عند مشاهدة التلفزيون، أو متابعة الأفلام في دور السينما، أو عند تصفح الإنترنت، أو قراءة الصحيفة، لابد أن يظهر إعلان ما يسرق المشاهد من انسجامه لفترة تطول أو تقصر، وهذا لا يقتصر على أناس معينين، في بلد ما من العالم، بل هو تقليد شائع، حتى انه من الممكن القول إن هذا العصر هو عصر الإعلان بامتياز، ويكاد لا يظهر منتج، إلا ويرافقه إعلان يروج له بين الناس، وذلك بعد نضوج الأفكار الإعلانية، التي لا تظهر بسهولة، كما يراها البعض، بل تحتاج إلى دراسات تسويقية مرورا بكتاّب النص، والمخرجين الفنيين.
مهما اختلفت الوسائل الإعلانية، يبقى الهدف منها الوصول والتأثير العميق على نفسية المستهلك، لترسيخ وربط اسم السلعة أو الخدمة في ذاكرته. وهو ما دفع بعض المسؤولين في المجال، ليلخص الهدف من الإعلان قائلا: «إن الإعلان ليس علما، إنه إقناع، والإقناع فن».
الإعلانات الأولى
أول إعلان تجاري ظهر في التاريخ، يعود إلى ما قبل الميلاد، فالنقوش البدائية على الصخر، ما هي إلا إعلانات لعروض خاصة على لحم الفيلة. بينما يرجح البعض أن أول إعلان تجاري كان على شكل أبيات من الشعر، نظمها ربيعة بن عامر، الملقب بالدارمي، وتعود قصة أبياته إلى أن تاجرا من أهل الكوفة قدم إلى المدينة المنورة بأخمرة نسائية، وباعها كلها إلا السوداء منها التي لم تنفق، فشكى التجار للشاعر ذلك الكساد، وألح عليه أحد أصدقائه، وكان مغنيا، لينظم شعرا يساهم في رواج الأخمرة السوداء، فنظم أبياتا قال فيها:
قل للمليحة في الخمار الأسود/ ماذا صنعت بزاهد متعبد/ قد كان شمر للصلاة ثيابه/ حتى وقفت له بباب المسجد/ ردي عليه صلاته وصيامه/ لا تقتليه بحق دين محمد..
وغنيت هذه الأبيات، حينها، فلم تتأخر اية امرأة في المدينة عن ان تبتاع خمارا أسود.
وسجل التاريخ فيما بعد، وخلال فترات متباعدة، وسائل ومذاهب متنوعة لإعلانات عن سلع مختلفة، ومنها أول إعلان تجاري، والذي ظهر في صحيفة أسبوعية في ألمانيا، ومن ثم ظهور المشروب في أول إعلان تجاري، وتعود قصته إلى العام 1908 عندما أصدرت الحكومة البريطانية أوامرها بتقنين حانات المشروبات الكحولية، والحد من ساعات عملها .
وذلك بسبب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لإدمان الناس في ذلك الوقت، على الكحول، فخطر ببال أحد عمال القطن في مدينة بلاكبيرن، ويدعى نويل نيكولز، فكرة ابتكار مشروب يكون بديلا للمشروبات الكحولية، واستخدم مكونات فريدة في 29 نوعا من الأعشاب ومن التوت والعنب، ليضعها ضمن برميل خشبي، وبالفعل استحسن الناس ذلك، وأطلق على المشروب اسم «فيم وتونيك» أي «همة ونشاط».
وبعد ذلك، تم دمج الكلمتين مع بعض، واختير اسم «فيمتو». وفي العام 1910 بدأ مستودع نيكولز التشغيل التجاري وحظي بإقبال الناس، وبعد أن أحرق المعمل بسبب الحرب العالمية الثانية، عاد في العام ،1956 فظهر المشروب في أول إعلان تجاري له، وكانت قيمته 110 جنيهات.
