نعاين في حلقة «وين بنسير اليوم؟» نصب الشعلة، حيث نقتبس من نيرانه شعلة تنير لنا دروب الحياة، وتحت أعمدته نقرأ عن لحظة فارقة في تاريخ دبي، قادتها لأن تكون مدينة مصدرة للنفط، وفي الطريق، نعرج معاً على «عروس دمشق»، لنشم في أروقته عبير الياسمين الشامي، بينما نستمع إلى ترنيمات «يا مال الشام»، الذي يسكن على بعد خطوات من «عروس دمشق» في شارع المرقبات.

تحت سقف دبي، يختال الجمال ويتربع في الميادين العامة، يطل علينا من بين ثنايا الأعمال الفنية والمنحوتات الموزعة في كافة جنبات «دانة الدنيا»، لكل مجسم معماري أو منحوتة فنية فكرتها وحكايتها الخاصة، وصناعها أيضاً، بعضها قديم مر على إشهاره عقود، وأخرى لا تزال الحداثة تسري في عروقها، بعضها صنع من الإسمنت المسلح، وأخرى وظفت فيها مواد حديثة بدءاً من النحاس والبرونز وليس انتهاءً بالغرانيت، ورغم اختلافها إلا أن الحب للمدينة يظل قاسمها المشترك، فدبي تمثل ذاكرة الناس وذاكرة المكان، وواحة من الجمال الندي.

للنصب التذكارية عادة ما يكون وظيفة رمزية، صرحاً لذكرى، ورمزاً للتاريخ، وكذلك هو «نصب الشعلة» الذي تم إنشاؤه في 1969، من أجل تخليد لحظة مهمة للغاية في تاريخ دبي، تلك اللحظة هي البدء بتصدير النفط من حقل الفاتح، من قبل شركة نفط دبي.

أقيم النصب على قاعدة مثمنة الشكل تتكون من أربعة أعمدة بارتفاع عشرة أمتار تتداخل لتكون أقواساً على النمط المعماري الإسلامي. تحتضن قاعدته شعلة وضعت على عمود من الرخام، في رمزية لحقل النفط.

«نصب الشعلة»، أحد أقدم المجسمات المعمارية في الإمارة، لم يترك وحيداً لتأكله عوامل التعرية الطبيعية، وإنما تم ترميمه في 1976، ودأبت الجهات المسؤولة على المحافظة عليه، فما يخلده هذا النصب يعد لحظة فارقة في تاريخ دبي.

المطبخ الشامي
في ليالي رمضان، تتوهج شعلة النصب، في وقت تعمر فيها طاولات مطعم عروس دمشق الذي يسكن شارع المرقبات منذ ثمانينات القرن الماضي، عندما افتتحه الأخوان زياد وبلال أحمد سهابسي، حيث بدأ صغيراً ليتسع نطاقه مع مرور الزمن، حتى أضحى على ما هو عليه اليوم.

زائر المطعم لا بد أن يشم فيه رائحة الياسمين الذي يعبق في فضاءات الحارات الدمشقية، ويتلمس في تصميمه شكل البيت الدمشقي الذي يتميز بلونيه الأسود والذهبي، ومن بين أروقة مطبخه تفوح رائحة المطبخ الشامي، حيث مائدته عامرة بأطايب الأطباق، بدءاً من الفتات، التي تقدم على شكل مقبلات، ومروراً بالمعجنات على اختلاف أشكالها وألوانها وليس انتهاءً بالصفيحة والكفتة والشاورما والصواني التي يتم إعدادها بالفرن.

مائدة عروس دمشق تعكس التنوع الذي يتمتع به المطبخ الشامي، والذي يتجلى حسنه في ليالي رمضان، حيث تصنع لأجله مشروبات خاصة، مثل التمر الهندي وعرق السوس وبعض العصائر الأخرى، والتي لا تغيب أبداً عن المائدة، حيث ترافق الصائم لتبلل عروقه، بمجرد أن تحين لحظة الإفطار.

على بعد خطوات من عروس دمشق، يسكن محل «يا مال الشام»، ما أن تلج بوابته، حتى يتناهى إلى مسامعك بعضاً من إيقاعات القدود الحلبية، ولعل أشهرها «يا مال الشام» التي تزين بها صوت الفنان صباح فخري. يفتح «يا مال الشام» الذي افتتح للمرة الأولى في دبي عام 1985 أمامك قائمة طويلة من البسكويتات، وأنواع مختلفة من الشوكولاتة، والحلويات العربية، التي يمكن أن تشبع شغفك تجاه الحلويات.