في ظل التحديات المتزايدة التي يطرحها التغير المناخي، تبرز الضرورة الملحة لتطوير استراتيجيات فاعلة لتقليص الانبعاثات الكربونية وصون التوازن البيئي، وفي هذا الإطار أوضح أكاديميون وخبراء لـ«البيان» أن من ضمن الحلول المبتكرة والمؤثرة زراعةُ أشجار القرم للحد من الانبعاثات الكربونية التي تزيد تأثير التغيرات المناخية، كأحد الأساليب الطبيعية الرائدة لمواجهة تأثيرات التغير المناخي، كونها تتميز بقابليتها الفريدة لتخزين الكربون، مما يجعلها حليفاً قوياً في مقاومة تحديات الاحتباس الحراري.

موائل طبيعية

وفي هذا الإطار، قال الدكتور إبراهيم علي محمد، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة الإماراتية: «إن لأشجار القرم دوراً بيئياً مهماً لفعاليتها في خفض الانبعاثات الكربونية، وتوفير موائل طبيعية، كما تعزز تكاثر واستدامة التنوع البيولوجي البحري، وتخلق فرصاً للسياحة البيئية».وأكد على ضرورة دعم مشاريع زراعة أشجار القرم، التي تُعرف بفوائدها البيئية وقدرتها على التخفيف من آثار التغير المناخي على المستوى الدولي. وأضاف: «إن المحافظة على أشجار القرم وزراعتها يعزز التكيف الطبيعي مع آثار تغير المناخ، ويساعد في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.

ليس هذا فحسب، إذ إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قد اهتم بحماية البيئة، وكان أول من أطلق برامج تشجير واسعة لزراعة أشجار القرم على سواحل إمارة أبوظبي التي تحتضن اليوم 85 % من مساحة أشجار القرم في دولة الإمارات، وقد شهدت أبوظبي زيادة في مساحة أشجار القرم على مدى العقود الماضية بفضل برامج إعادة التأهيل وزراعة أشجار القرم».

توعية

من جانبه، أشار الإعلامي راشد الخرجي إلى ضرورة أن تأخذ الجهات المعنية على عاتقها توعية أفراد المجتمع الشباب وتشجيعهم على المساهمة في إحداث تأثير إيجابي في البيئة، من خلال إشراكهم في البرامج والأنشطة البيئية. إلى جانب تعريفهم أيضاً بالمبادرات البيئية، لاسيما وأن عام الاستدامة يستلهم من تراث دولة الإمارات لتحفيز تبني الممارسات المستدامة والعمل الجماعي.

مقترحاً في الوقت ذاته ضرورة دعم أبحاث القرم على النطاقَيْن المحلي والعالمي، ودعم ابتكارات الحفاظ على أشجار القرم، واستعادتها لحالتها الطبيعية بالتعاون المحلي والدولي.

وأضاف: «إن للأشجار الفريدة قدرة على عزل الكربون وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل فعال، ما يجعلها أداة أساسية في مكافحة تغير المناخ، كما أنها مصدر غني للغذاء للعديد من الكائنات وتوفر موائل حيوية للحياة البرية».

تعاون

بدوره، قال سلطان البادي، إعلامي وسفير العمل المناخي في كوب 28: «إن دولة الإمارات تؤدي دوراً أساسياً في تعزيز التعاون الدولي في قضايا المناخ، تماشياً مع أولوياتها الاستراتيجية لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون، وانطلاقاً من مساعيها لضمان مستقبل أفضل. حيث اتخذت الدولة تدابير جوهرية لحماية وتنمية الحياة الفطرية النباتية الخاصة بأشجار القرم، حيث كانت سباقة في إطلاق مبادرات لاستعادة وتشجير أشجار القرم على مستوى العالم. وتكمن أهمية أشجار القرم في أنها تسهم في حماية الخطوط الساحلية، وتعمل على تحسين جودة المياه، وتوفر أراضي حاضنة للأنواع البرية والمائية، كما تعمل على عزل وتخزين الكربون الجوي».

وقالت الدكتورة منار بني مفرج، أستاذ مساعد في علوم البيئة بكلية العلوم الطبيعية والصحية بجامعة زايد: إن أشجار القرم تلعب دوراً حاسماً في تخفيف الانبعاثات الكربونية، وقد ألقت العديد من الدراسات العلمية الضوء على هذا الدور. حيث تتميز هذه الأشجار بإمكانياتها في تخزين الكربون في كتلتها الحيوية فوق الأرض وأيضاً تحتها، فيما يعرف بـ«الكربون الأزرق».

وتابعت: «إن لأشجار القرم نظام جذور معقداً ومتطوراً يمكنها من التأقلم مع الظروف المائية المالحة، وهذا النظام لا يدعم فقط بقاء ونمو الشجرة في هذه البيئات القاسية، بل يلعب دوراً بارزاً في تخزين الكربون، حيث أظهرت الدراسات أن جذور أشجار القرم تعمل على تخزين كميات هائلة من الكربون، مساهمة بذلك في تقليل البصمة الكربونية بشكل ملموس».

وأوضحت أن الأوراق الكثيفة لأشجار القرم تعمل كمصائد فعالة لثاني أكسيد الكربون، وذلك من خلال عملية التمثيل الضوئي. كما تتميز هذه الأشجار بمعدلات عالية جداً في امتصاص وتخزين الكربون مقارنة بأنواع الأشجار الأخرى.

ولفتت إلى أن هذه العوامل تؤكد الأهمية العلمية والبيئية لأشجار القرم في التصدي لتحديات التغير المناخي، وتبرز ضرورة الاستثمار المستمر في زراعتها وحمايتها كجزء أساسي من الاستراتيجيات العالمية لخفض الانبعاثات الكربونية.

وأشارت إلى أن دولة الإمارات تعتبر من الدول الرائدة عالمياً في اعتماد الحلول المستدامة والطبيعة لمكافحة التغير المناخي، وذلك من خلال تطلعها المستمر والمتواصل نحو توسيع رقعة غابات القرم، حيث تلتزم الإمارات بزيادة عدد أشجار القرم إلى 100 مليون بحلول عام 2030. وأضافت: «إن هذا الالتزام يعكس تفاني الدولة في حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي على نطاق واسع، ويجسد دور الإمارات كنموذج يحتذى به في الاعتماد على الحلول الطبيعية للتصدي للتغير المناخي، حيث يعكس توسيع نطاق زراعة أشجار القرم، الرؤية البيئية المستدامة للدولة ويسهم في دعم الجهود العالمية للحفاظ على كوكب الأرض».

تكيف بيئي

أوضح الدكتور فارس هواري، عميد كلية العلوم والآداب في جامعة ولاية جورجيا في فورت فالي بأمريكا، أن أشجار القرم تنمو على طول السواحل الرملية أو الطينية، وهي مكيفة بشكل فريد للبقاء في بيئات ملحية ورطبة، وتتميز بجذورها الهوائية المنتشرة التي تساعد على التهوية ومقاومة العواصف، وتلعب دوراً بالغ الأهمية في حماية السواحل من التآكل والفيضانات، كما توفر موطناً للعديد من الكائنات البحرية.

وأضاف: «إن غابات القرم تعتبر من أكثر النظم الإيكولوجية كثافةً من حيث تخزين الكربون، ما يجعلها حاجزاً طبيعياً ضد تغير المناخ، ذلك لأنها تتميز بجذورها المتشابكة والكثيفة وقدرتها المذهلة على الازدهار في الظروف القاسية».

وأشار إلى أن هذه الأشجار تحتجز ما يقدر بنحو 2.5 مليون طن من الكربون سنوياً في دولة الإمارات وهو ما يعادل إخراج 500 ألف سيارة من الطرقات، وتتكون الكتلة الحيوية لهذه الغابات ما يصل إلى 50 % من الكربون المخزن بأمان في الأوراق واللحاء والجذور، كما تحتوي تربة القرم على كميات كربون تفوق أربعة أضعاف تلك الموجودة في الغابات العادية، ما يجعلها مصارف فعالة لاحتجاز الكربون.

وأوضح أن غابات القرم البحرية في دولة الإمارات تعمل على حماية المناطق الساحلية من ارتفاع منسوب سطح البحر والأحوال الجوية القاسية، إذ تتمكن جذورها المرنة من تشتيت ما يصل إلى 90 % من طاقة الأمواج، ما يجعلها حواجز طبيعية ضد الفيضانات وتآكل الشواطئ، وهي بذلك توفر حماية للبنية التحتية الساحلية التي تزيد قيمتها على 120 مليون دولار سنوياً.

وأشار إلى أن 20 % من غابات القرم البحرية في دولة الإمارات مهددة بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتلوث والتنمية الساحلية، الأمر الذي دفع دولة الإمارات للتعهد بمضاعفة مساحة غابات القرم البحرية بحلول عام 2030، مع مساعدة الطائرات بدون طيار في إعادة الغرس.