يتشابك الطلبة بالأيدي أحياناً في ساحات المدارس وداخل الفصول لأسباب مرتبطة بعدم القدرة على التواصل بكفاءة أو إثبات الذات.
لكن هناك مشاجرات مدرسية تبدأ بريئة وتتطور لتقود أحد طرفيها إلى ساحات المحاكم. تربويون أكدوا ضرورة تنظيم محاضرات وندوات وأنشطة لتوظيف طاقة الأبناء في إطارها الإيجابي، مشيرين إلى دور الأسرة الحيوي في مواجهة هذه السلوكيات السلبية، فيما شدد أولياء أمور على أن دور المدرسة الإصلاحي والإرشادي كفيل بمواجهة الانحرافات السلوكية بين الطلبة، منوهين بأن الأسرة هي المسؤول الأول عن تقويم سلوكيات الأبناء.
قال مسؤولون في نيابة دبي: «إن غالبية الجرائم التي يرتكبها الأحداث هي «مشاجرات مدرسية»، والأسرة منوطة بها قبل المدرسة، وأن ثمة عدة عوامل مسؤولة عن الانحراف السلوكي الذي يقود الطلبة إلى ارتكاب مشاجرات تتحول إلى جرائم أبرزها المحتوى الضار للإنترنت وضعف الرقابة الأسرية، وأدوار تغفلها إدارات مدارس أبرزها الجانب التوعوي والإرشادي».
وأكد أحمد البستكي نائب المدير العام للعمليات المدرسية في مدارس الإمارات الوطنية، أن الأسباب التي تؤدي إلى مشاجرات الطلبة مبنية على العديد من العوامل المحيطة بالطلبة سواء في المدرسة أو المنزل أو البيئة الخارجية.
وأبرزها اتخاذ بعض الطلبة المشاجرات كأسلوب للتعبير عن نقص أو عدم مقدرة في التواصل بكفاءة مع زملائهم، أو إثبات الذات بطريقة سلبية، والمزح والتعليقات بطريقة ساخرة، والنزعة القبلية واستخدام ألفاظ غير أخلاقية، وعدم الاستقرار الأسري وغياب التوجيه من جانب الوالدين.
وقال: «إن المشاكل الأسرية داخل البيت من شأنها أن تترك آثاراً سلبية في نفوس الأبناء، الأمر الذي يجعلهم في حالة غضب دائم ويدفعهم لافتعال المشاكل، والاختلاف في وجهات النظر وفي طرق التربية والتنشئة الاجتماعية يؤدي أيضاً إلى المشاكل بين الطلبة.
كما أن غياب الروح الرياضية أثناء المنافسات يولد أحياناً مشاعر الغيرة، والتي بدورها تدفع الطلبة إلى التشاحن والتصادم، وكذلك الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي له دور كبير في التأثير السلبي على سلوك الطلبة».
حلول
وعن الحلول للسيطرة على المشاجرات المدرسية، أضاف: «هناك حلول وأساليب متنوعة تتبعها المدارس للحد من المشاجرات أبرزها تشكيل لجان ومجالس طلابية للاستماع إلى الطلاب والتحدث والتحاور معهم وليس التحدث إليهم بصيغة الأمر، وغرس القيم الإيجابية وأهمية العلاقات الاجتماعية الصحية.
والتعاون مع أولياء الأمور من أصحاب الخبرة في مجال المحاضرات وورش العمل في استخدام التكنولوجيا في صناعة أفلام قصيرة تبين مخاطر المشاجرات على الطالب نفسياً واجتماعياً وأكاديمياً.
وحث أولياء الأمور على الاهتمام بعملية التنشئة والتربية الأسرية، وترسيخ القيم والعادات الإيجابية وتدريب الأبناء على الاعتدال والوسطية في التعامل مع الآخرين، تعزيز السلوك الإيجابي وتكريمه من خلال إنشاء برنامج مكافآت تحفيزي للطلبة على سلوكهم الإيجابي، وتقليل ساعات التدريس ليتاح المجال أمام المعلمين ليتفرغوا لتقديم التوجيه والنصح للطلاب».
وأشارت شارون ديفيس مديرة مدرسة «إنترناشيونال كومينتي الفرع الأول» إلى أن المشاجرات المدرسية لها مسببات خاصة منها تشجيع ذوي الطلبة لأبنائهم بالدفاع عن أنفسهم وحماية اسم العائلة وهو ما يعرف اصطلاحاً بـ«خذ حقك بنفسك»، والتشاحن بين الطلبة على «الجروبات الخاصة» وينعكس ذلك في المدرسة.
