رحل في ريعان شبابه، إذ لم يكمل ربيعه الثامن عشر، وقد فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها - شهيداً بإذن الله - أثناء تدريب عسكري خضع له المجند علي عبدالله أحمد الظنحاني من مواليد دبا الفجيرة في 17 سبتمبر 1989، الذي استشهد في أحد معسكرات القوات المسلحة بمدينة العين.. كان ذلك في صيف عام 2007..
حيث حرارة الشمس الحارقة وإرهاق التدريبات الشاقة التي كان يكابدها هذا الشاب اليافع بعزيمة الجندي الصامد حتى الرمق الأخير.
شكل خبر استشهاده للعائلة صدمة حزينة، فقد كان الشهيد «علي» الاصغر سنا بين اشقائه والاقرب إلى قلب والده عبدالله الظنحاني، الذي لم يتحمل ألم الفقد ليلحق بابنه الشهيد بفارق يوم واحد.
حلم العسكرية
ظروف صعبة كابدتها أسرة الظنحاني لفقدهم الأب والشقيق في يومين، بل كانت الاصعب على الأم التي فارقت صغيرها ورفيق دربها. رغم قناعتها الراسخة بأن ابنها الشهيد مات على ما يحب..
فالعسكرية كانت حلمه الكبير، الذي سعى إليه في وقت مبكر من حياته، حيث ترك مقاعد الدراسة في الصف الثالث الاعدادي ليحقق حلمه بان يكون مجندا للوطن، وحرص على خوض الدورات العسكرية الصعبة ليكلل حلمه برتبة أعلى.
شقيقة الشهيد الكــــبرى فاطمة عبدالله، أشارت إلى أن العسكرية تجري في دماء العائلة المكونة من اب وام و9 اشقاء، 5 منهم: هي وشقيقتها التي تصغرها و2 من أشقائها الذكور إلى جانب الشهيد «علي» يعملون في القوات المسلحة، ولم يثنهم استشهاد شقيقهم الاصغر خلال التدريبات العسكرية عن مواصلة العمل العسكري الذي وجدوا فيه ملاذهم.
كما كان لوقفة القوات المسلحة بعد استشهاد شقيقهم علي دور كبير وبارز في تعلقهم بالسلك العسكري ومواصلتهم العمل فيه، حيث لم تغفل عنهم القوات المسلحة، ولا عن احتياجات اسرتهم رغم مضي 9 سنوات من استشهاده.
حالة حرجة
وعن تفاصيل حادثة استشهاده قالت فاطمة عبدالله: لم نكن ندرك ما اصاب شقيقي الصغير علي خلال الدورة العسكرية التي كان منتسباً لها، حين تلقينا اتصالا من القوات المسلحة بضرورة مراجعة مستشفى مدينة العين كون شقيقي أدخل إليه في حالة حرجة لم يتم الإفصاح عنها في حينها، فخرجت من العمل وشقيقي الآخر للاطمئنان عليه..
حيث وجدناه فعلا في حالة حرجة، وحسب إفادة الاطباء كان يعاني من ضربة شمس قوية وهبوط حاد في ضغط الدم تسبب في نزيف داخلي أدى إلى استشهاده في ذات اليوم.
وحسب حديث زملائه في الدورة كان علي يعمل مقاوماً بعزيمة الجندي البطل لاجتياز تدريبات الدورة العسكرية رغبةً منه في التخرج منها بسرعة ونجاح، إلى ان سقط مغشياً عليه في ميدان التدريب..
ولم يكن يرغب في الاستسلام حتى اللحظة الاخيرة، فقد كانت آخر كلماته التي نطق بها وقت إسعافه «دعوني مع زملائي.. أريد أن أتخرج.. دعوني أخدم الوطن»، وقد اختاره الله ضمن شهداء الواجب بتاريخ 2 مايو 2007. بعد أن أمضى سنتين في انتسابه للقوات المسلحة.