وفي العالم العربي، عرفت الصحافة العراقية الإعلانات منذ نشأتها في العام 1869، في جريدة الزوراء، وكان ذلك الإعلان؛ هو عن بداية طبع عددين للجريدة، بدلا من عدد واحد.
تطور فني
يعتبر الإعلان (الدعاية أو الإشهار)، أحد الأنشطة الإعلامية التي لا غنى عنها للأنشطة الاقتصادية من صناعة وتجارة وخدمات وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، وكذلك بالنسبة للمؤسسات والمنظمات الخيرية وغير الربحية، والتي بدون الإعلان عن مجهوداتها، لن تحصل على الدعم المجتمعي والتمويل المادي اللازم لاستمرارها في عملها وأدائها لرسالتها. والإعلان فن يتطور تطورا ذاتيا، بالتطور التقني الذي يصل إليه العالم، فمع التقدم الكبير الذي أحدثته الحواسيب في عالمنا، انعكس ذلك بدوره على عالم الدعاية والإعلان، فأصبح تصميم الإعلانات وإخراجها، يحفل بالتطور والجاذبية.
وليست صناعة الإعلانات من الفنون المستحدثة، وإنما هي قديمة قدم التاريخ، فقد بدأ الإعلان وفق نماذج أشكال تطورت بمرور القرون، حتى أصبح فن الإعلان كما هو الآن. وقد تكثف الإعلانات بدلا من التقدم بشكل متفرق، وذلك تحت مسمى الحملات الإعلانية،.
والتي تهدف إلى التعريف بالمنتجات والخدمات الجديدة أو القائمة بالفعل، وأخذ يحث المتلقي على التجربة والحفاظ على ولاء المستهلك للمنتج أو السلعة، والحفاظ على مكانة المنتجات حتى لا يأخذ مكانتها المنافسون، والحفاظ على العملاء الحاليين، وكسب عملاء جدد، والتعريف العميق بالمنتج وتوضيح كيفية الاستفادة القصوى منه، وتعزيز صورة الشركات والمؤسسات في أذهان المجتمع، ولكن تبقى زيادة المبيعات، الهدف النهائي.
تسويق
تلجأ الشركات إلى وكالات الإعلان في حالات عدة، وهي دخول سوق جديدة يلزمها الكثير من التمهيد والإعلان، وتقديم منتج جديد، وإعطاء دفعة لتنشيط منتج موجود بالفعل في السوق، وعند دخول منافسين جدد في السوق من المجال نفسه. وهناك وكالات وشركات إعلان متخصصة تقوم بتأجير مساحات الشوارع لوكالات الإعلان والشركات الأخرى، حسب المدة والمساحة وتميز المكان وإمكانية المشاهدة الجماهيرية الواسعة له من اتجاهات وزوايا الطريق المختلفة، وتكون لديها فرق متخصصة لمسح الشوارع والمناطق واختيار الأماكن المميزة. وقد يسبق نوعية هذه الإعلانات الشكل التقليدي للإعلان على مساحات الصحف والمجلات، أو في التلفزيونات.
والأفكار الإعلانية لا تخرج بسهولة، كما يراها المستهلك، وإنما يسبقها عمل كثير، يبدأ بمسؤولي التخطيط الاستراتيجي والدراسات التسويقية الذين يقيمون السوق وإمكانات العمل، مرورا بالمخرجين الفنيين، وكتاب النصوص الذين يضعون أفكارا للإعلان.
وعندها يبدأ عمل المصممين، للتصميم وفق الأفكار المتفق عليها لسير وطريقة الإعلان التي تم الاتفاق عليها. وعند انتهاء التصميم، يتم العرض على العميل أي (الشركة أو المؤسسة) لأخذ الموافقة النهائية عليها أو إجراء التعديلات، أو حتى البحث عن أفكار أخرى إن لم ترق لهم، فميزانية الإعلان بالشركات تكون كبيرة وموزعة على مدار العام، ولابد من صرفها على الوجه المناسب.
