الذاكرة الشعبية عماد نبع مهم من ينابيع التراث الثقافي، فهي بمثابة المصنع للتراث، تتم فيها صناعة أنماط جديدة من التراث وأدبياته، في الحياة العامة تتبع التقاليد بشكل دقيق ونمطي، لكن الخروج على التقاليد لا يدوّن إلا في ثنايا الذاكرة الشعبية.

في هذه الإطلالة سوف نستعرض وإياّكم بعض ما سجلته الذاكرة الشعبية، والذي يعتبره الكثير من الباحثين من هوامش التراث، فهم لا يعدونه في متن التراث إلا فيما ندر.

عنواننا هو شعبيات عبر محطات، في كل جانب سنتناول موضوعا مختلفا حول معطيات الذاكرة ومخزوننا منها، في هذه المساحة تتنوع الموضوعات، وتتوالى اسماء الشخصيات التي تستعرضها.

الملابس من المظاهر الرئيسة لأي مجتمع، ومن شكلها يُعرف المجتمع الذي ينتسب إليه الفرد.

تتسم الملابس في الخليج عامة والامارات خاصة بالاحتشام، لأن الإسلام يحض على ستر البدن، فيراعي الفرد هذا الأمر في الأماكن العامة ودور العبادة، كما يلتزم بتغطية الرأس وستر الجسم ولبس النعال في رجليه لمنعها من ملامسة الأرض ومنعا للنجاسات.

زهد وتقشف

لقد لبس الرجل الكندورة الواسعة بغية عدم إبراز تفاصيل الجسم وسترا لجزء مهم منه، وقد غطى رجليه منعا لعلوق الأوساخ والنجاسات، كما لبس العباءة أو البشت. وإن كان الجانب الديني مؤثراً في شكل الأزياء من دون استثناء نساء كن أو رجالاً؛ إلا أن المناخ فرض على الناس سلوكاً معيناً ونمطاً خاصاً في الملابس منذ القِدم، بدءاً من اختيار نوعية القماش إلى الألوان إلى التصميم أو التفصيل، فقد كان الانسان الاماراتي مجبراً على التكيف مع الجو الحار وليس مع الجو البارد.

ونظرا لتنوع واختلاف المناطق في الامارات بين صحراء وريف وساحل؛ فإن هذا التقسيم كان عاملاً في شكل ونوع الأزياء الرجالية إلا أن لفصل الصيف أهمية كبيرة لسكان الامارات عامة، وهو العامل الأكبر الذي حدد نوعية الملابس.

إضافة إلى نزعة الاماراتي في اختيار وارتداء الثياب الناتج عن الزهد الذي حثت عليه تعاليم الإسلام، لكنه لم يغفل دعوة الاسلام إلى التزين وبشكل معتدل في المناسبات السعيدة، لهذا نرى المواطن الاماراتي يتزين باعتدال في المناسبات الدينية مثل الأعياد والموالد والأعراس، وأساس هذا التزين لبس الجديد أو النظيف، وليس تنقيش أو تطريز الملابس.

التهادي والعطية

كما يكثر التهادي بالملابس بين مواطني الامارات، وذلك تنفيذا لقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا) فكثرت الهدايا بين المواطنين بمناسبة ومن دون مناسبة، وكان للملبس شأن كبير وهي عادة معروفة منذ عهد العباسيين المسماة (الخلع) وقد نفذها حكام وشيوخ بينهم وبين رعاياهم فكسبوا الحب والاحترام وأسموها (عطية).

وبما أن فصل الصيف له أهمية كبيرة وبالغة لسكان الإمارات، فهو الذي حدد نوعية الملابس، إذ إن الشتاء معتدل البرودة في معظم أيامه، ولا تنخفض درجة الحرارة أكثر من 10 درجات مئوية إلا نادراً، ويمكن القول إن السنة تنقسم إلى فصلين رئيسيين.. صيفاً وشتاءً، وإن الصيف أطول من الشتاء، ويصعب تمييز الربيع والخريف إذ يعتبر الربيع بداية الصيف، والخريف نهاية الصيف، لذلك توجب على سكان الامارات الاهتمام بالملابس الصيفية أكثر من الشتوية.

