بسيطة هي الممثلة المغربية جيهان كمال وتلقائية إلى أبعد حد، ولا تضع الكثير من الحواجز أو الفلاتر على كلماتها، فقط تطلقها ببساطة وهدوء لتصيب من أمامها بحالة من الألفة، وكأنه يعرفها منذ زمن بعيد رغم صغر عمرها "منتصف العشرينات"، وربما ساعدها فى ذلك تربية وحياة خاصة مع والدها المخرج كمال كمال، حيث ظهرت على الساحة الفنية المغربية وهي في عمر 8 سنوات.

ومع رحلة طويلة شاقة بدأت مشوار التمثيل لمدة عام في أحد معاهد باريس، ثم اتجهت خلال عامين ونصف العام إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وما بين فرنسا الهادئة وسوريا قبل أن تتوتر الأوضاع بها، توقفت في الأعوام الثلاثة الأخيرة لتقوم ببطولة فيلم "الصوت الخفي" االذي تعتبره الخطوة الأولى نحو طموح تنشده وتسعى إليه، وفي لقائها مع "أرى" غزلت من كلماتها حواراً حاولت قدر الإمكان ألا يطول، وحاولت من جانبي ألا أتورط في مجابهة عينيها اللتين تحملان من العند والإصرار الفني الكثير، وما بين البريق المنبعث منها، وأصوات العصافير في فندق القصر بجميرا دبي، كان هذا الحوار الذي تركت فيه لجيهان حرية الحديث، وسمحت لكلماتي أن تبوح بما شاهدت وسمعت وشعرت.



"كلا .. لا ذنب لمن قتلت عيناه ولم تقتل يده"، إنه نفس البيت الشعرى للشاعر التونسي علي الحصري القيرواني الذى سيتبادر إلى الذهن حين النظر إلى جيهان كمال للوهلة الأولى، فعيناها تحمل نفس تلك النظرة "الموناليزية" رائعة الغموض، التي تطلقها كسهم يعرف تماماً أين يذهب، ويعبر عن تلك الواثقة من نفسها، القوية فى شخصيتها، الطموحة بلا حدود، التلقائية والبسيطة فى أعماقها، خصوصاً عندما تقول: أدين لوالدي بكل شيء، فهو الذي اكتشف موهبتي مبكراً وشجعني عليها، ودفعني ولم يبخل علي مادياً أو بالنصائح في رحلة تعلمي التمثيل، وأعتبره أستاذي قبل أن يكون أبي، ومن خلاله أحببت الموسيقى ودرستها، فأنا عازفة بيانو وتشيللو ماهرة، كما أنني أجيد الغناء وأعشق الأوبرا، وأرى أن الممثلة يجب أن تكون على دراية بكل الفنون، وتنمي نفسها في مراحل عمرها الأولى، والشمولية مطلوبة لكن التخصص أمر ضروري، وأعمل حالياً على اكتساب الخبرات كممثلة لكن عيني على المسرح الغنائي والموسيقى مستقبلاً.



حب الفن

"صوتها العذب ليس وحده سر جمالها"، فخلف تلك الملامح الرقيقة الهادئة مقاتلة صلبة، وفي خلفية ذلك الصوت الساحر رومانسية طاغية، حيث تبدو حتى رغم محاولاتها إخفاء ذلك، "مهووسة" بالفن، غارقة في سعادة وحب بين أمواجه التي لا تهدأ، وعاشقة لعواصفه التي ترفع وتخفض قوارب البحارة، وتعبث بالسابحين الجدد، فتغرق بعضهم وتكتب النجاة لآخرين، وأتركها تحكي عن طفولتها قائلة: منذ كنت صغيرة وأنا أحب الفن، ولكنني لم أكن أعرف لماذا أو كيف أحبه، ربما أحبه لأنه بمثابة شيء جميل جداً بالنسبة لي، وبالتأكيد فقد أحببت الفن من والدي كما قلت، ومنذ صغري أعرف أن الأطفال يجب أن يناموا في بداية الليل، بينما كانت حياتي على العكس تماماً، كنت أذهب إلى المسرح مع أبي ليلاً، وحتى إذا كان سيسهر لمشاهدة الأفلام كان يأخذني معه، وفي التصوير كنت أذهب أيضاً معه، وبذلك زرع بداخلي حب الحياة الفنية، وفي احتفالات المدرسة كنت دائماً أغني، وكنت أقوم ببطولة الحفل أو العمل الذي نقدمه، وكل هذه الأشياء بالإضافة إلى تشجيع أهلي أحببني فى الغناء والتمثيل، وبعد أن كبرت أخذني التمثيل من كل شيء، وأتمنى أن أنجز من خلاله شيئاً مبهراً يثني عليه الجمهور والنقاد.