عقود إعلانية
تعتمد الوكالات الإعلانية في استمراريتها، على عدد من العملاء الكبار «الشركات الكبرى»، لترتيب وتحصيل عقود إعلاناتها السنوية، وكل وكالة تحتاج لعميل كبير بميزانية إعلانية كبيرة، ليدر بذلك الدخل على الوكالة لتغطي تكاليف تشغيلها الكبيرة، حيث تحصل الوكالة الإعلانية على نسبة تتراوح بين الـ 15 والـ 35 في المئة من أجور الإعلان التي تنشرها في وسائل الإعلام، لصالح الشركات المعلنة، لأن وسائل الإعلام، مثل الصحف والمجلات والتلفزيون، تعطي الوكالات الإعلانية أسعارا أقل من الأسعار التي تعطيها للمعلن بشكل مباشر.
الوجوه الإعلانية
المشاهير أو الأشخاص «الموديل» أو الممثلون الذين يظهرون في الإعلانات المطبوعة أو المتلفزة، يعملون عادة بالقطعة وليس لهم وظيفة ثابتة بالوكالة، وقد يكونون من المشاهير الذين يتم الاستعانة بهم لقاء أجر كبير، وهو يفوق مشاركتهم في عمل فني، خاصة اذا أصبح أحد هؤلاء المشاهير وجها إعلانيا لمنتج معين. ومن القصص الشهيرة في هذا المجال أن ماركة
«أديداس» الرياضية الشهيرة، تبنت ووظفت في إعلاناتها، عددا كبيرا من نجوم الرياضة على مر الزمن، ومن أبرزهم اليوم لاعبة كرة المضرب آنا كورنيكوفا. وايضا لاعبو كرة القدم: ديفيد بيكهام، الكسندر دل بييرو، زين الدين زيدان، أوليفر كان، ليونيل ميسي، كاكا، وغيرهم من كبار اللاعبين الدوليين الذين اعتمدتهم أديداس في الترويج لمنتجاتها.
كما أصبحت أديداس العلامة الشعبية الأكثر شهرة ودخلت في ثقافة الشعوب، ولم تقتصر العلامة فقط على الرياضيين ومحبي الرياضة، بل دخلت عالم الفن مع فنانين مشاهير، كانوا يرتدون ملابس وأحذية وإكسسوارات أديداس خلال ظهورهم على المسرح، أمثال عازف القيثارة الشهير سلاش من فريق الروك آند رول غانز آند روزس، وكذلك المغني روبي ويليامز الذي يظهر في أغلب حفلاته بالملابس الرياضية من ماركة أديداس.
حكاية تميز
لـ «شانيل»، الاسم الشهير في عالم الأزياء والموضة، قصة مختلفة بدأت في العام 1924، عندما تشاركت شركة شانيل مع رجل أعمال فرنسي اسمه بيير وارتيميه، فأطلقا مجتمع عطور شانيل، حيث تملك وارتيميه نحو 70 في المئة من العطر، بينما امتلكت شانيل 30 في المئة. وأخذت عائلة وارتيميه حق تسويق العطر، الذي أصبح من الأشهر والأغلى في العالم، ولا يزال حتى اليوم. وفي العام نفسه أطلقت شانيل، أول مجموعة مجوهرات حملت اسم هاربرز بازار، ووصفت بأنها المجموعة الأكثر ثورية.
وفي العام 1950 أطلقت شانيل، إعلانا عن عطر رقم 5، قامت بدور البطولة في أدائه، نجمة هوليوود مارلين مونرو، وهو ما أدى إلى زيادة شعبية العطر.
ولاحقا لعب عدد من الممثلات، عرفن بأنهن سفيرات العطر رقم 5، بطولة الإعلان، أمثال: كاترين دونوف، فانيسا بارادي . وايضا نيكول كيدمان التي مثلت في العام 2004، في عمل إعلان تلفزيوني أطلق عليه اسم «فيلم رقم 5»، وبلغت تكلفته نحو 26 مليون يورو، ودخل موسوعة غينيس، كونه الإعلان الأغلى في العالم.