برؤية طموحة ومحفزة على الابتكار وصناعة التغيير بدأ الشاب البريطاني إيان فيرسيرفيس مشوار حياته الذي استهله في دبي وهو في الـ21 من عمره بعد أن أنهى دراسته الجامعية متخصصاً في قطاع الخدمات الفندقية، ليلتحق بالعمل في أحد أهم فنادق المدينة عام 1978.

فيرسيرفيس، المؤسس الشريك لـ»دار موتيفيت« للنشر، كان قارئاً نهماً وواسع الاطلاع يتوق للمعرفة واكتشاف ما حوله بداية من أحياء المدينة، وانتهاء بتكوين صداقات مع المواطنين الذين ألفوا حضوره في مجالسهم ورغبته في فهم العادات والتقاليد العربية وقواعدها، وفي أقل من عام أدرك أن عمله الحالي لا يوافق طموحاته وأحلامه، وقرر أن يخوض تجربته الخاصة والبعيدة عن مجاله الأكاديمي مدفوعاً بحبه للكتاب.

روح المدينة

وفي سياق الذكريات يقول فيرسيرفيس: »في مطلع 1979، بدأت بإصدار أول مجلة إنجليزية ذات إيقاع عصري ومتفاعل مع الأحداث اليومية تحت عنوان whats on، التي كانت باكورة إنتاج دار موتيفيت للنشر أنا وصديقي معالي عبيد بن حميد الطاير وزير الدولة للشؤون المالية، الذي كان في ذلك الوقت شاباً مثقفاً من الطراز الأول ومدركاً لأهمية إنعاش الحياة الثقافية والإعلامية لمواكبة روح المدنية الناهضة، وكان سبباً رئيسياً ومباشراً في توطيد علاقتي المستمرة حتى يومنا هذا مع الكثير من الأصدقاء والعائلات الإماراتية.

مسارات احترافية

ويضيف: في تلك الفترة لم يكن الإعلام الصحافي والتلفزيوني يتصدر المشهد كما هو الحال اليوم، ولم يكن ذا منهجية أو مسارات احترافية، ولكنه كان يحاول الوصول إلى أهدافه المنشودة وفق الإمكانيات المتاحة، وكذلك فعلنا نحن، ولذلك طرقنا كل الأبواب وقصدنا مختلف الجهات وأصدرنا العديد من المجلات الشهرية منها »ارابيان وومان« التي تحتل مكان الصدارة منذ إنشائها عام 1991 إلى جانب أنها الأكثر انتشاراً، ومجلة طيران الإمارات، وأنشأنا اقساماً خاصة للعلاقات العامة والإعلان ورعاية العملاء.

معيار التوازن

ويرى أن ما يميز المجتمع المحلي هو قدرته الديناميكية على استيعاب كافة الثقافات والشعوب تحت مظلة واحدة، والجميع قادر على التعايش وتكوين الصداقات والروابط الوثيقة دون وجود حواجز، فالإنسانية والتسامح هي معيار التوازن وميثاق بناء هذه الدولة، التي استطاعت في فترة وجيزة أن تضع خارطة طريق محددة الأطر وذات شمولية وثقل، تميزها الرفاهية والعدالة الاجتماعية، فهي الدولة الوحيدة وإن جاز التعبير الدولة التي يقرأ شعبها مواطنون ومقيمون من كتاب واحد ونهج واحد كتبت صفحاته بفكر ورؤية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

عالم القراءة

ويضيف فيرسيرفيس: من منطلق عملي كناشر قضى حياته بين أروقة المكتبات للبحث والتدقيق عن أفضل الإنتاجات الفكرية والأدبية تمثل مبادرة 2016 عام القراءة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، خطوة جديدة في مسيرة دولة الإمارات نحو ترسيخ ثقافة العلم والمعرفة والاطلاع على ثقافات العالم في نفوس المواطنين والمقيمين، عبر سلسلة من المبادرات والمشروعات الثقافية والفكرية والمعرفية التي أطلقتها الدولة منذ قيامها والتي لا ترتكز على العمران المادي والتكنولوجي، لكنها تعتمد في الأساس على بناء الإنسان الذي يشكل اللبنة الحقيقية لأي تطور ونجاح، وهي الرؤية التي مهدت لأن تتحول الإمارات في فترة وجيزة، قياساً بعمر الدول وبحجم الإنجازات، إلى مركز ومنارة للفنون والثقافة في المنطقة والعالم، بالإضافة إلى ما تمثله من نموذج فريد للتسامح والتعايش والتنوع الثقافي والفكري بين أشخاص من جنسيات مختلفة.

