هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أتوجه فيها إلى منزل شهيد، والمرة الأولى في حياتي التي احتضن فيها أبناء شهيد، فلم يسبق لي من قبل أن ذهبت معزياً في هكذا ظروف.

كنت متحمساً وأنا أتحدث عبر الهاتف إلى محمد عبد الله خال أبناء الشهيد سيف يوسف الفلاسي وأطلب منه السماح لنا بالزيارة وإعطاءنا العنوان. كنت متحفزاً لقصة صحافية من منزل هذا الشهيد العظيم، لكنني بمجرد أن وقفت أمام المنزل وترجلت من السيارة للسلام على أهل الشهيد حتى ارتعشت قدماي ولم أدر كيف أتصرف؟

في تلك اللحظات تبخرت حكاية القصة الصحافية وتراجع الحس الصحافي ليتقدم الحس الإنساني، فأنا داخل إلى منزل شهيد فأي حديث غير المواساة يمكنني أن أتشاطره مع أبناء شهيد.

لحظة رؤية أبناء الشهيد سيف كانت لحظة رهيبة فها أنا وللمرة الأولى في حياتي أحتضن أطفالاً فقدوا والدهم في معركة من معارك الدفاع عن الأهل والأشقاء، ليس هذا فحسب بل إن هؤلاء الناس الذين استشهد سيف وهو يدافع عنهم ليسوا سوى أهلي أنا في اليمن.

لا أدري كيف أصف لكم شعوري وأنا استمع إلى أطفال شهيد قضى نحبه مدافعاً عن أهلي أنا وفي بلدي أنا، يا الله ما أقساها من لحظات وما أصعبه من موقف؟!

بدأ أهل الشهيد سيف يحدثونني عن مآثره ومناقبه وعن صفاته وعن حبه لوطنه وتفانيه في أداء واجبه، وعن ما حكى لهم من قصص وهو في باخرته التي أقلته إلى حيث يلقى ربه، فأدركت حينها أن الشهادة هي أقل وسام يمكن أن تمنحه الحياة لهكذا رجل.

لقد أصبحت ديون الإمارات في أعناقنا كيمنيين كبيرة، ولا أظن أنه سيأتي اليوم الذي سيكون بإمكاننا أن نرد ولو جزء منها.

فمنذ نعومة أظافري وأنا أسمع وأعايش مكارم الإمارات، هذا البلد الذي كان همّ مؤسسه الراحل الشيخ زايد بثّ الحياة في أرضه، عبر ريّها بالماء وذلك بإعادة بناء سد مأرب، فيما هموم أبنائه اليوم بث الحياة في تلك الأرض لكن هذه المرة بريّها بدمائهم فأيّ كرم هذا وهل نستحقه؟!