بالإضافة إلى الطلبة المحبطين الذين ليس لديهم متنفس لكامل طاقتهم، وعدم تلبية الاحتياجات العاطفية لديهم.
وترى ديفيس حلولاً للحد من هذه المشاجرات وهي تشجيع أولياء الأمور على عدم المشاركة عبر الإنترنت لمناقشة قضايا الطلبة بشكل علني، والتذكير دائماً بقوانين التشهير أو الخروج عن الآداب والذوق العام، بالإضافة إلى تشجيع النقاش الهادف وغير الشخصي.
طلبة جدد
وقال سليم عبدالدايم مرشد أكاديمي بمدرسة الإمارات الخاصة: «إن المشاجرات تتواجد بين الطلبة أثناء فترات «البريك» والانصراف المدرسي».
لافتاً إلى أنها تبدأ بمواقف تتطور بين الطلبة حتى تصل للشجار، وأرجعها إلى عدة عوامل تتضمن استقبال المدرسة لطلبة جدد مع بداية العام الدراسي، مع وجود اختلاف طبيعي بين الطلبة، وأسباب أخرى ترجع إلى طبيعة الطالب نفسه، والذي يتصف بالعنف تجاه زملائه وهذه النوعية تحتاج إلى جلسات إرشادية من المدرسة بالإضافة إلى دعم الأسرة.
وأضاف: «إن دور المدرسة يكمن في توعية الطالب وولي أمره تجاه هذا السلوك السلبي، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة مدرسية لأنها تعزز العلاقات بين الطلبة، والتدخل السريع للمعلمين وإدارة المدرسة لإنهاء أي شجار في الحال، وتطبيق لائحة السلوك كحل أخير للحد من حدوث هذه المشاجرات».
ضعف النضج
من جانبه، أرجع الدكتور أنس محمد نوافلة أخصائي نفسي في جامعة العين، المشاجرات المدرسية بين الأحداث لضعف النضج الفكري، بالإضافة إلى غياب المعرفة بقواعد السلوك الطلابي، وضعف الإرشاد والتوجيه المدرسي والفعاليات والأنشطة اللاصفية، إلى جانب «الشللية» بين الأحداث التي ترفع من وتيرة العنف، بالإضافة إلى خلل في تربية الأبناء، سواء بالتدليل الزائد، أو معاملتهم بقسوة، لافتاً إلى التأثير السلبي للمشاكل الأسرية على الأبناء، وأيضاً تأثير المحتوى الضار «للسوشيال ميديا».
وأكد أولياء الأمور «علي الهاملي وعيسى المعيني وريم الحوسني»، أن الأسرة هي المسؤول الأول عن الحد من المشاكل المدرسية بين الطلبة، وذلك من خلال التخلي عن مفهوم «خذ حقك بنفسك»، مما يدفع الأبناء إلى العنف وتجنب الدور المحوري للمدرسة وهي المؤسسة التي يجب عليها أن تقوم بدور إصلاحي وإرشادي وحل أي مشكلة بين الطلبة في سياق أسرة المدرسة.
وقالوا: «يتحتم على الأسرة حل الخلافات الشخصية بعيداً عن الأولاد حتى لا يتشبعوا بالممارسات السلبية وتنعكس على سلوكهم، مع أهمية تعزيز قيم التسامح والتآخي وتذكير الأبناء دائماً بالاتجاه بالشكوى إلى إدارة المدرسة في حال نشوب خلاف ما مع بعض الزملاء.
كما أكدوا أهمية مراقبة محتوى «السوشيال ميديا» ومتابعة نشاط الأبناء بشكل عام على الإنترنت، حيث تعتبر الشبكة العنكبوتية من وجهة نظهرهم المتهم الأول في انحراف سلوك الأبناء».
246 مليون طفل يتعرضون للعنف حول العالم
وفق «الأمم المتحدة» فإن 246 مليون طفل حول العالم يتعرضون للعنف في المدارس أو محيطها، ويتعرض طالب أو طالبة من بين ثلاثة للتنمر والعنف الجسدي، على يد زملاء في المدرسة، ما يستدعي التدخل العاجل حرصاً على سلامة الطلاب في المدارس والمنصات الإلكترونية، وتعرض هؤلاء الطلبة لهذا العنف سيؤثر فيهم خلال حياتهم المستقبلية، ما يستدعي سياسات هادفة من جانب المدارس للقضاء على هذه الظاهرة.