حصدت الحرب التي يشنها الحوثيون على العديد من المناطق اليمنية آلاف الضحايا، بينهم نساء وأطفال، فأطفال اليمن دفعوا فاتورة الحرب غالية، سواء أولئك الذين قضوا في قصف الحوثي للأحياء السكنية أو أولئك الذين جندتهم الجماعة المسلحة في حروبها ضد اليمنيين.

ودانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» منتصف مايو الماضي، تكثيف الحوثيين مساعيهم لتجنيد الأطفال خلال الأشهر الماضية، واصفةًهذا التصرف بأنه قد يكون بمثابة جرائم حرب.

وبحسب تقرير المنظمة الحقوقية، فإن أعمار الأطفال الذين يشاركون في القتال قد لا تتجاوز الـ 13 سنة. وتثبت الصور التي يلتقطها الصحافيون أو رجال المقاومة لقتلى أو أسرى حوثيين، وجود صبية بينهم من ذوي الأعمار بين 14 و16 عاماً.

هذا الموضوع لم يعد سراً، فإعلام الحوثيين يبث صوراً لأطفال يحملون البنادق في مناسبات تقيمها الجماعة، كما أنهم يتواجدون في نقاط التفتيش على مداخل المدن خصوصاً العاصمة صنعاء. ووفق العديد من الدراسات الاجتماعية فإن انخراط الأطفال في الحروب أو معايشتهم لها، يترك آثاراً نفسية بالغة، قد تصاحبهم طيلة المراحل العمرية المختلفة.

مبادرات شبابية

ظهرت العديد من المبادرات الشبابية في عدد من المحافظات اليمنية، التي تهدف إلى محو الأضرار النفسية للحرب لدى الأطفال، حيث نظمت عدد من الفعاليات برامج خاصة للأطفال في الضالع وعدن وهدفت إلى إخراج الأطفال من أجواء الحرب ومحو تأثيراتها السلبية عليهم.

كما نظمت مؤسسات حقوقية في عدن دورات تدريبية وتأهيلية للأسرى الأطفال، الذين قاتلوا ضمن مليشيات الحوثي وصالح، حيث تم إعطاؤهم دورات مكثفة من أجل إعادة دمجهم في الحياة، ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي.

الناشطة الحقوقية هند عمران قالت إن الحرب الأخيرة التي شنها الحوثيون على عدد من المحافظات اليمنية، تسببت في انتهاكات عديدة ولا سيما في المناطق التي اجتاحوها، وهو ما تسبب في ضرر نفسي كبير لدى الأطفال لأنهم فقدوا طفولتهم، وجردوا من شيء اسمه طفولة بسبب الحرب والنزوح والخوف والرعب الذي أصابهم.

وأضافت أن هذا سيؤثر عليهم طوال حياتهم إن لم يتم إعادة تأهيلهم وإخراجهم من أجواء الحرب وهذا دور منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع الحكومة اليمنية.

حالة طوارئ

ويرى رئيس منظمة سياج (غير حكومية) المهتمة بقضايا الأطفال، أحمد القرشي، أن البلاد تعيش مرحلة طوارئ، ولا يمكن التعويل في اللحظة الراهنة على دور للحكومة في ما يخص مشكلة الأطفال وما يعانونه جراء الحرب، لأنها في مرحلة تثبيت ما يمكن تثبيته وتوفير الحد الأدنى من المتطلبات الضرورية للمواطنين.

وأضاف القرشي في تصريح لـ«البيان» أن أطفال اليمن يعانون جروحاً نفسية هي أخطر بكثير من الجروح الجسدية، وتتفشى بينهم أمراض عديدة نتيجة الصدمات النفسية التي يتلقونها بسبب التفجيرات والحرب الدائرة منذ أشهر.

ويتابع: «هناك انتشار للألعاب التي تحاكي العنف كالأسلحة البلاستيكية والرشاشات، وهي مؤشرات تبعث على القلق، وتوحي بأن العنف بات مستساغاً لدى فئة الأطفال، ويجذبهم إليه»، مشيراً إلى أن «مشكلات كبيرة سيواجهها الأطفال مستقبلاً، مثل حالات الاضطراب النفسي والعصبي والسلوكي، وهي انعكاس للجروح النفسية التي تعرضوا لها أثناء الحرب، وبدورها تؤثر على عمليات التنمية والاقتصاد والأمن».

اضطرابات بعد الحروب

من جانبه، يرى رئيس شعبة القياس النفسي بمركز البحوث والتطوير التربوي باليمن، علي وهبان، أن الأطفال هم أكثر ضحايا الحروب، ويعانون من اضطرابات نفسية ما بعد الصدمة، منها السرحان، والتأتأة، وعدم القدرة على التفكير وفقدان الثقة في الآخرين، والتركيز على مجرد الحياة أو الموت، وتوقع الأسوأ.

ويقول وهبان في تصريح لـ«البيان»، إن مجرد تفكير الطفل بأنه سيفقد الحياة أو أحد أهله وأقاربه يسبب له تدميراً نفسياً في بنائه العقلي والنفسي، وصعوبة في إعادة التكيف مع محيطه ومجتمعه، لافتاً إلى ضرورة التدخل النفسي من أجل إعادة التأهيل.

وأضاف: «قد تسبب الحرب ما يسمى ذهان الطفولة الذي يؤدي إلى اختلال الأداء العقلي والنفسي والسلوكي، واهتزاز البناء النفسي لدى الطفل، ويجعله يرى أشياء ليست موجودة في الحقيقة».

ولفت وهبان إلى أن دور منظمات المجتمع المدني شبه معطل تماماً، ولا وجود لدور حكومي في هذا الصدد، مناشداً المنظمات الدولية والإنسانية بالتركيز على المساعدة في التخفيف من الكوارث النفسية والعقلية التي تخلفها الحرب، خصوصاً لدى الأطفال، لا أن ينحصر دورها على الإعانة المعيشية فقط.