تعد قبيلة بني ياس من أقوى القبائل، فقد شكلت منذ بداية التاريخ الحديث وحتى مجيء زايد الأول، أكبر قوة برية في الإمارات العربية، ونظراً لقوة بني ياس البرية فإن السياسة البريطانية تجاه أبوظبي كانت حذرة خوفاً من التوغل في حرب مكشوفة في الصحراء، لذلك فضلت أن تتجنب الاحتكاك بهم.

 

وكانت القبيلة تتخذ من الظفرة في ليوا والتي كانت محلاً لأغلب القبائل التي رحلت مع منتصف القرن السابع عشر، وقبيلة آل نهيان المتفرعة من آل بوفلاح، هي أحد الفروع التي استقرت واتخذت من أبوظبي مقراً لها، فكان الحاكم الأول الذي جاء من ليوا الشيخ شخبوط بن ذياب بن عيسى آل نهيان في عام ١٧٣٧م، وقام ببناء قصر الحصن، الذي أتم هذا العام ما يقارب ٢٥٠ عاماً واحتفلت به أبوظبي في مهرجان خاص أقيم في مارس من عام ٢٠١٣م، وكان القصر مركزاً لحكم آل نهيان الذين توالوا منذ تلك الفترة إلى هذه الأيام، وكان الشيخ شخبوط قد بنى القصر ليس ببعيد عن البحر، وكان القصر أبيض اللون، وهو دفاعي عسكري، وفيه غرفة استخدمت للقاء الشيوخ والقبائل وإدارة الحكم.

حكم زايد بن خليفة

هنا جاء حكم الشيخ خليفة بن شخبوط آل نهيان، وكان قد تميز بالحنكة والسياسة والهدوء في اتخاذ القرارات، وبعد وفاته حكم الشيخ سعيد بن طحنون، من الفترة من عام ١٨٤٥ إلى عام ١٨٥٥، ولكنه لم يستمر في حكمه إلى أن حكم الشيخ زايد بن خليفة بن شخبوط آل نهيان، فاستبشرت أبوظبي خيراً بعد اختياره من أعيان بني ياس، وكان له من العمر وقت ذاك ٢٠ عاماً، ورغم صغر سنه إلا انه كان يتمتع بالذكاء والشجاعة وحسن التصرف في التعامل مع الآخرين، مما أكسبه شعبية كبيره بين رعاياه، كما استطاع كسب الصداقة وحسن الجوار مع حكام الإمارات والدول المجاورة من خلال علاقاته الطيبة ومعاملاته الحسنة.

زايد الأول في سطور

ولد الشيخ زايد بن خليفة عام ١٨٣٧م، ولم يعش الشيخ زايد في كنف والده الشيخ خليفة الذي حكم من ١٨٣٣ إلى ١٨٤٥، وعرف عنه حبه للأدب والشعر، وقد تولت والدة الشيخ زايد تربيته وهي من عائلة «بو الهول» من أثرياء أبوظبي، وهي من قبيلة السودان، وهو فرع من بني ياس، وقد انتشروا على ساحل الإمارات واشتهروا بصيد اللؤلؤ والتجارة فيه وصيد الأسماك، كما تكفل بتربيته أخواله إلى أن أكمل سن العاشرة، وأخذه خاله صالح بو الهول مع أخيه ذياب إلى الشيخ مكتوم بن بطي في دبي عام ١٨٤٧ لتلقي الرعاية والتربية المعروفة بالقوة والفروسية وعدم الخوف.

 وفي ظل هذه الظروف نشأ زايد الأول على هذه المبادئ وتوفي الشيخ مكتوم بن بطي عام ١٨٥٢، وتولى تربية زايد وأخيه، الشيخ سعيد بن بطي إلى أن حكم زايد أبوظبي عام ١٨٥٥م.

وكان زايد الأول مولعاً بحب الخيل، وكان فارساً وأصبح مقداماً ويحب الرماية وركوب الخيل، وقد أهداه الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الأول حاكم البحرين، خيلاً اسمها (الشويمان) وأيضاً أهداه شريف مكة خيلاً من خيوله صورها الرحالة الألماني بوك هارت، ونشرها في كتابه عام ١٩٠٤.

ويملك الشيخ زايد الأول سيفاً مشهوراً يطلق عليه (الغمامة)، وتزوج زايد الأول خمس مرات ورزق بثمانية أولاد وهم سعيد وهزاع وحمدان وسلطان وخليفة وطحنون وصقر ومحمد، ورزق ببنت اسمها شما، ومن ضمن زوجاته الشيخة حصة بنت مكتوم آل مكتوم، وهي جدة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

وفي عهده اهتم زايد الأول بالتعليم وفي أواخر حكمه افتتح المحسن خلف العتيبة أول مدرسة في أبوظبي، واهتم أيضاً بالقضاء وعين سلطان بن مجرن الكندي المري وأخاه أحمد بن مجرن الكندي المري قاضياً للمحكمة، واهتم بتجارة اللؤلؤ وخصص جزيرة دلما سوقاً لتجارتها وتوفي عام ١٩٠٩م.

