الحوار مع معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة، له قيمة وطنية وتاريخية وأدبية، في الوقت نفسه، فهو أحد أهم الشخصيات الإماراتية التي جمعت بين العمل الدبلوماسي والاهتمام الإبداعي، ارتبط بعلاقة قريبة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وبعلاقة مماثلة مع المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، واصفاً تلك العلاقة بأنها انعكست على تكوينه الشخصي.

كان الدكتور العتيبة مرافقاً دائماً للشيخ زايد، فتعلم منه الكثير، خاصة لغة اللامستحيل التي وضع حروفها زايد حتى بنى وطناً تتغنى به الأجيال، فسخّر وقته وجهده لتحقيق رؤية زايد من خلال منصبه كأول وزير للنفط في الإمارات، فكان شاهداً على مفاصل مهمة في تأسيس الاتحاد، ومشاركاً في العملية التي تمت بقيادة زايد لاستعادة السيادة على الثروة النفطية التي كانت تتحكم بها الشركات الأجنبية وتسخير الثروة لمشروع نهضة الإمارات، لكن تلك المسؤوليات لم تعطل شغفه بالشعر والأدب، فبرع فيهما، بل أنه سخّرهما لخدمة الدبلوماسية الإماراتية عبر سلسلة من القصائد جمعها في ديوان «قصائد بترولية» وأثرى المكتبة العربية بأكثر من ثمانية وأربعين عملاً منها 33 ديواناً شعرياً، وله رواية بعنوان «كريمة».

في الحوار التالي يفيض وجدانه شعراً وعقله حكمة في إجاباته عن أسئلة «البيان» وهو يستذكر مسيرة خمسين عاماً، كان أحد شهودها وصانعيها.

 

1 في السيرة الشخصية تجتمع الأدوار والمضامين الأدبية والاقتصادية والسياسية، أي من هذه المضامين تحمل بصماتكم في العمل العام، وترى أنها الأقرب إلى نفسك؟ ولماذا؟

لا يوجد من وجهة نظري ما هو أقرب أو أبعد إلى وعن نفسي، درست الاقتصاد والعلوم السياسية، لأنني أحب هذا العلم، وكنت أرى أن بلادي بحاجة إليه، وقد أدركت منذ البداية أن القائد زايد، رحمة الله عليه، كان يريدني أن أدرس الاقتصاد لإدارة ثروتنا البترولية، وما إن حصلت على البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة بغداد في صيف 1969، حتى صدر مرسوم تعييني نائباً لرئيس دائرة بترول أبوظبي، في الثالث عشر من أغسطس 1969، ثم بعد ذلك وزيراً للبترول والثروة المعدنية حتى عام 1990، حيث قمت بمهمة المستشار الخاص لرئيس الدولة. والحمد لله، قمت بواجبي بحب وفهم ومسؤولية، وفي الوقت نفسه، كنت أمارس هواية الشعر والأدب، ولقد حصلت على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة القاهرة عام 1976، ودكتوراه في الآداب من جامعة محمد بن عبد الله في فاس سنة 2000.

ولا أعتقد أن التفكير العلمي والدراسة العلمية، تؤثر سلباً في التفكير الأدبي وممارسة فن الشعر أو الرواية أو النقد الأدبي، بل بالعكس، تؤثر إيجاباً، وخير دليل على ذلك، أنني كنت ألجأ إلى الشعر في عملي كوزير بترول، وكان الشعر يساعدني في تعزيز موقف دولة الإمارات العربية المتحدة في منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك)، حتى إنني جمعت تلك القصائد في ديوان «قصائد بترولية»، وما زلت حتى الآن أميل إلى الاقتصاد، وأعشق الشعر.

2 في مسيرتكم ومواقع الخدمة التي شغلتموها، كان لكم احتكاك مباشر مع الجهود التي انشغلت ببناء دولة الاتحاد، ومع البناة الأوائل من الآباء المؤسسين، بأي العبارات تستذكرون تلك الأيام؟

مع القائد زايد، لم تكن هناك حدود للعمل الذي نقوم به، فكنت معه دائماً، يكلفني بمهمات لا تقتصر على المجال البترولي، بل تشمل مختلف أوجه النشاط، ولذلك، وجدت نفسي مكلفاً بمهمات تتعلق بالاتحاد، وحضور المباحثات الرسمية، للتفاصيل المتعلقة بالشكل والمضمون، وقد انعكست علاقة الصداقة والأخوة بين القائدين زايد وراشد، عليّ شخصياً، فحزت ثقة المغفور له بإذنه تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ومحبته، ولو عدت إلى ديواني «شمس الخلود»، ستجد هذه الحقيقة ساطعة كالشمس، ففي القائد زايد قلت:

