مجلة نصف شهرية تُعنى بالسياسة والأدب والتاريخ. أسسها في بيروت بطرس البستاني وهو لبناني الجنسية، واسع الاطلاع، تعلّم في بيروت آداب العربية واللغات السريانية والإيطالية واللاتينية والعبرية واليونانية. عُيِّن ترجماناً للقنصلية الأميركية في بيروت. له مؤلفات شهيرة من أهمها: محيط المحيط، ودائرة معارف البستاني وغيرهما. أنشأ مع ابنه سليم صحيفة «نفير سورية» و«الجنان» و«الجنة» و«الجنينة». توفي في بيروت عام 1933.

صدر العدد الأول من مجلة «الجنان» في شوال 1286ه/ 1 يناير 1870م وهي أول مجلة اتخذت شعاراً لها: «حب الوطن من الإيمان» فحذت حذوها الكثير من الصحف والمجلات فيما بعد نالت قدراً كبيراً من الشهرة والرواج، واهتم بها والي سوريا أحمد مدحت باشا حيث كان يبث بواسطتها أفكاره الإصلاحية. توقفت عن الصدور عام 1886 بعد أن استمر عطاؤها سبعة عشر عاماً.

بدأت المجلة صفحاتها بمقطع من مقالة نُشرت في إحدى الجرائد الأميركية بعنوان «الذنوب والقصاصات في الممالك العثمانية». وقد رأى المحرر أن ينشر ما يخص ولاية سوريا في هذا المقال. وكانت الجريدة الأميركية تتحدث عن الإصلاحات الكثيرة التي حصلت في الولاية السورية تحت رعاية راشد باشا الذي يتمتع بمحبة كبيرة أكثر من سلفه.

غير أن الجريدة الأميركية ألمحت بنوع من التنديد بما يحدث في السجون السورية من ارتكابات جسيمة وممارسات مرفوضة. لذلك قرأنا لمحرر «الجنان» ما يُعتبر نصيحة للجنود العاملين في هذه السجون بأن يطبقوا القوانين كما هو منصوص عليها، وألا يتجاوزا صلاحياتهم، خاصة أنهم يتمتعون برضا الوالي ونعمائه، وأن هذه السلوكيات المشينة من شأنها الإساءة إلى شخص الوالي المشهود له بالكفاءة وحسن السجايا.

كما نشرت المجلة الخطاب الذي ألقاه الامبراطور نابليون بمناسبة افتتاح ديوان الشورى في باريس، أشار نابليون في خطابه إلى روح التمدُّن والتحضُّر الذي يسود العالم آنذاك، مثل تحسن علاقة انجلترا بإيرلندا، وتحرير روسيا للمستعبدين من رعاياها، كما أشاد الامبراطور بخليج السويس الذي جمع مياه البحر المتوسط بالبحر الأحمر. وقد رأت المجلة أن هذا الخطاب أحدث هزّات إيجابية في عالمي التجارة والسياسة.

كذلك أوردت «الجنان» خبراً أوضح بشكل غير مباشر العلاقات المحتقنة بين الحكومة العثمانية وخديوي مصر آنذاك، وبدا ذلك جلياً عبر مطالبات الباب العالي لحكومة مصر بتنفيذ عدد من الشروط مثل عدم مخاطبة الدول الأجنبية من دون سفراء الباب العالي، وتخفيض عدد الجنود المصريين والمساواة في شكل الزي الموجود لدى العساكر الشاهانية، كما طلب من خديوي مصر عدم الاستدانة من دون مصادقة السلطان الأعظم.

وقد أظهرت المجلة حرصها على مناشدة مصر بتنفيذ هذه الشروط درءاً للمشكلات والخلافات المضرّة بالعلاقات. وقرأنا مقالة عن فوائد افتتاح خليج السويس، ومدى الفرحة التي عمّت أرجاء مصر والعالم للدور المنتظر لهذا الخليج في ربط المشرق بالمغرب.

كما أرسل أحد القراء في هذا العدد ترجمة لخطاب العالم الشهير في فرنسا ياسنث شيشرون والموجه إلى رئيس عام الرهبنة، ومن دون تفاصيل الخطاب فإن القارئ أوعز إلى رئيس تحرير المجلة بأن السبب الرئيسي والوحيد في إرساله هذه الترجمة يكمن في اللغة الراقية التي كتب بها الخطاب والبلاغة الرائعة التي تكتنف كافة العبارات والجمل اللغوية.

وتواصل المجلة الالتزام بأحد روافد هويتها، حيث فتحت بوابة التاريخ على الأمة الاسبانية لتطلع القارئ على تفاصيل هذا التاريخ، منها انفلات اسبانيا من ربقة الحكم الروماني الذي كان يسيطر على معظم ممالك الدنيا، ثم دخول العرب إليها رافعين مشاعل التقدم والإبداع الحضاري، ثم نشوء الحرب بين العرب والاسبانيول والتي انتهت بخروج العرب، لتعود اسبانيا مرة أخرى إلى سدة التقدم والمجد بفضل ما تبقى من آثار العرب الحضارية،

وتنتهي المقالة بتتبع سير تاريخ اسبانيا بعد ذلك من الحروب الأهلية والاشتباكات الخارجية لتقدم لنا موعظة ترضي غرورنا الآن، وهي أن اسبانيا كانت تعض على أصابعها جراء تخليها عن الثوب العربي. وعرضت المجلة دراسة مقارنة مصغرة بين الحيوان والنبات، وقد جمعت الدراسة ما بين المعلومة العلمية وطرافة الأسلوب في عرضها لجذب القارئ إلى هضم واستيعاب هذه المعلومات.

ويكتب سليم أفندي البستاني مقالاً نارياً عن رقة الأخلاق التي يجب توافرها في الإنسان الذي يدعي التمدن، حيث يرى الكاتب ان ادخال النساء إلى الاجتماعات مع الرجال دون أن ينال أحد منهم قدراً معتبراً من التهذب والنضج يكون مجلبة للشر والخلاعة والسلوكيات الجاهلة. وقد وضح من المقال أن الكاتب رمى باللائمة على الرجال في هذا الزمان.وتنهي المجلة صفحاتها برسالة لمؤسسها بطرس البستاني تحدث فيها عن نظام الاشتراك في المطبوعة وكيفية الدفع، والقيمة المطلوبة مع وعد بتطوير المجلة عبر رفدها بالعديد من الموضوعات المفيدة.

مجدي أبوزيد

بالتعاون مع مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث