إذا ما اشتدت وطأة الحياة وتأزمت الكلمة وعجز العقل عن التمييز بين الواقع والخيال، أو بين الشيء ونقيضه، عندئذ نلجأ للحكمة التي هي خلاصة تجارب الناس لمئات السنين.
والحكمة لا تأتي إلا من تجربة، والتجربة لا تأتي إلا بالعمل، وقيل قديما: اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.
فما أحوجنا اليوم لمثل تلك التجارب. نتزود بها حكمة وعبرة، بما يعزز لغتنا وقيمنا، ويتصدى لما يعتورهما من تشويه أو تقصير. وفي هذه الصفحة سأتناول مختلف المواضيع وأبحث عن التجارب وأقف معكم على صفات وأخلاقيات البشر وحالاتهم.. بين الترح والفرح، كل ذلك في وجبات يومية استخلصتها من التراث العربي الأصيل لأقدمها في هذه المساحة زاداً رمضانياً ننهل منه جميعنا.
يقول تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) سورة العنكبوت الآية 43.
لطالما استخدم الناس أمثالا في مواقف مختلفة، تارة بلفظة عامية وتارة فصيحة، وغالبا لا يدرك مستخدمها أنها شطر من بيت في قصيدة، أو جزء من قول مأثور. ونختار اليوم جملة من الأمثال الدارجة ونعيدها إلى مصادرها أو مراجع اشتقاقها.
متفرقات
يقال القلب مصحف البصر، وهو من: وإذا القلوبُ استرسلت في غيها/ كانت بليتها على الاجسامِ.
وقيل: ما اتعس القلب الذي/ يلتأم حتى انكأته الخطوبُ.
يقال: (ما أشبه الليلة بالبارحة)، ويضرب عن تشابه الشيئين، كما يقال: (ما أشبه القوم ببعض). قال الشاعر: وكلهم أروغ من ثعلب/ ما أشبه الليلة بالبارحة.
ويقال: (مرحىَ مراحِ) ويضرب المثل في الداهية. قال الشاعر: فأسمع صوته عمراً فوَلىَّ/ وأيقن أنها مرحىَ مراحِ.
يقال: ( من كان بيته من زجاج لا يرمِ بيوت الآخرين) ويضرب هذا المثل في الشخص الذي يعيب الناس والعيب فيه.
قال الشاعر: يا ساكن البيت الزجا/ ج هَبلتَ لا ترمِ الحصونا/ أرأيت قبلك عارياً/ يبغي نزال الدارعينا.
ويقال: ( لو كرهتني يدي ما صحبتني) لا ابتغي وصل من لا يبتغي صلتي/ ولا ألينُ لمن لا يبتغي ليني/ والله لو كَرهتْ كفي مصاحبتي/ لقلت للكف: بِيني إذ كرهتيني.
يقال ( على قدر لحافك مد رجليك) أي على قدر استطاعتك افعل ولا جبر الله نفس على ما لاطاقة لها.
قال الشاعر: لعمرك ليس امساكي لبخلي/ ولكن لا يفي بالخرجِ دخلي/ وفي طبعي السماحة غير أني/ على قدرِ الكساءِ مددت رجلي.
قيل: (لو ترك القطا ليلاً لنام). ويضرب هذا المثل لمن حُمل على مكروه من غير إرادته.
قال الشاعر: ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا/ فلو تُرك القطا ليلاً لناما.
قيل: (كل ما يرضيك والبس ما يرضي الناس)، وقال الشاعر: أما طعامك كل لنفسك ما اشتهيت/ واجعل لباسك ما اشتهاه الناس.
(القصير لا يظلمه أحد)
يروى أن كسرى جلس للمظالم يوما فتقدم إليه رجل قصير القامة وأخذ يصيح: أنا مظلوم، وكسرى لا يلفت إليه. فقال له وزيره: أنصفه يا مولاي. فقال: كسرى: إن القصير لا يظلمه أحد. فقال الرجل: إن الذي ظلمني هو أقصر مني. فضحك كسرى. ويقال: (القوي يأكل الضعيف) و(السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة).
قال الشاعر: فساء من الاخلاق والجهل خلقه/ وصار سمين القوم يبطش بالغث
يقال: (كالمستجير من الرمضاء بالنار) ويضرب المثل في الشخص الذي لا خيار له، وكل خياراته سيئة ولا ملجأ له.
قال الشاعر: لعمرو مع الرمضاء والنار تلتظي/ أرق واحنى منك في ساعة الكربِ.
وقيل: المستجير بعمرو عند كربته/ كالمستجير من الرمضاءِ بالنارِ.
(الصنم سعد)
ويضرب هذا المثل في الشيء الذي لا يفيد صاحبه. يقال إن أعرابيا كان يعبد صنماً اسمه سعد فرآه ذات مرة مرميا على الأرض فهجاه وقال: أتينا إلى سعد ليجمع شملنا/ فشتتنا سعد فلا نحن من سعدِ/ وهل سعد إلا صخرة بتنوفة/ من الأرض لا يدعىَ لغيٍّ ولا رشدِ.
يقال: (ما بلغ شيء الكمال إلا نقص). قال الشاعر: متى ما ازددت من بعد التناهي/ فقد وقع انتقاصي في ازديادي.
أسماء الرياح
وقالت العرب عن: ما هب من شرقٍ فذلك الصبا/ ثم الجنوب عن يمينٍ ذهبا/ ثم الشمال والدبور وجرت/ نكباءُ بين كل ريحينِ سرت/ فذلك الازيبُ ثم الصابيه/ فالهيف ثم الجربياءُ آتيه.
مشاهير الخيل عند العرب: اشهرُ خيل العرب: المشهرُ/ ثم النعامةُ التي لا تنكرُ/ وداحس منهن والغبراءُ/ كذلك الخطار والحنفاءُ/ واعوجٌ ولاحقٌ سكابُ/ كذلك العُبيد والعقابُ/ كذا العصا وامها العصية/ وكم لهم اما وكم بُنية.
أشهر الجياد
واسم حصان عنترة بن شداد الأبجر.
واما ما قيل في قيل في وصف الخيل: الطائرات، السابحات، السابقات/ الناجيات، إذا استحث نجاءُ.
وتقول العرب: (احق بالركض المعار). اعيروا خيلكم ثم اركضوها/ أحق الخيل بالركض المعارُ.
وقيل: (الخيل معقود بنواصيها الخير)
قال الشاعر: الخير ما شرقت شمسٌ وما غربت/ معلقٌ بنواصي الخيل معقودُ.
(قوباً من قائبة)
تقول العرب: قوبٌ من قائبة ( أي فرخ من بيضة). ويقال: تخلصت قائبة من قوب (أي تخلصت بيضة من فرخ) يقال: (أشهر من نارٍ على علم) ويضرب هذا المثل في الشيء المشهور. قال الشاعر: يا سالف الدهرِ بين الحل والحرمِ/ لأنت أشهرُ من نارٍ على علمِ.
يقال: (ذكرتني الطعن وكنت ناسياً) ويضرب هذا المثل في تذكر الشيء بغيره.
قال الشاعر: ردوا على أقربها الأقاصيا/ إن لها بالمشرفيِّ حاديا/ ذكرتني الطعن وكنت ناسيا.
يقال: (الحديث مشجون، أو الحديث فنون). ويضرب هذا المثل في الحديث الذي يتذكر به غيره، وأصل الكلمة الاتصال والالتفاف ومنه الشجنة وهي شجرة ملتفة الاغصان. قال الشاعر: أيها الراكب الميمم مصراً/ ألقِ سمعاً فللحديثِ فنونُ.
يقال: (ما حك جلدك مثل ظفرك) ويضرب هذا المثل في ضرورة الاتكال على النفس. قال الشافعي: ما حك جلدك مثل ظفرك/ فتولَّ أنت جميع أمرك.
(المعاملة بالمثل)
يقال: نكيل الصاع صاعين (أي نرد بمثله أو أشد).
قال الشاعر: لا نألم القتل ونجزي به ال/ أعداء كيل الصاع بالصاعِ.
وقال آخر: ويبكي فأبكي رحمة لبكائه/ إذا ما بكى دمعاً بكيت له دما.
قال بعضهم: فإن تقبلي بالود نقبل بمثله/ وان تدبري ادبر حالِ باليا/ ألم تعلمي أني قليلٌ لباني/ إذا لم يكن شيءٌ لشيءٍ مؤاتيا.
قال الشاعر: فإن تقبلي بالود نقبل بمثله/ وإن تؤذنينا بالصريمة نصرمِ.
يقال: ما ذخرتكِ يا دمعتي إلا لشدتي. قال الشاعر: فإن انحدار الدمع يعقب راحة/ من الوجد أو يشفي نجيِّ البلابلِ.
وقال آخر: ما أهون الدمع الجسور إذا جرى/ من عينِ كاذبةٍ فأنكر وادعى.
قال المتنبي: أرَقٌ على راقٍ ومثلي يأرقُ/ وجوىً يزيدُ وعبرةٌ تترقرقُ.
يقال: خلوت، فبكيت، فسلوت. ويقال: إذا قلت اسلو غارت العين بالبكاء.
قال الشاعر: إذا قيل مهلاً غارت العين بالبكا/ غراء ومدتها مدامعُ وحُفَّلُ.
حمدانيات
قال أبو فراس الحمداني في سجنه عندما سمع صوت الحمامة: أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ/ أيا جارتا هل تشعرين بحالي/ معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى/ ولا خطرت منكِ الهمومُ ببالِ/ أيا جارتا ما انصف الدهر بيننا/ تعالي اقاسمكِ الهمومَ تعالي/ أيضحك مأسورٌ وتبكي طليقةٌ/ ويسكت محزونٌ ويندب سالي/ لقد كنت أولى منكِ بالدمعِ مقلة/ ولكن دمعي في الحوادثِ غالِ.
