قال الصديق، رضي الله عنه، عام 11هجري : (يا معشر أهل عمان، إنكم أسلمتم طوعاً، ولم يطأ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ساحتكم بخف ولا حافر، ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل، فجمع الله على خير شملكم، ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح، فأجبتموه إذ أمركم على كثرة عددكم فأي فضل أبر من فضلكم، وأي فعل أشرف من فعلكم ؟ كفاكم قول الرسول شرفاً إلى يوم الميعاد).

أما بعد، فمع آيات الله تلاوة وتدبرا في شهر القرآن، ومع الصيام والقيام في أيام وليالي رمضان، ومع الاحتساب والإيمان، وامتلاء الروح والوجدان بالمحبة لله والرسول في شهر الغفران، ومع صدى دعوات القلوب المؤمنة طلباً للفردوس الأعلى من الجنان ولرحمة الرحمن، نحمد الله المنان على (نعمة الإسلام والإيمان) مصدر كل إحسان، ونصلي ونسلم على خير الأنام المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) المبتهل لنا ولآبائنا بالدعاء الماثور عنه : (رحم الله أهل غبيراء آمنوا بي ولم يروني)، و«بأن يغمر الله عمان وشعبها بالبركة».

ورحم الله أجدادنا وآباءنا العرب القدماء في منطقتنا بين اقليمي (البحرين وعمان)، أولئك الذين سنحاول ان نتعرض لجوانب من أخبارهم وآثارهم على أرض الإمارات في هذه الرحلات الرمضانية الصحافية الميدانية والمرجعية البحثية التوثيقية في محاولة متواضعة للتعريف بملامح (من التاريخ الإسلامي في الامارات جغرافياً وتاريخياً وآثارياً).

لقد كانت نعمة الإسلام التي أتمها الله للعالمين في العام العاشر للهجرة بقوله تعالى : « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» ، كانت بالفعل والجوهر نقطة تحول خاصة في تاريخ الخليج العربي وشبه الجزيرة، فبعد أن كان هذا الشعب منقسماً إلى قبائل وعشائر يسودها النزاع وتطحنها الغزوات .

وبعد أن كانت منطقة الخليج وأطراف الجزيرة العربية خاضعة للنفوذ الأجنبي الاستعماري الساساني والبيزنطي ، إذ بقوة الإسلام الصاعدة تنبثق من قلب الجزيرة من (يثرب المدينة المنورة ) فترتفع مناراً ونوراً وهداية تشد إليها أفئدة العرب للانضواء تحت لواء الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليسيروا في ركب ، خير أمة أخرجت للناس، وليشاركوا في بناء الدولة والحضارة الإسلامية التي امتدت من حدود الصين إلى سواحل الأطلسي.

إن محاولة الارتحال الوجداني مع التاريخ الإسلامي الذي أشرق بنوره على هذه البقعة من الأرض العربية يعود بنا إلى صفحات العام الثامن الهجري من التاريخ الإسلامي، حين أتاح صلح الحديبية في العام السادس للهجرة وما تلاه من فتح مكة في العام الثامن الهجري، أتاح للقيادة الإسلامية في المدينة أن توجه الدعوة إلى قلب الجزيرة العربية وأطرافها ، بما في ذلك، عمان والبحرين، وبينهما جغرافيا مناطق الإمارات، وأن يتوجه الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى ملوك ورؤساء العالم خارج الجزيرة العربية لتحقيق وحدة بلاد العرب ثم الانطلاق لتحقيق عالمية الدعوة الإسلامية، وهنا ثمة صورة بديعة تستوقفنا في دفاتر رواة العرب بالاتفاق عن مجلس رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

واجتماعه بالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، في ذلك التاريخ تقول الروايات، «إنه عليه الصلاة والسلام لما قرر أن يراسل الملوك والأمراء طلب عقد اجتماع للصحابة، فاجتمعوا وصلوا الفجر سوية، ثم قام، صلى الله عليه وسلم، باختيار عدد منهم ليكونوا رسله وسفراءه وحاملي كتبه وتعليماته، وقال لهم..» انصحوا الله في عباده ، فإنه من استرعى شيئا من أمور الناس ثم لم ينصح لهم حرم الله عليه الجنة، انطلقوا ولا تصنعوا كما صنعت رسل عيسى بن مريم « فسأله المجتمعون قائلين...وما صنعوا يا رسول الله ؟.. فأجابهم (صلى الله عليه وسلم) : «دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من كان مبعثه قريبا فرضى به وسلم ، ومن كان مبعثه بعيدا فكره وجهه وتثاقل، فشكا عيسى ذلك إلى الله فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأمة التي بعث اليها، ثم قال المجتمعون، يا رسول الله إنهم لايقرأون كتابا إلا مختوما (فاتخذ، صلى الله عليه وسلم، يومئذ خاتما من فضة نقش فيه (لاإله إلا الله محمد رسول الله).

