دبي - رشا عبد المنعم

تتلألأ دبي بأضواء الحداثة، وتنبض بروح الثقافة والابتكار، وتسعى بجهود حثيثة لتعزيز مفهوم الاستدامة في مجالات الثقافة من خلال مبادرات نوعية، منها تسليط الضوء على أهمية الكتاب المستعمل، ما يسهم في إثراء الوعي الثقافي، وتعزيز القراءة كعادة يومية، وبناء مجتمع متماسك ومثقف.

وتحتضن دبي فعاليات ومعارض في المكتبات العامة تروج للكتب المستعملة، مانحةً لها حياة جديدة، ومتيحة للقراء الاستمتاع بخزائن المعرفة، وإعادة اكتشاف الجمال الكامن في كل صفحة، وتحويل الكتاب المستعمل إلى وسيلة للتواصل والتفاعل.

إعادة التدوير

وعن دور دبي في تعزيز الوعي بأهمية الكتب المستعملة، أكد محمد الحبسي، مدير إدارة الآداب بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، أهمية الكتب المستعملة ودورها في تعزيز الثقافة وبناء مجتمع قارئ. وقال: «تُعد الكتب المستعملة وسيلة مهمة لنشر الثقافة والمعرفة، وتحفيز أفراد المجتمع على القراءة وإثراء ذائقتهم الأدبية، حيث يسهم تبادلها في تطوير فكرة المجتمع التفاعلي وتشجيع الإبداع بين الناس، وتمكينهم من الحصول على إصدارات نادرة وفريدة بتكلفة معقولة»، لافتاً إلى أن تحول الناشئة نحو الكتب الإلكترونية والصوتية وسهولة الوصول إليها يُعد من أبرز التحديات التي تواجه انتشار ثقافة الكتب المستعملة. وأضاف: «يسهم معرض «الكتب المستعملة» الذي تنظمه الهيئة سنوياً في مكتبات دبي العامة في الترويج للكتاب المستعمل وتوسيع انتشاره بين أفراد المجتمع، وجعله في متناول يد الجميع، وتشجيع الاهتمام بالكتاب وإعادة تدويره».

7087 كتاباً

ولفت عبد الرحمن كلبت، مدير إدارة مكتبات دبي العامة في هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، إلى حرص الهيئة على تشجيع أفراد المجتمع على الاهتمام بالكتاب وإعادة تدويره، وذلك من خلال تنظيم «معرض الكتب المستعملة» الهادف إلى غرس ثقافة القراءة في نفوس الأجيال القادمة. وقال: «يمثل المعرض جزءاً من البرنامج الثقافي لمكتبات دبي العامة الهادف إلى المساهمة في نشر المعرفة وجعلها في متناول الجميع، ويتضمن 7087 كتاباً باللغتين العربية والإنجليزية، تتناسب مع كافة الفئات العمرية، وتصب في كافة صنوف المعرفة، بما فيها القصص والروايات والكتب الأدبية والعلمية»، مؤكداً في الوقت نفسه على اهتمام مكتبات دبي العامة بتعزيز ثقافة تبادل الكتب المستعملة، من خلال مبادراتها وبرامجها المختلفة الرامية إلى تغيير الصورة النمطية المرسومة حول تبادل الكتب المستعملة، ورفع مستوى الوعي بأهميتها وقدرتها على تلبية احتياجات القراء المتنوعة.

أصالة تاريخية

وحول أهم التحديات التي تواجه ثقافة الكتاب المستعمل قالت الكاتبة والروائية الإماراتية نورة عبد الله الطنيجي: «إن الكتب المستعملة اليوم بات لها ثقل على الساحة الأدبية، فإن غالبية الكتب المستعملة هي كتب قديمة كما يبدو وهذا ما يعزز من ندرتها وجماليتها في إحياء الأدب الكلاسيكي، وعليه يحظى القارئ بفرصة التعرف على عُرف وسلوكيات الأزمنة السابقة عبر صفحات الكلاسيكيات المأخوذة من الكتب المستعملة، علاوة على ذلك، باتت بعض الكتب المستعملة التي تحمل الطابع القديم والنادر سلعة للمزاد في بعض المجتمعات مما يعزز من قيمة الكتاب الكلاسيكي. من وجهة نظري، تكاد الكتب المستعملة تحمل أصالةً تاريخية من عبق التاريخ، أي أنَّ فحواها يُمثل لنا العصور التي تسبق عصرنا؛ مما يمنحنا شعوراً تشويقياً للتعرف على الماضي العتيق».

