المدثر هو المتغطي بثيابه، وكان الغطاء فوق ثيابه التي تلي الجسد، يستدفئ بها لينام، ويأخذ قسطاً من الراحة. ووفقاً لما جاء في سورة المدثر «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)»، إن هذا خطاب من الكريم إلى الحبيب «صلى الله عليه وسلم»، ناداه بالحالة التي كان عليها، وعبر عنه بالصفة المتصف بها، وهي الغطاء الذي تدثر به.

ولم يقل يا محمد ليستشعر من ربه، اللين والملاطفة، فجاء هذا الخطاب من باب الإيناس. وكان صلى الله عليه وسلم يستعمل مثل هذا الأسلوب مع بعض أصحابه، وفي يوم من الأيام، غضب علي رضي الله عنه من زوجته فاطمة الزهراء، فخرج فاضطجع على الأرض وقد تأثر بترابها، فقال له النبي: قم أبا تراب، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يتحبب إليه، وأن يتلطف به، وأن يؤنسه بهذه اللفظة.

سبب التسمية

إن سبب التسمية «المدثر»، جاءت لأن الوحي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في حالة تدثره بالثياب، أما سبب نزول هذه السورة في صحيح البخاري، وهو يتحدث عن فترة الوحي، يقول عليه الصلاة والسلام: «بينما أنا أمشي، إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي.

فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه أي فزعت ورعبت رعباً حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي (يعني خديجة رضي الله عنها)، فقلت دثروني، فدثروني، فأنزل الله تعالى «يا أيها المدثر قم فأنذر»، ثم بعد ذلك تتابع الوحي.

تضمنت هذه السورة بعض النقاط أبرزها: النداء العلوي، بانتداب النبي صلى الله عليه وسلم للدعوة لله سبحانه وتعالى وتبليغ الرسالة، وانتزاعه من النوم، والتدثر، والدفء إلى الجهاد والمشاق. إضافة إلى الاستعانة على الدعوة بأمور كثيرة، وتكبير الله، وتطهير القلب والنفس والعمل، فطهارة الثياب، كناية عنها، والطهارة ضرورية لتبليغ الدعوة وسط التيارات المختلفة والأهواء المتنازعة.

وعدم المنّ بما يقدمه من الجهد في سبيل الله تعالى، لأنه سيبذل الكثير وسيلقى الكثير من العناء، بل أمر أن يكون مستغرقاً بشعوره بالله سبحانه وتعالى وهو فضل من الله تعالى، وهو اختيار واصطفاء يستحق الشكر لله تعالى. والصبر على ما يواجهه صلى الله عليه وسلم من الناس من أنواع الأذى والسخرية والاستهزاء.

قصة الوليد

السورة تذكر مشهداً من مشاهد أحد المكذبين، وهو الوليد بن المغيرة، وخلاصة قصته، أنه كان زعيماً في قومه مر بالنبي عليه الصلاة والسلام وهو يصلي ويقرأ القرآن، فاستمع لقراءته وتأثّر بها بالغ التأثير، وانطلق الوليد إلى مجلس قومه قائلاً، لقد سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم كلاما ليس هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وما هو بشعر ولا بسحر، ولا بهذي من جنون، وما يشبه كلام البشر، والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة (أي حسن ورونق)، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، ثم انصرف إلى منزله.

بعد ذلك قالت قريش، ترك الوليد بن المغيرة دين أجداده، ودخل في دين محمد لتتبعنّه قريش كلها، فلما سمع أبو جهل بمقالة الوليد، قال أنا أكفيكم أمره، فجاء إلى أبي الوليد، فجلس عنده حزيناً، فسأله عن سبب حزنه، فقال أبو جهل: كيف لا أحزن وقد زينت كلام محمد، وتركت دينك لتصيب من فضل طعامه، فغضب الوليد وقال: كذبوا، فلم يقتنع أبو جهل بجوابه فقال له: إن أردت أن ترضينا، فقل في القرآن وفي محمد، قولاً غير الذي قلته، فقال الوليد: اجمعهم لي.

فلما جمعهم، سألهم عن محمد صلى الله عليه وسلم بأسئلة: هل هو مجنون؟ هل هو كاهن؟ هل هو شاعر؟ في كل مرة يقولون: لا، قالوا له: وما تقول أنت يا أبا الوليد، فقال: دعوني حتى أفكر، ففكر قليلاً، فقال: إن أقرب ما نقول فيه إنه ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الأب وابنه، وبين الرجل وأهله؟ وما هذا الذي يقوله إلا سحر تعلمه. فتوعدته السورة بأن مصيره يوم القيامة دخول سقر (سأصليه سقر) نتيجة تكذيبه.