العلاقة بين الإحصاء والتعليم، يصنفها أهل الخبرة بعلاقة «مصير»، فلا يُمكن لأي نظام تربوي تعليمي البدء في عمليات بناء الإنسان كمهمة رئيسة له، قبل الوقوف على حقائق الأمور، ومعرفة الواقع الفعلي الذي سيتعامل معه. وفي توجه الدولة نحو مجتمع المعرفة وتمكين مقدراتها من أداء مهامها على أكمل وجه، تظهر أهمية العلاقة المصيرية بين التعليم والإحصاء، ودورهما معاً في تحقيق هذا التوجه.

 

في هذه الصفحات، قراءة متأنية لتكامل الأدوار بين الطرفين، مع راشد خميس السويدي مدير عام المركز الوطني للإحصاء.

أشرتم غير مرة، إلى أهمية العلاقة بين الإحصاء والتعليم، فما الذي يستطيع الإحصاء تقديمه إلى التعليم؟

العلاقة المعرفية بين الإحصاء والتعليم والتربية، وما يندرج تحتها من موضوعات وقضايا ومجالات، تتجلى بصورة واضحة في إطار منظور وحدة العلوم وتكاملها، من خلال: دور الإحصاء كمنهج بحثي لقضايا التربية والتعليم. ودور الإحصاء كمنهج تحليلي للبيانات الإحصائية لمختلف الظواهر والقضايا التربوية والتعليمية.

ودور الإحصاء كمنهج قياسي للأهداف التعليمية والتربوية ومستوى الأداء. ويظهر هذا التكامل والاندماج على المستوى البنيوي للنظام التعليمي بمدخلاته وعملياته ومخرجاته. وفي ظل هذه الثلاثية الارتباطية، استقراء لطبيعة العلاقة، واستنباط للعلائق والوشائج المعرفية بين الإحصاء والتعليم والتربية، يظهر ذلك التكامل المعرفي لكليهما في إطار كُلية وشمولية المعرفة الإنسانية.

إحصاءات التعليم، تعد من أهم محركات عملية التخطيط والبناء التربوي السليم، كيف؟

يعتبر التخطيط من أهم العناصر التربوية وهو في مجمله عملية فكرية منظمة ومقصودة، لاختيار أفضل الحلول من بين البدائل المطروحة، للوصول إلى تحقيق أهداف مستقبلية معينة. والتخطيط هو ترتيب الأولويات في ضوء الإمكانات المادية والبشرية المتاحة. وإحصاءات التعليم كونها أساس بناء حضارة الإنسان، والاستثمار في رأس المال البشري، لذلك فإن توافر إحصاءات ذات جودة، تُمكن الجهات المختصة من بناء سياساتها التخطيطية على أسس مهنية وعلمية، للوصول إلى الأهداف المنشودة.

وإثراءً لهذا الجانب أقول إن الإحصاءات هي بيانات للحقائق والظواهر التي تتجسد وتتوالد في الواقع التربوي للدول والمجتمعات الإنسانية، ولذا، فإننا من خلال إدراك الواقع، ومعرفة ما يجب أن يكون في البناء التربوي، نستطيع إعداد المناهج كأساس لبناء الإنسان السوي والراشد.

ما الدور المنوط بالإحصاء، لتمكين التعليم الرقمي في مدارسنا، ودعم مجال البنية التحتية لقطاع التعليم؟

يتولى الإحصاء من الناحية الرسمية إنتاج الإحصاءات الدقيقة، من حيث المحتوى والشمولية والتوقيت، وفق تصنيف ومعايير دولية معتمدة، حتى تكون البيانات قابلة للاستخدام بالمستوى المطلوب، وبالقدر الذي تتاح فيه البيانات السجلية وغير السجلية، للمركز الوطني للإحصاء كي يقوم بدوره، .

وبذلك يمكن للمركز إنتاج إحصاءات عن كافة مكونات العملية التعليمية والتربوية، بما يُمكّن بدوره، الجهات المعنية من تقييم تلك المكونات، خاصة في ما يتعلق بالمؤسسات التعليمية: مؤشرات التدريس والتركز وجودة العملية التعليمية وغيرها، لأن النجاح في ذلك يساعد جميع الجهات على القيام بدورها لتحقيق رؤية الحكومة الرشيدة، لبناء مجتمع المعرفة. فعدد المدارس وعدد مدرسيها ومقارها وطبيعتها والمناهج الدراسية وقياس فعالية التقييم وطرقه، كلها مسائل يمكن توظيف الإحصاء فيها.