رؤى خلاقة

ويشير فيرسيرفيس إلى أن جميع إصدارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، التي نشرتها »دار موتيفيت« هي الأكثر نفاذاً في طبعاتها، لما تتضمنه من رؤى خلاقة وأفكار منتظمة تشع بالحكمة والإرادة القادرة على صنع التغير وتحديد القيادة الملتزمة التي تعمل لمصلحة الشعب لا لمصلحة الجماعة، وتقدّم المصلحة العامة على الخاصة وتلبّي نداء العقل للتطوّير والتحديث والتنوّر.

رؤية حضارية

وحول إقامته وتأسيسه لحياته في دولة الإمارات لأكثر من 3 عقود يقول: تعرفت على زوجتي في دبي وأنجبت أبنائي الأربعة الذين ترعرعوا وكبروا بين أحضانها، وحين يطلب من أبنائي أن يعرفوا عن أنفسهم أينما ارتحلوا حول العالم يقولون: »نحن من دبي«، فهي بالنسبة لي ولعائلتي الوطن الثاني والانتماء الإنساني والعاطفي، فنحن نعيش في جزء من عالم اليوم المتقارب المسافات، ليس مفروضاً علينا أن نتخير بين جنسياتنا أو قومياتنا، وتمثل الإمارات مركزاً للدائرة الإنسانية والعالمية في فضائها الأرحب، حيث الرؤية الحضارية الجامعة تصبح في هذا المقام فرضاً وواجباً؛ من حيث العقل وفكره، وقيمه، والواقع ومعطياته، فالواقع والواجب معاً متفقان على ضرورة الأخذ والعمل بهذا المفهوم في دوائر متحاضنة لا متنافية، وفقا لمبادئ التسامح والإخاء التي تنتهجها الدولة.

طقوس روحانية

وحول 38 رمضان شهدها فيرسيرفيس في دولة الإمارات يوضح: من حُسن المصادفة أن توقيت رمضان هذا العام سيكون شبيهاً تماماً بعام 1978 وأكون بذلك خلال السنوات السابقة قد شهدت حلول الشهر الفضيل في الفصول الأربعة، ويضيف: الطقوس الرمضانية في الإمارات ملهمة وروحانية وذات منحى إنساني يتخطّى المجال المحلي أو الإقليمي، إلى آفاق عالمية، من دون أن ينال من خصوصيتها، أو يؤثّر في طبيعتها، فتكون بذلك طقوس تواصُل بشري، وتحاورٍ إنساني، وثقافة تفاهم يؤدّي إلى التعايش بين الأمم، تحقق التضامن بين الشعوب، ومع الوقت تعلم أن هناك الكثير من العادات التي تجمع العالم الإسلامي، ولكن تبقى لكل مجتمع تفاصيله التي تميزه عن غيره.

ثقافة منفتحة

ويؤكد أنه في إطار المنظور الرحب الواسع لشهر رمضان المبارك، يمكن أن نقول إنّ الثقافة الإسلامية، ثقافة القوة والبأس، لا ثقافة الضعف والبؤس، ثقافة الحوار والتفاهم والتواصل، ولم تكن قط لتنأى عن التلاقح والتمازج والتداخل، في حين كانت جميع الثقافات التي تنتسب إلى الأمم والشعوب القديمة، تنزع نحو الانعزال والانغلاق، وتصطبغ بصبغة العرقية والعنصرية، ولم تكن على الإجمال، ثقافةً متفتّحة، قابلةً للأخذ والعطاء.

عادات رمضانية

ويرى فيرسيرفيس أنه ورغم تغير الظروف المعيشية للناس فإن رمضان في الإمارات هو نفسه على مر الأزمان، العادات والتقاليد لم يطرأ عليها أي تغيير، بل تجملت وتعمقت في أوصال المجتمع المحلي. فقبيل قدوم رمضان تبدأ الاستعدادات لاستقبال الشهر الفضيل وخلال رمضان المبارك تكاد المنازل والمطاعم لا تخلو من الأكلات الشعبية، وتعد زيارة الأهل والأصدقاء بعد صلاة التراويح من أبرز ما يشتهر به الإماراتيون في الشهر الكريم.

معالم سياحية



فيما يتعلق بالمناطق والمعالم التي يهتم بزيارتها يقول: أحرص على زيارة رأس الخيمة كلما سمحت لي الظروف، نظرا لمواقعها الاستراتيجي والمناخ المعتدل لفترة طويلة من السنة والشواطئ الممتدة على الشريط الساحلي والجبال والتلال القريبة من الإمارة، كذلك من الأماكن أيضاً ملعب الغولف في فندق جبل علي وهو الوحيد من نوعه الذي استضاف اهم وأشهر اللاعبين المحترفين، إضافة إلى محمية رأس الخور للحياه الفطرية، التي تجذبني ليس لقيمتها الجمالية فحسب، بل لأنها تعتبر منارة لتسليط الضوء على أهمية التنوع البيولوجي كنظام إسناد للحياة من أجل استمرار وجود الجنس البشري مع كونها جزءاً لا يتجزأ من الموروث الثقافي والطبيعي للدولة.