا كتاب "الأزياء والزينة في دولة الإمــــارات العربية المتحدة" لمؤلفــــه عبد العزيز المسلـــم، والذي تطــــرق فيـــه الى بيان مميزات وخصائص الأزياء التقليدية في الامارات، وأنواع ومسميات الألوان وخامات الملابس، وكذلك رصـــد ضمنه طرق العناية بالملابس.

وتناول موضوع زينة المرأة الإماراتية من الحلي والعطور والحناء والكحل، إضافة إلى العناية بالشعر وتسريحاته. وهناك أيضاً العديد من الكتب التي ألفت في التراث الاماراتي، والتي تطرقت في تفاصيلها الى الأزياء التقليدية، سواء للمرأة أو الرجل، أو كليهما معا.

المتاحف وتوثيق الأزياء

لم يقتصر توثيق زي المرأة الاماراتية التقليدي على الكتب فقط، وانما اتسعت مناحيه لتشمل المتاحــف المنتشرة في ارجاء الدولة. فلا يكاد أي متحف متخصص بتوثيــق الحياة في الامارات، ان يخلو من ركن يعكـــس طبيعة مضمون وسمات أزياء المرأة الاماراتية.

وكذا طــرق حياكتها وأنواعها. إذ يعرضها في قوالب جميلة تكون قادرة على ايصال الرسالة الى المشاهد أو زائر المتحف. وفضلاً عن ذلك اشتملت تلك المتاحف، على معلومات كثيرة حول طبيعة الزي التقليدي للمرأة في الامارات.

كما ذهبت بعض اداراتها، مثل ما هي الحال في "مركز الحرف الإماراتية" في الشارقة، إلى تخصيص مساحة جيدة لعرض حرفة صناعة الأزياء التقليدية، وذلك بطرق حية، حيث يمكن للزائر ان يتواصـــل مباشرة مع النساء اللواتي يعملـــن في هذه المهنــة. وأن يطلع مباشـــرة على متعة وتشويق طرق حياكة هذه الأزياء، بما تضمه من عمليات تطريز التلي وطرق استخدام "الكاجوجه"، وغيرها.