مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى مختلف تفاصيل الحياة اليومية، والمؤسسات والجهات التي يتعامل معها البشر بشكل مباشر، لم تعد المكتبات بمنأى عن تلك التغيرات التي فرضتها التقنيات الحديثة، بل باتت أغلب المكتبات العالمية تواكب هذه التطورات وتتسابق في استقطاب أفضل الممارسات للتحول من أماكن للقراءة والبحث، إلى مؤسسات للثقافة والمعرفة والفن والأدب تستقطب مختلف شرائح المجتمع، ومنها مكتبة محمد بن راشد في دبي، التي باتت منارة للعلم والتعلم والمعرفة واللقاءات الثقافية المهمة، ونموذجاً يحتذى في استخدام أحدث التقنيات.

وقالت الدكتورة هنادا طه، مديرة مركز زايد لبحوث وتطوير تعليم اللغة العربية في مكتب الأبحاث بجامعة زايد: «ما نحتاجه اليوم هو أن نتأكد أن الشباب والجيل الجديد يحبون القراءة ويكتشفون تلك الكنوز العربية ولنقل مثالاً بسيطاً مثل كتاب ألف ليلة وليلة نجد ربما قلة أو المعنيين فقط هم من قرأوه والأكاديميين، لدينا تراث رائع وأيضاً كتب حديثة، نحن نحتاج فقط إلى طرق لتشجيع الجيل الجديد على القراءة».

وأكدت أن الذكاء الاصطناعي بلا شك سيسهم في تعزيز القراءة لدى النشء والشباب ويمكن بسببه أن نخلق نسخاً أبسط وأسهل من النسخ الأم من تراثنا العربي لتناسب الأبناء ولغة اليوم ويتم تقديمها بشكلها اللافت والملائم لهذا العصر.

وأشارت إلى أن المكتبات خرجت عن إطار كونها مجرد مكان لاستعارة أو قراءة الكتب والبحث، بل باتت أيضاً نوادي ثقافية اجتماعية معنية بالموسيقى والأدب وهي تحتاج أن تفعل هذا لتجذب كافة شرائح المجتمع.

فعلى سبيل المثال اليوم في مكتبة محمد بن راشد تقام العديد من الفعاليات المهمة والمتنوعة من جلسات قراءة إلى الشعر أو النقاشات المتنوعة، والمعارض الفنية والأمسيات الشعرية وغيرها الكثير، حيث إن مكتبة الأطفال تحوي مكاناً خاصاً للعب وهذا أمر لطيف للغاية يدفع الأطفال لحب المكتبة والتعود عليها منذ طفولتهم، نحن بحاجة لتوسيع دور المكتبات.

وتختلف رؤى ونظريات العاملين في هذا المجال حول مستقبل المكتبات، حيث أكدت شارن ميمس، الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، أن الاتحاد أصدر استراتيجيته الجديدة قبل أقل من شهرين، بعد مشاورات واسعة مع أعضائه ومتطوعيه، ركزت تلك المشاورات على تقييم التجارب السابقة وتطلعات المستقبل فيما يخص المكتبات، ما أدى إلى إعداد وثيقة تعزز مكانة الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، وتعترف الوثيقة بأهمية الهيكل الدولي في تمكين التعلم وتبادل الخبرات، وتطوير البنى التحتية.

وأوضحت أن استراتيجية الاتحاد تتمركز في ثلاثة محاور رئيسة يعتقد أنها ستلعب دوراً حاسماً في تمكين المكتبات لتحقيق رؤيتها «مستقبل مستدام للجميع من خلال المعرفة والمعلومات».

وبينت ميمس أن المحور الأول هو الشراكة، حيث تعد عاملاً أساسياً لتعزيز دور المكتبات في تحقيق التغير الإيجابي، حيث تتيح الشراكات إمكانية تحقيق أثر أكبر والوصول إلى موارد وأدوات وتقنيات جديدة، والتفاعل مع جمهور أوسع.

وأشارت إلى أن المحور الثاني هو الاستدامة؛ التي تعني التفكير في المستقبل أثناء اتخاذ قرارات اليوم، وتتيح هذه الممارسة للمكتبات إمكانية التأكد من أن جهودها الحالية لا تعيق قدرتها على الأداء في المستقبل.

وأضافت: «حالياً يعمل الاتحاد على تعزيز مفهوم الاستدامة بين المكتبات». وذكرت ميمس أن المحور الثالث هو القيادة؛ ولا تقتصر القيادة على المناصب أو الألقاب، إذ يمكن لأي فرد أن يكون قائداً في أية مرحلة من مسيرته المهنية إذا كان مستعداً لتحسين الأداء لتحقيق الأهداف الحالية المستقبلية، فالقيادة ضرورية لتحقيق الشراكات والاستدامة.

إمكانات وأهمية

البروفيسور مارك كوالكيفيتش أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد الرقمي في كلية إدارة الأعمال بجامعة كوين لاند للتكنولوجيا، أكد أهمية استفادة المكتبات من قوة الذكاء الاصطناعي لتعزيز خدماتها وقدراتها، ومعرفة الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي في جمع وتنظيم الكم الهائل من المعلومات التي تحتويها المكتبات بشكل أكثر فاعلية لجعل المعرفة سهلة الوصول للجمهور من مختلف الأعمار.

البروفيسور محسن الموسوي أستاذ جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية قال: «من المؤكد أن الثورة الرقمية والتقنيات الحديثة ستؤثر في نسبة استخدام الورق، لكن هذا لا يعني فقدان استخدام الورق والكتب بشكلها الكلاسيكي المحبب لأجيال كثيرة من الماضي أو الحاضر.

وأضاف: «صحيح أن الشباب سيلجؤون للمنتجات الرقمية لسهولة التعامل معها، لكن المشكلة في التوجه الرقمي أنه يولد مسافة ما بين الإنسان والكتابة، فيما يحدث العكس مع الكتاب الورقي الذي يشد العلاقة ويمكّنها أكثر، ويمكن أن نسميها علاقة عاطفية خاصة يولّدها الكتاب».

وأكد أن الذكاء الاصطناعي لا بدّ له أن يسيطر على المكتبات لفترة طويلة ليحل بدل البشر والأيدي العاملة، لكن ينبغي أن نعي أنه من دون العامل البشري لا يمكن للحياة أن تحقق المتعة المراد منها وهو الحضور الدائم للإنسان، فبغياب الإنسان ما الذي يتبقى للبشرية؟.