معنى النجومية

"أستشعر من كلمات جيهان تأثرها بدفء الطفولة"، بمعنى أنني أراها مازالت فتاة صغيرة ألقت بها الأقدار في عالم الفن، وتعلق على هذا الإحساس ومعنى النجومية بالنسبة لها قائلة: نحن في زمن مختلف، فزمان كان النجم شيء بعيد قد لا يراه الناس، ولكن الآن النجم يخرج بين الناس في الشارع ويراه الجميع، والفنانون أصبحوا كثيرين، وممكن أي إنسان يلتقى بأربعة فنانين في اليوم وهو يسير في الشارع أو في أي مكان، ولكن زمان كان الوضع مختلفاً، ففي الماضي ربما كان من المستحيل أن يتمكن معجب من الحديث مع فنان في التليفون، بينما الآن يمكن لأي شخص أن يكلم أي فنان على التليفون أو يرسل له رسالة على عنوان منزله بمنتهى السهولة، وعن نفسي لا أحب الابتعاد عن الناس أو وضع الحواجز بيني وبينهم، وربما كان ذلك صوابا أو خطأ لا أعرف، ولكنني بشكل عام لا أستطيع لعب دور الفنانة أو النجمة طوال الوقت، فلم أدخل الفن لأصبح نجمة رغم ما يعنيه هذا لي وللكثيرين، ولكنني دخلت الفن فقط لأنني أحب أن أقف أمام الكاميرا وأقدم شخصية ما، أو أقف على المسرح لأقدم ما أنا مقتنعة به وأحبه، ولذلك فعندما أذهب لعمل "أنترفيو" أو للتصوير آخذ وقتاً طويلاً في التفكير حتى أوافق.



رسائل إنسانية

"رقيقة هي حقاً في أبسط أحلامها السينمائية"، وفي تلك الضحكة الممزوجة بطفولة "واعية"، حيث تدرك معنى الأشياء وتعرف ماذا تفعل، وماذا تريد أن تفعل، وتحاول في مهارة وذكاء استقراء المستقبل، والسعي إليه بنفس تلك الروح المرحة التي تسكنها، وتتوقف أمام فيلمها "الصوت الخفي" الذي شاركت به في مسابقة المهر العربي بمهرجان دبي السينمائي، وهو من إخراج والدها كمال كمال، فتقول: أنا مسرورة لكون السينما المغربية وصلت إلى مستوى جيد وباتت تعرف شهرة متزايدة، وتعبر حواجز اللهجة وتقتنص الجوائز في مهرجانات سينمائية كثيرة، وأعتبر فيلمي "الصوت الخفي" هو أول خطواتي الحقيقية في مجال السينما كبطولة، وصحيح قدمت قبله أدواراً ثانوية مثل "السمفونية المغربية" وهو من إخراج والدي أيضاً، ويعد من الأفلام المغربية النادرة التي تطرقت إلى الموسيقى المغربية، وعملت كذلك مع المخرج حسن زينون في فيلم "موشومة" الذي تناول رمزية الوشم وعلاقته بالجسد الأنثوي، لكن فيلمي الأخير بلور فكرة كيف يدفع الساسة البسطاء إلى الموت من أجل تحقيق أهدافهم السياسية، وكما ترى لا يهمني من الأعمال التي أقدمها سوى رسائلها، وأركز فقط على الجانب الإنساني، الذي يمس الناس ويلامس مشاعرهم، وهذا ما يعنيني وأسعى من خلاله إلى الجمهور قبل أي شيء آخر.

مشهد عنيف

"تعترف بأن التمثيل "عذبها" وأطار من عينيها النوم وأرقها لليالى طويلة"، خرجت منها مصممة أكثر وأكثر على أن تحقق حلمها الخاص في أن تصبح "ممثلة"، وتبوح جيهان بالمشاهد الصعبة في فيلم "الصوت الخفي" قائلة: عندما قرأت السيناريو لاحظت أن هناك مشهداً عنيفاً لحلاقة شعر رأسي، وترددت كثيراً لأنه كان طويلاً وجميلاً وسيتم إزالته تماماً، وحزنت كثيراً عندما واجهني والدي قائلاً: "إذا أردتِ أن تكوني ممثلة يجب أن تفعلي كل ما يتطلبه الدور منك، والمسألة ليست لها علاقة بمشاعر الأب"، ووضعني أمام خيار إما أن أقص شعري أو أرفض ذلك ليبحث عن ممثلة أخرى، فأنصعت للأمر لحبي الشديد لشخصية زهرة في الفيلم، ولإيماني الكامل بالرسالة التي تحملها، خصوصاً أنها تتعرض للضرب من قبل مجهولين، في دلالة إلى إشكالية التعصب الديني، بعد مشهد سيرها أمام جماعة تؤدي الصلاة.

ثقافات مختلفة

"هل تحقق جيهان كمال النجومية التي تنشدها؟، الإجابة ستكون بلاشك من خلال تصفيق الجمهور وقلم ناقد"، والأهم كما تؤكد هو اختياراتها لما ستقدمه، ومن أجل ذلك تسعى إلى اكتساب الخبرات، وتعتمد في شحذ قدراتها كما تقول: على ملكاتي التي أنميها من خلال القراءة، وبالذات كتب السينما، مع اطلاع على ثقافات مختلفة في الأدب والشعر فأنا من محبي نزار قباني والمتنبي وأحمد شوقي، ومتأثرة كثيراً بحكم لغتي الفرنسية بالثقافة والمسرح الفرنسي، هذا بخلاف احتكاكي بالآخرين وتجربتي في الشام فتحت عيوني على الثقافة العربية، واعتبر نيكول كيدمان ويسرا ومنى واصف من الممثلات اللاتي أتعلم منهن الكثير، ولذلك فإن طموحاتي كبيرة وبلا حدود، وأتمنى دائماً أن أقدم أجمل وأقصى ما عندي في كل عمل، وبالطبع فإن أي إنسان يتمنى أن يصبح "رقم واحد وأحسن واحد فى الدنيا"، وهذا جزء من طموحاتي في عملي.

عمل مميز

حول العمل المميز الذي صنع لها بصمة في مجال التمثيل تقول جيهان كمال: لم أفكر في ذلك من قبل، فأنا أمثل فقط ولا أحكم على نفسي، وهناك من لا يرى أفلامي لأنها ليست أفلاماً تجارية، ولكن يغلب عليها الناحية الفنية، وهناك من يراها ليتابعها، ومن يراها بالصدفة أيضاً بسبب عرضها على القنوات الفضائية، وليست قضيتي أن يشاهد الناس أعمالي أو لا، ولكن قضيتي أن أتقن أدائي الفني ويصدقه الجمهور أياً كان الدور، وأن أجيد بالفعل اختياراتي.



فارس الأحلام

عن مواصفات فارس أحلامها تقول جيهان: يجب أن يكون رومانسياً جداً مثلي، يحب الأطفال، دمه خفيف، يخاف علي ويحبني لشخصي، وليس لسبب آخر، ويجب أيضاً أن يكون بداخله فنان حتى وإن لم يكن يعمل في الفن، لأنني لا أستطيع التعامل مع أناس طبيعية أو عادية، ولا أستطيع أن أندمج معهم بسهولة، وأحب أن أتعامل مع إنسان يفهم في الفن، يستطيع أن يعبر عن رأيه، وتقييم ونقد الأشياء بشكل جيد.



مفهوم الحب

عندما سألتها عن مفهوم الحب لديها، قالت جيهان: الحب كلمة ـ للأسف ـ كثير من الناس لا يعرف معناها، فالحب إحتواء وصدق بين الطرفين قبل أي شيء، وقبلهما الفهم وليس التفاهم الذي قد ينشأ حتى بين الأصدقاء، وإذا كان الاحتواء والفهم من طرف واحد يصبح حباً ناقصاً.



5 أسئلة محرجة

ـ إذا كنت في موقف الاختيار بين الغناء والتمثيل من سيربح؟

لست مضطرة للاختيار.

ـ وماذا لو كان الاختيار بين الفن بشكل عام والحياة الأسرية؟

بالتأكيد ومليون بالمائة ومن دون تردد الفن سيربح.

ـ ومن دون تردد، ما القرار الذي اتخذتيه بسرعة؟

هذا الحوار، وتقريباً كل قراراتي المصيرية اتخذتها بسرعة، والغريب حقاً أننى لم يسبق لي أن ندمت على قرار اتخذته، لأني في الواقع فكرت فيها جيداً.

ـ من أنت؟

إنسانة عادية جداً، أعيش مثل أي بنت، وأحب البيت جداً لأني "بيتوتية".

ـ لماذا شعرت باحمرار وجهك وخجلك عندما سألتك عن الحب؟

ربما لأنه أكثر شيء يعبر عني، وأحياناً لا أجد شيئاً لأقوله في وصفه، فقط تحضر في رأسي صور جميلة فأشعر بالخجل ولا أجد كلماتي تسعفني.

ـ انطباعي عنك أنك إما "مهووسة تمثيل" أو مجنونة .. فأيهما أنت؟

عندما كنت طفلة كان الجميع يقولون لأبي إنني إما سأصبح عبقرية أو مجنونة، وحتى الآن لا أعرف من أنا فى الاثنين.