بعدما أكمل الشيخ سي حاج محند الطيب ترجمة آخر آية من القرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية «لغة الجزائريين القديمة» صلى ركعتين لله وأجهش بالبكاء فرحاً، وقال بصوت عال «اللهم إني بعونك وفيت... اللهم إني بعونك وفقت». فقد كان يحلم بفهم ما يقرأ ويحفظ منذ كان في الثامنة والعاشرة من العمر حين كان يتردد إلى جامع قريته «افرحونن» بمنطقة القبائل، وقتها كان محند الطيب وهو اسمه الشخصي لا يفهم شيئاً مما يقرأ من القرآن الكريم.

سألناه عن البداية فقال «كغيري من الصبية كنت أحفظ القرآن الكريم ولا أعلم إطلاقاً معاني ما أحفظ، كنا في الجامع نجلس على الحصير ونكتب سور القرآن الكريم على اللوح نقرأها وفي صباح اليوم التالي نسرد للمعلم ما قرأناه ومن حفظ ما هو مدون على لوحه وأعده لكتابة سورة جديدة أو مقطع آخر، وهكذا كل يوم.

وأضاف كنت أجد متعة في الحفظ وألتهم السور الواحدة تلو الأخرى كما لو كنت في سباق مع غيري وأفرح كلما دشنت حزباً جديداً، وحين أخرج من الجامع أساعد العائلة في جمع المحاصيل الزراعية ان كانت حبوباً أو بقولًا أو زيتوناً أو فواكه وخضروات. ثم سافرت ودرست اللغة العربية وتعلمت الفرنسية وظللت حافظاً ما قرأته في جامع القرية، كما ظللت تواقاً لفهمه وإفهامه لغيري ممن لم يحظوا بما حظيت به من علم.

بعد استقلال الجزائر عام 1962 عملت في سلك التربية ثم أصبحت مفتشاً للتعليم في مدينة الاخضرية بولاية البويرة القريبة من مسقط رأسي ثم في ولاية تيزي وزو. لقد فكرت في ترجمة القرآن الكريم مباشرة بعد التخرج من الجامعة لكن نقص الإمكانيات والظروف العامة لم تسمح بذلك.

وعند التقاعد عام 2000 راودتني الفكرة مجدداً ووجدت تشجيعاً من وزير الشؤون الدينية والأوقاف الدكتور غلام الله بوعبد الله زميله في العمل. فبدأ رحلة البحث عن البداية كما يجري مع أي موضوع جديد لم يسبق إليه أحد. فهو أول من وضع الكتاب الكريم في متناول البربر بلغتهم، وقرأ في سبيل ذلك آلافاً من الصفحات لعدد من مفسري القرآن.

وقال «كانت البداية هي الأصعب بعض التعابير القرآنية لا أجد مقابلاً لها باللغة الأمازيغية إلا بعد بحث معمق... ثم ان الأمر يقتضي الاطلاع على تفاسير عديدة لتعزيز فرص صحة الترجمة. كنت أستعين حتى بالترجمات التي وضعت للقرآن للغات أخرى وبالتحديد الفرنسية بل واستفدت حتى من بعض تعابير الشعراء والمطربين باللغة الأمازيغية... لهذه العوامل كانت عملية الترجمة شاقة استغرقت خمس سنوات».

اختار سي حاج محند الطيب، الذي يشغل حالياً مناصب دينية بولايته تيزي وزو، ان يدون ترجمة الكتاب المبين إلى الأمازيغية بالحروف العربية مع ان الكثيرين من بني عمومته يرون ان الأمازيغية أقرب إلى الكتابة بالحروف اللاتينية. وكان دعم المملكة العربية السعودية عن طريق سفارتها بالجزائر دفعاً كبيراً لتحقيق المشروع.

فقد اعتمد من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ونقل النص كما سافر المترجم إلى المدينة المنورة للوقوف على التصحيح والتصويب، واستغرقت العملية عامين. خرج بعدها المولود إلى النور ـ بعد اعتماده من مجمع الملك فهد الفقهي ـ في طبعة ورقية وأخرى صوتية سجلها الشيخ بنفسه على أقراص مضغوطة، وتبنت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر توزيع النسختين مجاناً.