ما واقع إحصاءات التعليم في الدولة، والفجوات أو الخطوات اللازمة للعمل عليها في المستقبل؟

تمثل إحصاءات التعليم، إضافة إلى أدوارها ومهامها المعرفية في بناء قواعد البيانات، أداة منهجية في قياس الفجوة المعرفية للمجتمع وأفراده، وهي أيضاً منهج موضوعي لقياس إدراك المتعلمين، ووعيهم بالقضايا، والاهتمامات الدولية، ما يعني المساهمة في بناء الإنسان معرفياً، بشكل يؤهله لإدراك محيطه والعالم. فالإحصاء شريك في كل نظام تعليمي وتربوي ينزع بأصحابه إلى المنهجية والعلمية والموضوعية، وسلامة التنمية.

دعوة إلى إصدار منهج تعليمي إحصائي إلكتــروني

 

هل لديكم رؤية معينة في مركز الإحصاء، للمساهمة في تنفيذ مبادرات التعلم الذكي التي تم إطلاقها أخيراً؟

مبادرات التعلم الذكي تُعتبر تجربة مبتكرة لإيجاد بيئة تعليمية جديدة ومتطورة، ونحن كمركز مستعدون للمساعدة في كل مبادرة من شأنها المساهمة في تطوير كافة مجالات النمو والتنمية المعرفية في الدولة، مع التأكيد على دور الإحصاءات الرسمية في مساندة متخذي القرار وراسمي السياسات، من خلال توفير البيانات اللازمة لقياس وتقييم التقدم. وفي هذا السياق، فإننا ندعو إلى التعاون لإصدار منهج تعليمي إحصائي إلكتروني، باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة.

ما مدى التنسيق الحالي بين مكونات النظام التعليمي في الدولة وعملية تدفق المعلومات وتحديث التعليم؟

لقد أدرك المركز الوطني للإحصاء ومنذ تأسيسه أهمية تكامل الأدوار ومأسستها، بين مكونات النظام الإحصائي على مستوى الدولة بشكل عام، فشكل لجان التنسيق المتخصصة حسب المواضيع الإحصائية، وبعضوية كافة الجهات ذات العلاقة بكل موضوع إحصائي، ومن ضمنها لجنة الإحصاءات الاجتماعية، بهدف تنظيم العلاقة في عملية تدفق البيانات وإنتاج الإحصاءات الرسمية.

ومن بين أهمها إحصاءات التعليم. إلى جانب ذلك تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم والتعاون المشترك، لضمان انسيابية البيانات والمعلومات الإحصائية، بكل سهولة ويسر بين الشركاء، مع تأكيدنا أن هذه العملية تتطلب المزيد من التعاون والوقت، خاصة في مجال تأهيل السجلات الإدارية، وحوسبة إجراءات وعمليات وآليات تدفق البيانات، وصولاً إلى الربط الإلكتروني الكامل بين الجهات على مستوى الدولة.

هل تعد إحصاءات التعليم ضمن مؤشرات قياس تقدم المجتمعات، وقياس بعد المعرفة ومؤشر التنمية البشرية؟

نعم، فهي تعتبر من أهم المؤشرات الأساسية في عمليات التخطيط التربوي السليم، وتمكين الجهات المختصة من احتساب العديد من المؤشرات، لأغراض المقارنات الدولية وخاصة اليونسكو، ومؤشرات قياس تقدم المجتمعات، وقياس بُعد المعرفة التي تستند إلى إحصاءات التعليم، مثل مؤشر التنمية البشرية، ومؤشرات المساواة بين الجنسين، وغيرها من المؤشرات ذات العلاقة بجودة وكفاءة أنظمة التعليم.