جهود في استتباب الأمن

بدأ زايد الأول حكمه بتوطيد الإدارة الداخلية وتنظيم السلطة في إمارة أبوظبي وتوزيع المراكز الإدارية في مختلف مناطق الإمارة، وبعد أن استقرت الأوضاع الداخلية بدأ يتطلع إلى إقامة علاقات أقوى مع جيرانه، وكانت هذه العلاقات مع أهم جيرانه، ألا وهي السلطنة العمانية وحاكمها البوسعيدي، وكانت أول زيارة خارجية يقوم بها زايد الأول إلى مسقط عندما توفي سلطانها سعيد بن سلطان آل بوسعيدي.

تجددت المشاكل وتوقدت الأجواء في بداية عام ١٨٩٤ بسبب هجرة قبيلة المرر التي دخلت عامها الثالث رغم المحاولات التي بذلها المقيم البريطاني الجديد المقدم (آن آي ولسون) فقد بعث مساعده (جاكسن) لإجراء الصلح، لكن كل محاولاته باءت بالفشل، ولم تنجح جهوده في الوساطة والصلح بين الطرفين، لكن عندما تدخل زايد وبذل جهوده لمساعدة (جاكسن) عندها أثمرت جهوده وتم وضع حل نهائي لمشكلة المرر.

من جهة أخرى قرر زايد الأول معالجة الوضع بدعوة شيوخ وحكام الإمارات العربية، وقد تحقق له ذلك عندما اجتمع حكام الإمارات في دبي في سبتمبر ١٩٠٥ برئاسته، وتوصلوا إلى قرار بهدم جميع التحصينات التي أقامها بني قتب في وادي (حتا) ولم يكن زايد متحالفاً مع الشارقة فقط، بل كان يقيم وزناً لصداقته مع القواسم لتحقيق طموحه في توحيد الإمارات العربية وعدم إتاحة الفرصة لأي تدخل بريطاني في شؤون الإمارات الداخلية، واستعمل زايد الحكمة والروية في معالجة المشاكل، إذ إنه كان بعيد النظر ليس في توحيد الإمارات العربية وحسب وإنما في تقوية الصفوف، وشهدت نهاية القرن التاسع عشر ذروة قوة زايد ونفوذه في المنطقة لتوحيد الإمارات وبسط نفوذه في المناطق الشمالية من عمان عن طريق التحالف.

الموقف البريطاني

وقفت بريطانيا تجاه طموح زايد نحو توحيد الإمارات العربية، فمنعته من تحقيق طموحاته في الساحل، بينما تجاهلت رؤيته في الداخل، لأنها كانت تخشى أن تُجر في حروب مكشوفة في العمق، وليس في مقدورها الدخول في مناطق صحراوية في تلك الفترة، وكانت بريطانيا تتبع سياسة التجزئة والتفتيت وخلق كيانات صغيرة صحراوية.

هذا ما أكده (كيرزون) في سياسته تجاه الإمارات عندما زارها وألقى خطابه أمام حكام الإمارات عام ١٩٠٣م وكان المقيم البريطاني (كوكس) الذي زار الإمارات عامي ١٩٠٢م و١٩٠٤م كشف للمرة الأولى للمسؤولين البريطانيين مدى تعاظم نفوذ زايد الأول في الإمارات الشمالية وفي الداخل، وهو ما لم يكن يتوقعونه، وفي النهاية توصل كوكس بعد دراسته لأحوال الإمارات خلال تلك الزيارات إلى رأي واضح، وهو إذا لم توقف بريطانيا امتداد نشاط زايد فإن نفوذه قد يصبح المتفوق، وقد يؤدي ذلك إلى وحدة الإمارات تحت زعامته، وإذا لم يُحد نفوذ زايد في الإمارات فإن الموقف يبقى محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للمصالح البريطانية.

نشأة زايد بن سلطان آل نهيان

بعدما عرفنا عن زايد الأول وتوجهاته الوحدوية وكيفية بسط النفوذ للمصالح المشتركة بين القبائل، وبعد سنوات عدة على وفاته، ظهر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ولاح في الأفق مع بداية القرن العشرين الذي جاء بالخير وإثر زواج الشيخ زايد الأول بالشيخة مريم بنت محمد بن سيف بن زايد الفلاحي التي أنجبت سلطان بن زايد بن خليفة وتزوج بالشيخة سلامة بنت بطي بن خادم بن نهيمان القبيسي، وهي من سليلة أسرة القبيسات المتفرعة من بني ياس وأنجب منها شخبوط وهزاع وخالد وزايد وتوفي في ٤ أغسطس عام ١٩٢٦.

ولد الشيخ زايد بن سلطان عام ١٩١٨، وتربى الشيخ زايد الثاني في العين عند أخواله وكانوا يأخذونه إلى المجالس ليتعلم من الرجال ويشتد عوده على هذه المبادئ الأصيلة، ومن أبرز هواياته التي برزت في الصغر حب الذهاب إلى جبل حفيت، يصعده ويراقب الحيوانات من الحبارة والصقور ويرعاها في أعشاشها..