رسائل الرسول

ومن اجتماع الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقع الاختيار على عمرو بن العاص السهمي، رضي الله عنه، وهو الصحابي والسياسي المحنك يرافقه الصحابي الجليل أبو زيد الأنصاري، رضي الله عنه، وهو من الخزرج، وأحد من جمع القرآن في عهد الرسول وبعثهما بكتاب منه إلى (جيفر) و(عبد) ابني (الجلندي) ملكي عمان.

وهما من أسرة الجلندي الثانية يدعوهما للإسلام ويقرها على ملكهما إن هما قبلا الدخول فيه، ونصح الوفد بقوله، صلى الله عليه وسلم، « إن أجاب القوم إلى شهادة الحق وأطاعوا الله ورسوله فعمروا الأمير، وأبو زيد على الصلاة وأخذ الناس على الإسلام وتعليمهم القرآن والسنة «وكان نص الرسالة التي كتبها عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في صحيفة أقل من الشبر الصحابي الجليل ( أبي بن كعب) رضي الله عنه - إلى حاكمي عمان كما يلي: «من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، السلام على من اتبع الهدى.

أما بعد : فإني ادعوكم بدعاية الإسلام، اسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما ». وبرز على صفحات التاريخ متزامنا مع عمان من موفدي الرسول، صلى الله عليه وسلم، ورسله إلى المنطقة العلاء الحضرمي موفده إلى البحرين وسليط بن عمرو العامري موفده إلى اليمامة، حيث لعبا مع عمرو بن العاص الأدوار الرئيسية كممثلين لقوة الإسلام الصاعدة في تلك الأزمنة.

نظرة الرسول

وبانتظار نور الهداية ووصول رسائل الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومبعوثيه إلينا، ومع تتبعنا لمشاغل القيادة الإسلامية في المدينة المنورة بأمر نشرالإسلام، ومع وقائع المجلس الرمضاني الإسلامي الذي يتصل حبله بتاريخ بداية الدعوة في القرن الثامن الهجري، نجتمع في سياق رحلتنا بخير الجلساء من المؤرخين والجغرافيين والآثاريين والباحثين الأقدمين منهم والمعاصرين. حيث من البديهي أن نتساءل ونحن نفرد هذه الصفحات من سجلات التاريخ الإسلامي للوطن عن موقعنا بين اقليمي (البحرين وعمان)؟

آنذاك وعن حال الإنسان والحياة والديانات والمعتقدات الضالة التي بدد ظلماتها الجاهلية نور الإسلام ونعمة الدين الحق.؟ في هذا السياق يفيدنا المؤرخون والجغرافيون..» إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان ينظر إلى المنطقة الممتدة من البحرين إلى داخل عمان نظرة واحدة من حيث الامتداد الجغرافي والموقع الاستراتيجي وكذلك من ناحية الحكام والشعب العربي الموجود هناك، وتتأكد حقيقة هذه النظرة في كتابه، صلى الله عليه وسلم، الموجه إلى ملوك أزد عمان ومن كان منهم في البحرين، والأزد من القبائل العربية المشهورة

وقد امتدح النبي، صلى الله عليه وسلم، الأزد فقال : في رواية زيد بن الزرقا بإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي، صلى الله عليه وسلم،: « نعم القوم الأزد يحسنون ولايغلون هم مني وأنا منهم من لم يكن له أصل في العرب فليحق بالأزد فإنهم أصل العرب «، أما نص الرسالة المعنية كما في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام فهو..» من محمد النبي رسول الله، لعباد الله الأسبذ يين ملوك عمان وأسد عمان ومن كان منهم في البحرين..إنهم إن آمنوا، وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة وأطاعوا الله ورسوله، فإن عشور التمر صدقة ونصف عشور الحب، وإن للمسلمين نصرهم ونصحهم وإن لهم على المسلمين مثل ذلك، وإن لهم أرجاءهم يطحنون بها ما شاؤوا».

اختلاف المسميات

بهذه الإشارة إلى النظرة الجغرافية لإقليمي البحرين وعمان وبينهما (الإمارات) يجدر التأكيد بأن مسميات أقطار ودول الخليج العربي حاليا تختلف عن مسمياتها في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام والحقب الإسلامية المتعاقبة فالجزء الأكبر من منطقة الخليج العربي كما توضح المراجع الجغرافية والتاريخية بأن البحرين من حيث الساحل هو الممتد من البصرة مرورا بسيف كاظمة (في الكويت حاليا) .