هل هناك علاقة بين التعداد الوطني الشامل للسكان في الدولة، ومؤشرات التعليم، حالياً ومستقبلاً؟

بالتأكيد، فللوصول إلى إحصاءات تعليم عصرية، هناك حاجة لتوفير بيانات السكان بالتفصيلات اللازمة لبناء مؤشرات التعليم، وبشكل منتظم سنوياً، لأن الوضع الراهن يعتمد بشكل كبير على توفر هذه البيانات، ويبذل المركز جهوداً متواصلة مع الجهات المختلفة لإنجاز ذلك. لأن التعداد هو أداة علمية كلية وشمولية يتم تصميمه لخدمة البناء لقواعد البيانات الكلية، ومنها التعليم.

كما أنه يمثل إطاراً علمياً لسحب العينات لإعداد مسوح متخصصة بهذه الجوانب. إضافة إلى أن تنفيذ تعداد وطني وشامل للسكان في الدولة، يهدف إلى توفير بيانات السكان التفصيلية اللازمة لحساب مؤشرات التعليم، تجنباً لتراجع ترتيب الدولة حسب التصنيف العالمي، بسبب عدم توافر البيانات الحديثة واللازمة.

هل البيانات العددية والكمية تكفي لقياس جودة وقدرة وكفاءة النظام التعليمي في الدولة، وماذا تقترحون في ذلك؟

تتوافر لدى المركز والجهات ذات العلاقة بقطاع التعليم في الدولة، قاعدة بيانات كبيرة في هذا الصدد. وللوصول إلى قاعدة بيانات حديثة وشاملة للأعداد والمؤشرات الخاصة بمكونات إحصاءات التعليم، فإن ذلك يتطلب عدداً من المسوح المتخصصة، والسجلات الإدارية المؤهلة، والبيانات التعدادية المنتظمة، خاصة في مجال أعداد السكان، وتوزيعاتهم حسب الفئات العمرية اللازمة لاشتقاق مؤشرات التعليم.

ومن دون توافر بيانات السكان حسب الفئات العمرية والتوزيع الجغرافي لأحدث السنوات، فإن هذه البيانات العددية والكمية، لا تكفي لقياس جودة وقدرات وكفاءة النظام التعليمي والتربوي في الدولة. الأمر الذي يؤثر في جهود وخطط المركز اللازمة لبناء قاعدة بيانات، تكون بمثابة البنية الإحصائية التحتية اللازمة لتخطيط عملية التعليم، بالدقة والشمولية والاتساق على مستوى الدولة. كل ذلك مضافاً إليه الخصائص الوصفية.

كيف نستطيع الربط بين كل من: البيانات الإحصائية، ومخرجات التعليم، واحتياجات سوق العمل في الدولة؟

تعمل الأجهزة الإحصائية على تطوير مفهوم الإحصاءات الاجتماعية المتكاملة، سواء من حيث المواضيع الإحصائية، بمعنى إيجاد ترابط بين التقديرات، والإسقاطات السكانية، وسوق العمل والتعليم، أو من حيث العلاقة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، والتخطيط الاقتصادي بصفة عامة. ولهذه الغاية يتم تنفيذ مسوح إحصائية تسمى «المسوح الاجتماعية متعددة الأغراض»، وهي بمثابة أداة إحصائية تمكن المهتمين من النظر إلى الظواهر الاجتماعية على نحو مترابط ومتكامل.

 

الإحصاء يرسم الواقع

 

 

اعتبر راشد خميس السويدي مدير عام المركز الوطني للإحصاء، أن البيانات الإحصائية تُمثل رافداً مهماً لبناء المناهج التعليمية في مختلف الحقائق والقضايا. ولما كانت قواعد البيانات الإحصائية، هي قواعد معرفية، تشمل الخصائص والكميات، فهي بالتالي تعتبر الإطار المعرفي الكلي.

وحيث إن الإحصاء يرسم الواقع ويتنبأ بالمستقبل، فهو رافد أساسي في التحديث المعرفي بمتابعة القضايا والظواهر محلياً وإقليمياً ودولياً ومعرفياً. في هذا الإطار، ومن خلال المسوح الإحصائية، والتعدادات والمتابعات المنهجية، فإن ذلك كله يمثل وقود عملية تحديثية معرفية دائماً، لا سيما في إطار استخدام وسائل تقنية حديثة.