سيتضح هذا في ما بعد من اهتمامه الكبير في المحميات الطبيعية، وكان يحب الأشجار ويهتم بشجرة الغاف والنخلة، ويسعى إلى تنظيف النخلة وخلبها، ثم بدأ يفكر في تنظيف الأفلاج بالعين، ساعده في ذلك أهالي العين، وذلك أبرز ما نجح فيه في تلك الفترة، فبدأ الناس يتوافدون عليه طلباً لحل مشكلاتهم إلى أن يصل إلى الحلول المناسبة، وقد عين حاكماً لمدينة العين عام ١٩٤٦، لكن الإمارات لم تغب عن بال زايد، فقد كانت القبائل تتوافد على قصره في العين الذي يبدأ باستقبالهم بعد صلاة العصر ويجلس معهم قرب القصر تحت شجرة الغاف التي وصفها الرحالة مبارك بن لندن المعروف بـ «ولفرد ثسجر» الذي قابل زايد عامي ١٩٤٥ و١٩٥٢ تحت هذه الشجرة المعمرة، وهذا دليل آخر على حب زايد للطبيعة.

اهتمام زايد بالصحة والتعليم

سافر زايد إلى أكثر من بلد عربي وأجنبي كي يشاهد المدارس والمستشفيات، ويبدأ في تطبيقها في مدينة العين، فبدأ في إنشاء المستشفى الكندي الذي سمي «الواحة» في ما بعد، وبدأ نشاط المدرسة النهيانية، وكان زايد حريصاً على إرسال مجموعات من الطلبة إلى الخارج من أجل الدراسة وكسب الخبرة، حتى يعودوا لخدمة الوطن.

 

f_alsari@hotmail.com

زايد والوحدة والعروبة.. فكر يتجاوز النظريات

حكم زايد أبوظبي في ٦ أغسطس ١٩٦٦، وذلك الحكم طالت أصداؤه ليس أبوظبي فقط بل الإمارات عامة، وخلال سفرات زايد إلى الدول العربية والخليجية، بانت اهتماماته في الوحدة العربية وأبرز اهتماماته ظهرت مع الشعب المصري إثر العدوان الإسرائيلي عام ١٩٦٧، إذ بعث بشيك إلى الزعيم جمال عبدالناصر الذي لم يكن يعرف من هو زايد لكن في ظل هذا الموقف بدأ الناس يعرفون أن زايد الثاني قادم بفكر وحدوي ليس بالسلاح ولكن بالطلب والنصيحة، وبأن الوحدة لا مفر منها فبدأ يتجول بين الدول الخليجية في أواخر الستينات إلى أن اجتمع مع المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكان يرافقهما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عند عرقوب السديرة في فبراير ١٩٦٨، الواقع بين أبوظبي ودبي، فكانت تلك الخطوة بداية انطلاق الاتحاد، وقد استمرت الاجتماعات بين حكام الإمارات وقطر والبحرين عامين، إلى أن توصل حكام الإمارات إلى أنهم لابد أن يتحدوا، فكانت دولة الإمارات العربية المتحدة التي قامت في الثاني من ديسمبر١٩٧١م.

في فترة بدايات الاتحاد التي كانت لا تخلو من الصعوبات والتحديات لبقاء الاتحاد، احتاجت الإمارات إلى أبنائها الذين كانوا يتواجدون في الخارج، فلبوا الطلب ليعودوا ويتحدوا وينهضوا بالبلاد في ظل فكر قائد تسلح طوال حياته بالوحدة، وغرس هذا الحب في «عيال زايد» وفي أكتوبر ١٩٧٣ بان موقف من المواقف التي كان يتسلح بها زايد رحمه الله، فتوقف عن تصدير النفط وقال مقولته الشهيرة «النفط ليس بأغلى من الدم العربي».

وفي ظل نهضة الاتحاد لم تغب دول الخليج عن بال الشيخ زايد، فكان يتواصل مع حكام الخليج إلى أثمرت جهوده بتأسيس مجلس التعاون الخليجي الذي أبصر النور في ٢٥ مايو ١٩٨١م، وها نحن الآن نعيش بروح الاتحاد مع صاحب السمو الش يخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وإخوانهما أصحاب السمو حكام الإمارات وستستمر المسيرة إن شاء الله.

 

طموح مشروع

كان زايد الأول نصيراً للوحدة، وكان يطالب بحل النزاعات القبلية، ويحل المشكلات في ما بين تلك القبائل، وكان قد أسهم في دعوة القبائل للتصالح والتشاور في ما بينها من أجل عقد السلام والتروي وعدم الأخذ بالثأر في ما يحصل، وهو النهج الذي سار فيه زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، حتى تحققت الوحدة التي لطالما كانت طموحاً مشروعاً منذ القدم.

وكان زايد الكبير قد أحيط بعناية من بريطانيا وفرنسا فأصبح مقصداً لهم للتعارف ومقصداً لمعرفة زايد الأول عن قرب، وكانت المراسلات بين المقيم السياسي في بوشهر في إيران وفي البحرين ترسل إلى الهند، ومن الهند إلى بريطانيا التي كانت تود التعرف أكثر على هذا الشاب الذي لفت الأنظار باهتماماته الوحدوية.