«إن الرزق رزق الله، والمال مال الله، والأرض أرض الله، والفضل فضل الله، والخلق خلق الله، ومن توكل على الله أعطاه الله، ومن يبينا حياه الله».. غيض من فيض حكمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ترحب بتعدد الجاليات، وتعزز ثقافة التسامح.. «البيان» تستعرض شهادات 30 شخصية طاب لها العيش على أرضنا الطيبة.

يحمل شهر رمضان لعام 1983 بين طياته الكثير من الذكريات والطرائف، التي ما زالت تطوف بذاكرة الإيرلندي كولم ماكلوكلين، النائب التنفيذي لرئيس مجلس إدارة سوق دبي الحرة، التي امتدت إلى 33 عاماً وشهدت تكوينه العديد من العلاقات الإنسانية والروابط المهنية المثمرة، بعد وصوله إلى دبي، ضمن فريق آير ريانتا (الهيئة المنظمة لمطارات إيرلندا)، لتأسيس السوق الحرة في مطار دبي.

بين القلق والرهبة

يعود ماكلوكلين بذكرياته إلى الوراء قائلاً: تتملكني الكثير من المشاعر المتفاوتة بين القلق والرهبة والطموح، فكانت دبي بالنسبة حزمة تجارب متنوعة، حصد منها الاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية واكتساب مهارة التعايش مع الآخرين المختلفين ثقافياً ولغوياً ودينياً، بل بالفعل الإمارات منحتني السكينة والرضا والتوازن المرتبط بدرجة كبيرة بالتسامح والانفتاح الحضاري، إلى جانب احترام التعددية الثقافية وقبول الآخر والانسجام المجتمعي، فضلاً عن قيم التشارك والتعايش والتعاون والتضامن والتناغم التي تميز المجتمع الإماراتي.

مناخ صحراوي

ويضيف ماكلوكلين: بالنسبة إلي كان صيف 83 لا يحتمل، فتلك تجربتي الأولى مع المناخ الصحراوي، وشعرت أن حرارة الشمس هي مرافقي الشخصي، وأرسلت أشعتها اللاسعة لتستقبلني خارج صالة القادمين، حينما هبطت بي الطائرة في مطار دبي قادماً من إيرلندا بصحبة 9 زملاء آخرين موفدين من قبل شركة «إير رينتا إنترناشيونال ميدل إيست»، وهي الشركة المؤسسة للسوق الحرة الأولى في العالم في إيرلندا في عام 1947، ولفت انتباهي أن المقاهي والمحلات المجاورة للمطار تكاد تخلو من الزبائن، ونظرت إلى ساعتي، ولم تكن قد تجاوزت الثانية ظهراً.

حقائب مفقودة

ويؤكد ماكلوكلين: من نافذة السيارة التي كانت تقلنا من المطار إلى الفندق لاحظت أن الهدوء والسكينة يعم شوارع المدينة شبه الخالية من المارة والسيارات وقت الظهيرة، وبسؤال السائق عن السبب، أجابني نحن في رمضان وتتغير أوقات العمل في هذا الشهر، ما أثار بداخلي العديد من تساؤلات التي دفعتني إلى الاستفسار من مسؤول خدمة النزلاء بفندق «الميريديان» مقر إقامتي عن ماهية رمضان وماذا يمثل للمسلمين، شعرت بالحرج والخجل من نفسي، فلم وأبحث أو اقرأ عن الإمارات وتقاليدها الإسلامية قبل مغادرتي إيرلندا، ففي تلك الفترة لم تكن الثورة المعلوماتية لشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بفعاليتها وجودتها كما اليوم، ومن المفارقات الأخرى المرتبطة برحلتي الأولى إلى الإمارات، أني فقدت حقائب السفر في المطار وكان عليّ الذهاب إلى مركز الغرير لشراء احتياجاتي وبعض الملابس، إلى أن يتم العثور على حقائبي الضائعة.

توثيق الهوية

ويضيف ماكلوكلين: فوجئت أن مركز الغرير للتسوق في ذلك الوقت يغلق أبوابه في تمام الساعة 4 عصراً، وكان عليّ العودة من جديد غداً، وصباحاً، لم تكن مدينة دبي تحوي الكثير من أماكن الترفيه، ولكن في الوقت نفسة كانت مرضية بما تحوية من مرافق أساسية مكتملة، لم انقطع منذ سنواتي الأولى حتى اليوم عن زيارة الأسواق القديمة، ومنطقة البستكية، وشوارع حي الفهيدي فما زلت أغذي فضولي الكبير نحو دبي باكتشافها أحياءها القديمة سيراً على الأقدام، وذلك هو مصدر إلهامي، فمن هناك بدأت طموحي الكبير، في مجتمع يعتز بتقاليده وثقافته لتحقيق التوازن بين الحياة القديمة والمعاصرة.

