يحفظ التاريخ بأحرف من ذهب النظرة الإنسانية لمؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث امتدت أيادي زايد الخير إلى كل بقاع العالم، إذ كان في مقدمة الملبّين لنداءات الواجب والضمير الإنساني. فلطالما اشتهر الشيخ زايد بحبه للخير ومساعدته للفقراء في أنحاء العالم كافة، فلم يكن تفكيره منحصراً داخل دولة الإمارات فحسب، بل امتدت إنجازاته وأعماله العظيمة خارج الدولة، ليصبح رمزاً عالمياً للخير والعطاء، كيف لا وهو الذي أنفق مليارات الدولارات لمحاربة الفقر في نحو 40دولة في أرجاء المعمورة كافة.

منذ الأزل، ارتبطت الإمارات، بمحيطها العربي ارتباطاً وثيقاً، إذ سجّلت منذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حضوراً قوياً ولافتاً، ما جعل منها منارة وحصناً وملاذاً لكل الأشقاء العرب، الذين ارتبطوا بها، تماماً كما يرتبط الطفل بأمه الرؤوم.

كرم عربي

بينما كانت الدماء الفلسطينية تسيل مدرارة، في 25 من سبتمبر 1996، خلال هبّة النفق، التي اندلعت رداً على فتح الاحتلال، نفقاً تحت أساسات المسجد الأقصى، وفيما كانت أعداد الشهداء والجرحى في تزايد، تنادى أهل فلسطين، لإقامة صرح طبي يرتقي إلى مستوى الشهيد والجريح الفلسطيني، وليظل عنواناً ورمزاً للوفاء والتضحية، لكل المناضلين، ورغم مسارعة أهل الخير لتقديم تبرعاتهم، إلا أن إمكانياتهم لم تكن كافية، فجاء الخير على يدي صاحب الكرم العربي الأصيل «زايد الخير» الذي جسّد رابطة ووحدة الدم العربي، فأنشأ مستشفى الشيخ زايد في رام الله، تخليداً لأرواح الشهداء.

ومن هنا، كان لهذه المبادرة الإنسانية السامية في معانيها، كبير الأثر في التخفيف من معاناة جرحى فلسطين، وتكبيدهم مشاق التنقل بين الدول العربية، لتلقي العلاج، فيما وجد المواطن الفلسطيني الملاذ الآمن لمداواة جراحه.

«البيان» زارت مستشفى الشيخ زايد في رام الله، والتقت كادره الإداري والطبي، وعدد من الجرحى والمرضى، الذين أبدوا فخرهم واعتزازهم بدوافع إنشاء هذا الصرح، النابعة من موقف عروبي أصيل.

مبادرة أصيلة

ووصف حامد البيتاوي، مدير مجمع فلسطين الطبي، هذا الجناح بأنه بمثابة القلب للإنسان، لافتاً إلى أن حجر أساسه وضع في اليوم التالي لاندلاع شرارة هبة النفق، بتوجيهات من الشيخ زايد وبهدف تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في معركته، مضيفاً: «لم يرق للشيخ زايد أن يقف مكتوف اليدين وهو يرى جرحى فلسطين يسبحون في دمائهم، ويتم تقديم العلاج لهم في خيام بدائية متنقلة، نصبت في ساحات مستشفى رام الله، وفي ذلك الوقت كانت الإسعافات تقدم للجرحى في ظل ظروف صعبة، علاوة على التزايد المستمر في أعداد الجرحى، حتى إن بعض العلميات الصعبة كانت تجرى داخل هذه الخيام، فما كان من الشيخ زايد، إلا النخوة المؤازرة للجراح الفلسطينية النازفة، فقدم الدعم اللازم لإنشاء المستشفى الذي حمل اسمه، التزاماً بواجبه القومي والعربي الأصيل، وتتويجاً للعلاقات التاريخية الأصيلة بين الشعبين الفلسطيني والإماراتي».

بدوره، يؤكد الدكتور سمير صليبا، رئيس قسم الطوارئ بمستشفى الشيخ زايد، أن إقامة هذا الصرح الطبي، نجحت في احتواء الأعداد الهائلة للجرحى الفلسطينيين، ولعبت دوراً محورياً في استقبال الجرحى القادمين من مختلف محافظات الضفة، خلال الاجتياح الإسرائيلي ضمن عمليات «السور الواقي» العام 2002، منوّهاً إلى أنه رقد في ساحاته 25 شهيداً جرى دفنهم في غمرة تلك الأحداث، بحيث لم تسمح الظروف بدفنهم في المقابر، وكان أن تكدست ثلاجات المستشفى بجثث الشهداء، غير أن «زايد» كان بلسماً شافياً لكل من يفد إليه من الجرحى، إذ كان يقدم لهم العلاج دون أي مقابل، وساهم بشكل فاعل، في التخفيف من معاناة الجرحى.

شهادات عرفان

ألقى الطفل الجريح عبد الرحمن نوفل، بآلامه التي أفضت إلى بتر إحدى ساقيه، خلف ظهره، وأبدى ارتياحه لتواجده في رام الله، وقال لـ«البيان»: «لولا مستشفى الشيخ زايد لكنت الآن في دولة أخرى، وبعيداً عن أهلي، شكراً لدولة الإمارات، ورحم الله الشيخ زايد».