وأضافت: «في وضعنا الراهن، نجد العديد من التحديات التي تواجه ثقافة الكتب المستعملة ومنها اهتمام الشباب بالرقمنة والأتمتة المُدخلة في نمط حياتهم. وهذا يدفع دور النشر والمنصات الأدبية بالاكتراث في بيع الكتب الإلكترونية أكثر من الكتب الورقية وفقاً لمتطلبات الروح الشبابية، خصوصاً أن سعر الكتاب الرقمي ينخفض عن الكتاب الورقي، ويسهل حفظه على الحواسيب والهواتف المحمولة الذكية، مع سهولة البحث والشراء، أي أن تكلفة الطباعة لم تعد هاجساً مروعاً لدور النشر كالسابق كما أعتقد. ولكن ما يؤسفني حقاً، هو أنّ التحول الرقمي قد يسهم في تقليل إقبال الشباب على المكتبات التقليدية، وهذا التصرف قد يضعف التواصل بين القارئ وأرفف المكتبات الجميلة!».

إعادة التدوير

وفيما يتعلق بدور الكتاب المستعمل في تنمية الذائقة الفنية والأدبية في المجتمعات قال الكاتب والإعلامي أحمد الشناوي: «إن الكتب المستعملة تلعب دوراً حيوياً في بناء مجتمع قارئ وتطوير الذائقة الأدبية، فهي توفر فرصة للقراء من مختلف الشرائح الاجتماعية للوصول إلى المعرفة بتكلفة منخفضة، الكتب المستعملة تجعل القراءة ممارسة يومية متاحة للجميع، وتسهم في نشر ثقافة إعادة التدوير المعرفي، حيث تنتقل الأفكار والقصص من جيل إلى آخر، كما أن الكتاب المستعمل يُتيح للقراء اكتشاف عناوين نادرة أو مطبوعات قديمة ذات قيمة أدبية وفكرية كبيرة قد لا تكون متوفرة في الأسواق الحديثة، مما يعزز ارتباط القارئ بالتراث الأدبي ويثري ذائقته الثقافية».

وأضاف: «تواجه ثقافة الكتاب المستعمل تحديات كبيرة في العصر الرقمي الحالي، أهم هذه التحديات هو انتشار الكتب الإلكترونية والمنصات الرقمية التي تتيح القراءة بطرق أسهل وأسرع. وأصبح القارئ يميل نحو الأجهزة الذكية بحثاً عن الراحة وتعدد الخيارات، وهو ما يقلل من الإقبال على الكتب الورقية، بما فيها المستعملة. يضاف إلى ذلك تراجع دور المكتبات الشعبية وأسواق الكتب القديمة في بعض المجتمعات، مما يُهدد استمرار هذا التقليد الثقافي. كما أعتقد أن التحدي الأبرز يتمثل في الحفاظ على جاذبية الكتاب الورقي أمام التطور الرقمي السريع. الأمر يتطلب دعماً مؤسسياً وثقافياً، من خلال تنظيم معارض للكتب المستعملة وخلق منصات تشجع تداولها، مما يُسهم في الحفاظ على علاقة الناس بالكتاب المطبوع وتعزيز دور القراءة في بناء مجتمعات أكثر وعياً وتقدماً».

فكر مستدام

وأوضحت الكاتبة والناشرة نور عرب أن هناك العديد من المسارات الهادفة إلى تعزيز ثقافة الكاتب المستعمل واستدامة حضوره وأهمها توفير الكتب بتكلفة أقل فالكتب المستعملة تمنح فرصة للأشخاص ذوي الدخل المحدود لشراء الكتب بأسعار معقولة، مما يشجعهم على القراءة والاقتناء، إلى جانب تشجيع ثقافة تبادل المعرفة وتداول الكتب المستعملة، مما يعزز فكرة إعادة الاستخدام ومشاركة المعرفة بين الأفراد ما يُسهم في ترسيخ عادة القراءة كفعل اجتماعي مشترك.

وأردف: «تتيح معارض الكتب المستعملة الوصول إلى كتب نادرة أو قديمة، ما يمنح فرصة للاطلاع على طبعات قديمة أو غير متوفرة في الأسواق، مما يساعد على إثراء الذائقة الأدبية والاطلاع على مراحل تطور الأدب، وقد يُصادف القارئ كتباً غير متوقعة أثناء استكشافه لمعارض الكتب المستعملة، مما يُنمي فضوله نحو موضوعات وأدباء جدد لم يعتد على قراءتهم».