والمنتهى بإقليم عمان الذي يبدأ بجلفار (موقع رأس الخيمة الآن) وبذلك يشمل هذا الإقليم وفق التقسيمات السياسية كلا من دولة الكويت، ساحل المنطقة الشرقية من السعودية ودولة البحرين جزيرة (آوال) قديما ودولة قطر وأجزاء من دولة الإمارات العربية المتحدة (الفجيرة وخور فكان ودبا) أما الدكتور إبراهيم عطا الله البلوشي فإنه يفيد بأن أغلب الروايات تشيرإلى أن حد البحرين من ناحية الجنوب الشرقي رمال يبرين، والسبخة المتصلة بالبينونة ويجعل البعض آخر حد البحرين من جهة عمان هو مدينة (جرفار) أو (جلفار) موازيا لجزيرة هرمز، ويسمى الآن برأس الخيمة، أما المدن الساحلية والتضاريس الطبيعية في البحرين فهي تبدأ بالبعجاء قرب السلع (ماء جنوب قطر) حسب حمد الجاسر المعجم الجغرافي وإلى الشمال منها شبه جزيرة قطر.

وقطر مدينة قديمة على ساحل البحر.) وإذا تتبعنا موقع (عمان) في المصادر الإسلامية نجد أن هذه المصادر تبين موقع هذا الإقليم بشكل دقيق نسبيا غير أن هذه المصادر تختلف حول هذا الموقع وحدوده الجغرافية والإدارية وقد بين جميع الجغرافيين المسلمين أن اقليم عمان مستقل بذاته رغم أنهم لم يصنفوه ضمن الأقاليم الرئيسية الخمسة في شبه الجزيرة العربية وهي تهامة والحجاز ونجد والعروض وتهامة، ولكنهم تحدثوا عنه بشكل مستقل مع وجود كثير من الاضطراب والتداخل في هذا الحديث.

وحسب المقدسي الجغرافي الإسلامي الشهير- فإن عمان تبعتها صحار ومدنها نزوه وضنك وحفيت ودبا وجلفار وسمد ومسقط وتوام الجوف، ومع اشراقة نور الإسلام على هذه الربوع العربية الكريمة بدأ الجغرافيون العرب برسم الخرائط عن منطقة الإمارات الحالية ويذكرون تفاصيل مدنها وأسماءها وشعوبها وأهلها. ويخبرنا المؤرخ عمران بن سالم العويس في محاضرة له بعنوان (ملامح من تاريخ الخليج) عام 1989 في دبي بأنه..» كانت في منطقة الخليج أسرتان حاكمتان تعرفان (بالجلندي) وكلتاهما من (أزد شنوءة) فإحداهما من ذرية (سليمة بن مالك بن فهم)، وقد حكمت في بعض مناطق الخليج، و(مالك بن فهم) هذا من أقدم حكام عمان.

أما الأسرة الأخرى فهي من (معولة بن شمس) حيث يقول فيهم الشاعر:

«وإن معولة قبل الرسول لهم *** على مزون أتاوات وتيجان «وهذا مما يدل على أن من أسماء عمان أيضا (مزون).. وقيل مزون قرية من قرى عمان، ويشير الباحث محمد أحمد عبيد إلى أن مزون هي دبا بسبب أهمية المدينة وهي القرية التي منها آل المهلب، وفي بعض المصادر التاريخية العمانية إشارة إلى أن عمان عرفت بأكثر من اسم في المراحل التاريخية المختلفة ويمكن تقسيم التسمية إلى قسمين قسم قديم أطلق على هذا الإقليم أو جزء منه قبل تبلور الثقافة العربية فيه أو حتى نكون أكثر دقة قبل بروزها واشتهارها، ومن أبرز هذه الأسماء (مجان) أو(مكان) أو (مجانا).

وهذه التسميات أطلقها على الأغلب سكان بلاد مابين النهرين أيام ازدهار حضارتهم القديمة من سومرية وآشورية وبابلية وكلدانية نظرا لتجارتهم الكثيرة مع المنطقة كما أطلق الفرس اسم (مزون) وبعد تبلور الثقافة العربية قبل الإسلام عرفت المنطقة باسم (عمان) ولن ندخل في جدليات المسمى وقد سميت الغراء أو (الغبيراء). كما جاء في ابتهال الرسول (صلى الله عليه وسلم) لهم بالدعاء.. « رحم الله أهل غبيراء آمنوا بي ولم يروني» ثم أن الرسول دعا الله أن ، يغمر عمان وشعبها بالبركة ، حسبما يذكر المؤرخ السالمي في تحفة الأعيان.

موعد آخر

القادم سوف نتطرق ان شاءالله عن الإمارات في فجر الإسلام والعصور الإسلامية استنادا إلى حصيلة البحث بين زاد هذه الرحلة الرمضانية القصيرة من الكتب والمراجع والقراءات والزيارات للمواقع والمكتشفات الآثارية ومعروضات متاحفنا الوطنية من اللقى التاريخية وستدفعنا هذه المحاولات الصحافية البحثية الرمضانية القصيرة إلى مراسي الماضي القريب والعصر الحديث والى مأثورات الحضارة الإسلامية الأصيلة والراسخة في حياتنا الروحية والثقافية والاجتماعية والأدبية والفنية والمعمارية والاقتصادية وتجليات كل ذلك في حياتنا بمختلف صورها ومجالاتها الحيوية النابضة بالأصالة والهداية والحق في روح مسيرة الحاضر والمستقبل إلى قيام الساعة إن شاء الله.