«فوالة» المجلس

ويرى ماكلوكلين: هذه المحاولات هي جهود قيمة يقوم بها أناس يحترمون ماضيهم ويحبون جذورهم، ويبذلون جهوداً فعلية لضمان أن تعرف الأجيال المقبلة هويتها، وتثق بنفسها. في الإمارات المواطنون يضعون المستقبل نصب عيونهم، غير أن قلوبهم ما بقيت متعلقة بقيمهم سيبقى الأمل قائماً، وطوال 3 عقود كان هذا الجزء من العالم موطني، ووجدت الدفء، الذي تكنه قلوب الناس واحترامهم الشديد لقيمهم الموروثة، وهو ما يجذبني إليها، وهو ما جعلني أستشعر دفء شمسها الحارة، التي أزعجتني في البداية بعد أن عانق قلبي تسامح ومحبة أهلها حينما كانوا يقدمون لي «الفوالة» فور وصولي إلى مجالسهم، وهي عبارة عن مجموعة من أطباق الوجبات الصغيرة، التي تجسد عراقة وأصالة الضيافة الإماراتية.

قصة نجاح

ويذكر ماكلوكلين: إن قصة تأسيس سوق دبي الحرة سارت برؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الذي طلب منه في البدايات أن تكون الأفضل في قطاع التجزئة بالمطارات في المنطقة، وبعد سنوات من نجاح العمل، استدعاني سموه وشكرني على جهودي، بعد أن أصبحت الأفضل وطلب مني هذه المرة أن تكون الأضخم في العالم، وهكذا أصبحنا وسوف نواصل دون انقطاع بجهد وحماس كبيرين.

طاقم العمل

ويقول ماكلوكلين: كان الترويج لإمارة دبي على المستويين الإقليمي والعالمي وتعزيز مكانتها كونها محطة عالمية للأعمال والتسوق والترفيه والفعاليات الرياضية. كان أحد أهم أهدافنا منذ بداية انطلاق سوق دبي الحرة في العام هو الترويج من المعالم البارزة، ونجحنا العقود الثلاثة الماضية في بناء سمعة طيبة. من حيث الاهتمام بالعاملين فيها، إذ يضم طاقم عمل السوق اليوم 6,000 شخص، بما فيهم 31 موظفاً من أصل 100 تألف منهم فريق العمل الأساسي لدى انطلاقة السوق عام 1983، وكنت أنا في صفوف أولئك «الرواد»، وكذلك جورج هوران، الرئيس الحالي لسوق دبي الحرة، والذي كان نائباً لي لسنوات عدة.

ويشرح ماكلوكلين: استطاعت السوق الحرة ترسيخ مكانتها عالمياً وتصدرها المركز العالمي الأول مجدداً، كونها أكبر متجر تجزئة في مطارات العالم بفضل الدعم والتشجيع الكبيرين اللذين أحيطت بهما سوق دبي الحرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وخاصة الدعم الذي يقدمه سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة الطيران المدني في دبي رئيس مجلس إدارة سوق دبي الحرة، فضلاً عن دعم طاقم عمل السوق المؤلف من 6000 شخص، الذين يقومون بعمل رائع في تسيير دفة العمل في مؤسستنا، التي وصلت مبيعاتها السنوية إلى 1.8 مليار دولار.

500 جائزة

ويضيف ماكلوكلين: توسعت السوق اليوم لتصبح أكبر سوق حرة في العالم بعد أن حققت أرقاماً قياسية في المبيعات السنوية لتستحوذ على نصف مبيعات الأسواق الحرة في المنطقة وعلى 7% من المبيعات العالمية، وفي الوقت الذي تولي فيه السوق الحرة اهتماماً رئيساً لنجاح عملياتها في مجال التجزئة، تواصل المؤسسة تعزيز رصيدها من الجوائز التي تجاوزت 500 حتى الآن، الأمر الذي يعكس نجاح السوق، وتألقها في قطاع تجزئة المطارات. وشهد عام 2015 فقط حصول سوق دبي الحرة على 27 جائزة، بما فيها جائزتا «أفضل حملة تسويقية للعام»، مقدمة من جوائز فرونتير العريقة، و«أفضل متجر سوق حرة» من مجلة جلوبال ترافلر الأميركية.

مسيرة الإنجازات

يرى ماكلوكلين أن سوق دبي الحرة تواصل تنفيذ أجندتها الحافلة بالأحداث والحملات الترويجية، التي تشمل بطولات سوق دبي الحرة للتنس، التي يحتضنها ستاد سوق دبي الحرة للتنس، كما نظمت ورعت البطولة الافتتاحية للسنوكر كلاسيك، وأسهمت كونها راعياً داعماً لمسابقة «ديزرت كلاسيك غولف، كما أصبحت راعياً رئيساً لسباق القوارب السريعة العالمي، كما تولت سوق دبي الحرة إدارة نادي الطيران والقرية الإيرلندية وتنظيم كأس سوق دبي الحرة العالمية للغولف، إلى جانب إطلاق مؤسسة سوق دبي الحرة للأعمال الخيرية، أصبحت أول راع عالمي لمبادرة بنك ستاندرد تشارترد «الرؤية هي الإيمان»، التي تهدف إلى إعادة البصر لنحو مليون شخص.