قال تعالى: «وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا». سورة النور 33.في مجتمع المدينة المنورة الذي هاجر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت المعركة بين الحق والباطل تأخذ صوراً متعددة من أعنف تلك الصور، كانت الحرب الخفية التي حاول أعداء الحق من يهود ومنافقين أن يشنوها على الإسلام ونبيه وأتباعه..

وكان هناك رجل في المدينة المنورة ملأ الحق قلبه على الإسلام وكان سيدا في يثرب قبل أن يكون اسمها المدينة المنورة وكان اسم هذا الرجل «عبدالله بن أبي سلول» رأس المنافقين الذي لم يظهر عداءه للإسلام بل أضمر حقده ودفن الكره في قلبه ورفع راية الإسلام ظاهريا وضمن الحقد والكره في قلبه داخليا، ومن صور الحقد الذي أراد أن يشيعها في أنحاء المدينة محاولة إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا...!!!فقد كان لعبدالله بن أبي سلول جيوب للدعارة والرذيلة بها فتيات جميلات يهود وغير يهود، ترفع امام تلك البيوت رايات حمراء لتعرف بها...!!

وكان يحاول من وراء ذلك أن يقوي شباب المؤمنين للانحراف عن الصراط المستقيم الذين تمسكوا به.. وكان من بين الفتيات فتاة تدعى «مسيكة» استطاع ابن سلول أن يكرهها على البغاء قبل قدوم المسلمين إلى المدينة.. وحين جاء الإسلام بنوره وطهارته إلى المدينة سمعت مسيكة من ابن سلول تحذيره لها ولزميلاتها مما يدعو إليه الدين الجديد.بل إنه كان يرصد مكافأة ثمينة لمن تستطيع أن تقوى أحدا من اتباع الإسلام وتوقع به في المعصية.

وتساءلت مسيكة: ولم كل هذا الحقد من أبي سلول على الإسلام والمسلمين؟ لابد أن تعرف ما هو الإسلام وإلام يدعو.. كانت أشواقها تملك عليها نفسها، تريد من ورائها أن تصل إلى ذلك السر الذي جعل ابن سلول وهو الحقود شديد الحقد يقف من الإسلام موقف العداء. أخذت مسيكة تقترب خفية من نساء الأنصار الذين شرح الإسلام صدورهن للحق.. سمعت منهن القرآن الكريم فدخل قلبها النور وشرح الله صدرها لنور الإيمان والإسلام.

وسمعت مسيكة قول الله تعالى:«قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ اسرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» الزمر 53

ملأ الإيمان قلب مسيكة وأصبحت ترفض أن تمارس الرذيلة وبدأت تعرف شعائر الإسلام فبدأت تصوم وتصلي بعد أن نطقت الشهادة، وعندما دخل عليها ابن سلول وجدها ساجدة لربها فلم يكن منه إلا أن انهال عليها ضربا جنونيا وقال لها «ويل لك أغواك محمد» فقالت له بل هداني للحق، فزاد غضب ابن سلول واخذ يضربها بقسوة ويركلها بقدمه حتى شج رأسها وخرج. انتظرت مسيكة حتى أرخى الليل سدوله، وأخذت تتحين فرصة للهروب من هذا الجحيم.. سنحت لها الفرصة أخيرا ففرت جارية بقصد بيت من بيوت امرأة عجوز مسلمة تعيش وحدها والتي سمعت فيها القرآن الكريم فأسرعت نحو بيتها تستنجد بها فآوتها وجلست إلى جوارها تواسيها وتسمع منها مأساتها.

وعندما أشرق الصباح مضت المرأة مع مسيكة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وعند باب المسجد كان أبوبكر الصديق رضي الله عنه خارجا من المسجد فهاله ما رأى من أمر الفتاة التي علتها الجراح وسألها عن الأمر فأخبرته بأن ابن سلول يريد إرغامها على البغاء... ودخل ابوبكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقص عليه الأمر..

وما لبث الوحي الأمين جبريل عليه السلام أن تنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بآيات كريمة تتحدث بشأن مسيكة التائبة فيقول تعالى:

وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

وعلمت مسيكة بما تنزل في شأنها من السماء يؤازر موقفها فما أعظمك يا رب العالمين يا من تعلم السر وتقبل التوبة وما أكرمك وما أحلمك.. هكذا أخذت مسيكة تشكر ربها وتدعوه خوفا وطمعا فإنه هو التواب الرحيم.

جيهان محمود