الأب والابن
وتابعت شقيقته المقربة عائشة عبدالله: أخي كان يحب الجميع، وكان يحمل في داخله الخير ودائما كان متواجدا عند المريض والمحتاج تربى على قيم المساعدة وبر والديه، فلم يغفل ابدا عن العناية بهما كونه المتواجد معهما. فكان لا يتهاون ابدا في العناية بوالدتي خصوصا وقت الشدة والمرض.
كما كان مع والدي - رحمهما الله – الابن والصديق ورفيق الدرب، فشقيقي علي نشأ منذ صغره على ود والدي وكان قريبا جدا منه لخوفة الشديد عليه حيث كان والدي يعاني من مرض الكلى وضعف في عضلات القلب، حتى بات علي رفيقه إلى المزرعة وسنده الذي يواسيه في رحلاته المتكررة إلى المستشفى الذي كان يقضي فيه ساعات طويلة لغسيل الكلى..
بل كان الشهيد يحمل كتبه الدراسية إلى المستشفى وهو يجلس إلى جانب والدي، إلى أن نَمَت بينهما علاقة وطيدة توجت بحب عميق غمر قلب والدي الذي لم يستطع تحمل ألم فقد العزيز علي، فقبل أن يكمل أخذ العزاء في روحه، رافقه إلى دار الآخرة، ووضع صدره إلى جوار قبره سريعا.
السفر للعمرة
على حد وصـــف شقيقته فإن علي رجل في جسد شاب صغير، فقد كان رغم صغر سنه متحملا للمسؤولية ورجلا بمعنى الكلمة تجده دائما في مواقف الحاجة إليه، هادئ الطباع، عاقلا وبصيرا بالحياة، ولم يكن يغفل عن الصلاة في المسجد..
وجل سفره كان لأداء مناسك العمرة، صداقاته لم تكن للهو واللعب، هواياته كانت في ممارسة الرياضة خصوصا كرة القــدم وألعاب القوى التي برع فيها خلال سنوات دراسته وكرم فيها بشهادات تقدير خاصة، كما عشق المسرح والاعمال التطوعية الخاصة بتنظيم المهرجــانات الثقافية والمسرحية في مدينة دبا..
وكان من بين المنظمين لمهرجان الفجيرة للمونودراما الذي يجذب عددا كبيرا من الشخـــصيات المسرحية العالمية. وفي الإجازات الصيفية تجد علي ينشط في المساهمات المجــتمعية وتفعيل المسرح المدرسي، وكان مدركا جدا أهمية تغذية الروح، وظل مشاركا في نوادي تحفيظ القرآن خصوصا في أوقات فراغه.
وفي الخـــتام؛ أعرب أشقاء الشهيد علي الظنحاني عن فخرهم بأن نال شقيقهم الاصـــغر الشهادة في أداء واجبه الوطني، وأكدوا انهم جميعا رهن إشارة القيادة والشيـــوخ الكرام، الذين لم يتوانوا في دعمـــهم ودعم أسر شهداء الوطن، فهنيئا لأبناء الإمارات بقيادتهم.
فخر الوطن
بإيمان عميق ورضى بحسن الخاتمة؛ قالت فريدة والدة الشهيد: نحمد الله تعالى على المنزلة التي اختصه الله بها، فقد كان شغوفا بعمله في القوات المسلحة، ومخلصا في خدمة وطنه، إلى أن قدم روحه فداء له، ورغم أننا نفتقد بشاشة روحه الطيبة التي كانت تغزو البيت بمزاحه، إلا أنني مطمئنة عليه فقد كان باراً بي وبوالده الذي لحق به، وصالحا في أخلاقه وتعامله، أسال الله له نعيم الجنة.
وأقول لأمهات الشهداء إن أبناءكن مفخرة لهذا الوطن الغالي، ولا أنسى ابدا وقفة الشيوخ الكرام وقادة القوات المسلحة معنا من استشهاد علي وحتى اليوم، وتلمس احتياجاتنا حتى اللحظة، فأي وطن نحظى به نحن!