حيث اعتمدوا على الملابس المتوسطة السماكة من حيث القماش واختاروا الألوان البيضاء أو القريبة من البيضاء والفاتحة بالذات، والتفصيل الفضفاض، وقد لبسوا هذه الملابس في الصيف وتستمر عادة في الشتاء إلا أن بعض المواطنين يستبدل الملابس الصيفية بالصوفية في الشتاء لفترة قصيرة جداً لا تتعدى شهرين أو ثلاثة، وبشكل متقطع، اعتباراً من ديسمبر ويناير وفبراير حيث يلبسون الدشداشة الصوفية، أما في الماضي فلا يستبدلون دشداشة القطن في الشتاء بل يضعون عليها الجاكيت وكان يسمى (كوت) أو يضعون البشت.

الزكرتيه

وقد ظهرت فئة من الشباب المتأنق في ملابسه وسُمّوا بـ (الزكرتيه) كما تأثر أهل الإمارات والخليجيون بـ(لغة) الملابس وفن التطريز في الملبس الهندي، فأخذ الإماراتيون من الهند (الفانيلة) والتي سميت محلياً (زنجفرة)، كما استخدموا نوعية القماش المسمى (المَلْمَل) أي الفوال، و(اللاس) أي الحرير الرقيق، وكان الرجل إما يستخدمه إيزارا (وزار)، أو يضعه على كتفه، أو يرتديه بدلا من غترة أو عصابة الرأس، ولا تكتمل أناقة الرجل إلا بتخضيب اليدين والرجلين بالحناء، وحمل العصا ولكن المحناة. كما استخدم الرجال الـ (وزار) في طريقة لفه بـ(عقدة) على الخصر تحت الدشداشة أو الكندورة، وارتدى في قدمه (الجوتي) و(الجبلي) وهو نوع من النعل.

وتميز بعض سكان الإمارات بلبس العقال والبعض الآخر بلبس العصابة، وذلك من تأثير بعض الانتماءات الحلفية والقبلية، بعدما كان الملبس واحداً يتميز بالذات بلبس العمامة والعصابة والدشداشة العربية، ويمكن إيعاز ذلك التأثير بالزي في عمان، ولاحقا تأثر سكان الساحل بالعقال الذي كان سائداً في مراكز الدعوة الوهابية وقاموا بلبس الشطفة ثم العقال الأبيض، وأيضا الدشداشة ذات الياقة المدورة والنعال النجدي. ويمكن القول إن الزي اختلف تبعا للانتماء السياسي، كما أن المذهب الديني أثر في توحيد الملابس.

رداء الرأس

العقال وأنواعه فمنه الأسود والخزام، والعقال الأبيض ومنه الشطفة، والغتر وأنواعها ومنها البيضاء الرقيقة والبيضاء المجوِّته، أي المنقوعة في (النيل) لإضفاء البريق اللامع المزرق على النسيج، والغترة المخورة وغترة أم قلم، والسادة، والغترة الخشنة والعراقية، والطيلسان ومنه المربع والمقوّر. والشال وأنواعه وطرق لبسه خاصة أنه من لبس الشتاء ولا يلبس معه عقال. والشماغ وهو مصنوع من القطن أو الكتان أو مخلوط ببعضها ويكون سميكاً، ويأتي بألوان مختلفة وأشهرها الأحمر بدرجاته والأسود. والمحرمة، وهي من الحرير.

والقحفية أو الطاقية ولها أنواع عديدة، وهي تصنع من القطن الأبيض وتوضع مباشرة على الرأس وتفضل أثناء الصلاة، وتعتبر من لباس الأطفال لتقيهم حرارة الشمس ولفحة الهواء. والعصابة والعمامة وهما من أقدم ألبسة الرأس عند العرب عامة.

مفاهيم الرجولة

 

إن العادات والتقاليد في الإمارات نابعة من الأصل العربي والدين الإسلامي وبالتالي فإن عادات مواطني الإمارات لا تخرج عن هذين الخطين، ومنها في الملبس؛ حيث نلاحظ أن التستر واجب، والبعد عن الإسراف والغلو أمر إلهي وجب تنفيذه.وقد روعي في ملابس الرجال العادات الأصيلة التي تعكس مفاهيم الرجولة في لبس القماش واللون وطريقة التفصيل، وهذه الملابس يجب أن تكون مناسبة في وقت السلم والحرب، ولا تعيق الحرب والنجدة والسرعة، وأيضا العمل.