لأن أهل الماضي لم يعرفوا مضخات المياه الكهربائية، فقد استعان الآباء والأجداد بقوة الحيوان للحصول على الماء الذي يكفي للمواصلة في الإنتاج الزراعي.. «اليازرة» هي إحدى الوسائل لاستثمار الطاقة الحيوانية في استخراج المياه من بئر قليلة العمق نسبياً بمساعدة الحيوان، الذي غالباً ما يكون الثور، وذلك عبر سحب الدلو، في عملية كانت دارجة قبل قرابة ثلاثة عقود، بصورة كبيرة في المناطق الساحلية والشرقية، وينتج عنها أصوات موسيقية رائعة تحفز مشرف الآلة على العمل دون كلل.
جهد الثور
للتعرف على «اليازرة» عن كثب، نتوقف مع الوالد علي يوسف شعرون من إمارة رأس الخيمة، الذي يقول إن المزارع كانت منتشرة في الإمارات عموماً وفي رأس الخيمة بصفة خاصة وعلى مد البصر، ونظراً لحاجة الناس إلى مد مزارعهم بالمياه، كانت «اليازرة» هي محرك الطاقة الأساسي في غالبية تلك المزارع، إذ ترتكز العملية على جهد الثور الذي لا يقل عمره عن سنتين ويتمتع بقوة وقدرة على التحمل، كما أنه يخضع إلى تدريب لنحو شهرين حتى يتمكن من جر المياه بواسطة الدلو من البئر في مسار منحدر يتحرك فيه ذهاباً وإياباً بإشراف أحد رجال القرية.
جذعا نخلة
ويشترط عند بناء «اليازرة» البحث أولاً عن أطول جذعين لنخلة وشطرهما، وتثبيت «منيور» في الأعلى وهو عبارة عن بكرة تُثبّت بين أربعة قوائم يربط حولها الحبل لجر دلو المياه المصنوع من جلد الأغنام بواسطة الثور، ويسكب الماء المستخرج من البئر في حوض قريب من البئر تُوزع المياه من خلاله في قنوات مائية إلى المزارع والنخيل المجاورة.
الثالثة فجراً
وقد دأب الوالد علي شعرون على ممارسة هذه المهنة منذ الصغر، وقضى في مرحلة مبكرة من العمر، معظم أوقاته يشرف على عمل «اليازرة» ومتابعة آلية العمل فيها منذ الساعة الثالثة أو الرابعة فجراً حتى الثانية عشرة من ظهر كل يوم، كي يساعد الثور ويرشده بقصد استخراج نحو 40 كيلو غراماً من المياه يتم تعبئتها في الدلو الواحد، قبل أن يسلم العهدة عند الساعة الثانية ظهراً إلى رجل آخر يستأنف المهمة ويباشر عمله فيها حتى ساعات الغروب، وربما تستمر العملية إلى ما بعد المغرب لمن كانت مزرعته بحاجـة ماسـة إلى الميـاه.
مسميات قديمة
تدخل في صناعة «اليازرة» أدوات تحمل مسميات قديمة مثل «الوي»، وهي خشبة تُوضع على ظهر الثور يُثبت الحبل بها عندما يبدأ الحيوان عمله في شد الدلو وسحبه من البئر، وهناك أدوات أخرى مثل «المنجور» وهو البكرة التي تعلق بين القوائم الخشبية في الأعلى، والتي تمهد حركة جر الحبل. وتُحفظ المياه في «سعن» يشبه الأكياس البلاستيكية حديثاً يُصنع من جلد الحيوانات.