أمثال الكسالى
وقيل عن الكسلان: (يقطع نهاره بالمُنى ويتوسد ذراع الهم إذا امسى) ويقال: (الحالة حالة مساكين والنفس نفس سلاطين). ويقال: البطالة أم الرذالة، والكسل أسرع طريق للفقر.
قال الشاعر: تزوجت البطالةُ بالتواني/ فأولدها غلاما مع غلامهْ/ فأما الابن سموهُ بفقرٍ/ وأما البنت سموها ندامهْ.
قال الشاعر: ولله مني جانب لا أضيعه/ وللهو مني والبطالة جانبُ.
يقال: ( احب اهل الكلب اليه خانقه) ويضرب هذا المثل للئيم أي اذا اذللته اكرمك وإن اكرمته تمرد. إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.
صالح بن عبد القدوس
قال: احذر مصاحبة اللئيم فإنه/ يُعدي كما يُعدي الصحيح الاجربُ/ يلقاك يحلف انه بك واثقٌ/ وإذا توارى عنك فهو العقربُ/ يعطيك من طرف اللسان حلاوة/ ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ.
(لئيم راضع)
يقال: (ألأم من راضع اللبن) اللأم من راضع اللبن هو رجل من العرب كان يرضع اللبن من نعجته ولا يحلبها خوفا من أن يُسمع وقع الحليب في الإناء فيُطلب منه. من هنا قالوا لئيم راضع.
قال الشاعر: لا يحلب الضرعَ لؤماً في الإناء ولا/ يُرى له في نواحي الصحن أثارُ.
قال أحدهم: قد يطفحُ اللؤمُ حتى إن صاحبه/ ينسىَ الحياءَ فيغدو يدعي الكرما.
وقيل: لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة/ فأصبحت ذا يسر وقد كنت ذا عسرِ/ فقد كشف الإثراء منك خلائقاً/ من اللؤمِ كانت تحت ثوب من الفقرِ.
وقيل أيضا: بقاء لئام الناس موت عليهم/ كما إن موت الأكرمين بقاءُ.
وقيل: غلامٌ اتاه اللؤم من شطر نفسه/ ولم يأته من شطر أم ولا أبِ.
يقال: لولا الغيرة ما حبلت الاميرة، و.. غيرة المرأة مفتاح طلاقها، و.. لب المرأة إلى حمق، ويضرب عذرا للمرأة عند الغيرة.
قال الشاعر: ما احسن الغيرة في حينها/ واقبح الغيرة في كل حينْ/ من لم يزل متهماً عِرسَه/ مناصباً فيها لريب الظنونْ/ اوشك ان يغيرها بالذي/ يخاف ان يبرزها للعيونْ/ لا تطلع منك على ريبةٍ/ فيتبعُ المقرونُ حبلَ القرينْ. وقال آخر: فلا تسمح بوصلك لي فإني/ أغار عليك منك فكيف مني؟
صعوبة الصبر على المروءة
قيل: إن المروءة اشتدت مؤونتها وثقل حملها، ويقال: المروءة اصلاح المعيشة واحتمال الجريرة، و.. الصبر على ما ينوبك وهي العفة والحرفة. قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: مروءة الرجل حيث يضع نفسه. قال الشاعر: ولابد من شكوى الى ذي مروءة/ يواسيك او يسليك او يتوجعُ.
قال الشاعر: عادوا مروتنا فضلل سعيهم/ ولكل بيت مروءة أعداءُ/ لسنا إذا عد الفخارُ كمعشرٍ/ أزرى بفعل أبيهم الابناءُ.إذا المرءُ اعيته المروءة ناشئاً/ فمطلبها كهلاً عليه شديدُ.
اختان وبختان
ويقال: الله خلق اختين وخلق بختين، و.. ضربة حظ، و.. المنحوس منحوس ولو علقوا على بابه فانوس.
قال الشاعر: وما لبُّ اللبيب بغير حظ/ بأغنى في المعيشة من فتيلِ/ رأيت الحظ يستر كل عيبٍ/ وهيهات الحظوظ من العقولِ. وقيل: قد يرزق المرء لم تتعب رواحله/ ويحرم المرء ذو الاسفار والتعبِ.
قال ابن الرومي: أيلتمس الناسُ الغنىَ فيصيبهم/ والتمسُ القوت الطفيف فيلتوي.
يقال: خير حظك من دنياك ما لم تنل، و.. الحظ يأتي من لا يأتيه.
(أول الحزم المشورة)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الرجال ثلاثة: رجل ذو عقل ورأي، ورجل إذا حزبه أمر اتىَ ذا رأي فاستشاره، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً.
ويقال: (الحزم مع العزم) قالوا: من الحزم أن لا يحتقر الرجل عدوه وإن كان ذليلاً، ولا يغفل عنه وإن كان حقيراً، فكم برغوث أسهر فيلاً ومنع الرقاد عنه. قال الشاعر: فلا تحتقرن عدواً رماك/ وإن كان في ساعديهِ قِصرُ/ فإن السيوف تحز الرقاب/ وتعجز عما تنال الإبرُ.