رجلٌ أَطلّ على بلاَدي فارساًفرأيتُ شَعْبي بِالمُنَى يتَفـاءَلُأَرْسَى دعائِمَ دَولَـةٍ عَـصريّـةٍفيها مِنَ المَجْدِ القَديمِ خَصائِلُوَبِحِكْمَةِ العُقَـلاءِ وَحَّـدَ شَمْلَنَـافالخَيْرُ مِنْ يَدِهِ الكَريمةِ شاملُ

أمّا القائد راشد فقد قلت فيه:

الرّشْـدُ نَعْتٌ لاسْمِهِ هُوَ راشِـدُ     قَـوْلاً وفِعْـلاً وَهُوَ إسمٌ فـاعِـلُ

مَعَ زايـدٍ أَرْسَى دَعَـائِـمَ دَوْلَـةٍ   الخَـيْـرُ فِيهَـا بَيْنَنَــا مُـتَـــداوَلُ

بِيَدَيْهِ عَمَّرَ في دُبَيَّ حَـضـارة   يَزْهُـو بِهَا شَعْبٌ مجـدٌ عامِـلُ

أَعْطَى الإمارات الحَبيبَة عُمْرَهُ   مَا كانَ مَعَ أَعْـدائِهَـا يَتَسَـاهَـلُ

3 شخصية المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، لها ذكرها، المليئة بالأدوار الكبيرة في إرساء أركان الدولة، فما تأثير الراحل في تكوينكم الشخصي، ودوركم العام؟

أبدأ الإجابة عن هذا السؤال شعراً، ففي القصيدة نفسها من ديوان «شمس الخلود»، أقول واصفاً علاقتي معه:

أدركـته وأنا أعـيش طفـولتـي   فغَـدَا الكَفيـلَ نَعَـمْ وِنَعـمَ الكـافِــلُ

وَخَطايَ في دربِ الحياةِ تَوازَنَتْ  لا مُسْــرِعٌ فِـيهَــا وَلاَ مُتَثَــاقِــلُ

فــإذا أصبت بعـثـرة شــاهَــدتــه  قبل الجَميعِ إلى الخَلاصِ يُعاجِلُ

كانتْ وَصاياهُ العَظيمة رُشْــدِي  إن حَلّ َخَطْبٌ أوْ تَـوَغَّـلَ غـائِــلُ

اصْبرْ وكافِحْ لا تُصادِقْ يائِساً    سَيَفُوزُ في الشَّوْطِ الأخِيـرِ الآمِــلُ

واجْعَـلْ شِعَـارَكَ لا حَـيـاةَ لِيَـائِسٍ   واصْعَـدْ إلى العَلْيَـاءِ إنَّـكَ واصِــلُ

هُوَ مُرْشِـدِي وَمُعَلِّمِي ومُخَلِّصِـي   مِنْ غَـائِلاتِ الدَّهْـرِ وهِيَ تُغـافِــلُ

وَسَأُخْبِرُ الأجْـيَــالَ عَـنْ أَفْضالِـهِ    لِيَكُــونَ لِي فِيمَـا أَقُــولُ فَـضـائِــلُ

كان رحمه الله، بمثابة الأب الروحي لي، ومنذ كنت طفلاً صغيراً، كان يهتم بي، فأحضر مجلسه، وألقي ما حفظته من شعر الشعراء، الذين كانوا يحضرون ذلك المجلس ويمدحونه بقصائدهم. ورغم انتقالي إلى قطر للدراسة، إلا أنني بقيت على علاقة معه، فأزوره في كل عطلة مدرسية، وأتزود بنصائحه وعطفه.

وعندما بدأت العمل تحت قيادته صيف 1969، تعلمت منه الكثير من الدروس، وأهم هذه الدروس متابعة العمل الذي أقوم به، وأكون مسؤولاً عنه بكل صبر، وبكل تأنٍّ حتى يتم. كنت أول من يحضر إلى مكتبي في الدائرة أو الوزارة، وآخر من يغادر. وبعد الدوام المكتبي، كنت ألتحق بالشيخ زايد في مجلسه، كما كنت أسافر معه في كل زيارة رسمية أو خاصة لبلد عربي، أو غير عربي. ومنه تعلمت الابتسام في وجه الصعاب، وعدم الاستسلام للفشـل، والتمسك بالأمل حتى النهاية.

4 صورة لافتة جمعتكم بالمغفور له بإذنه تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، مليئة بالابتسام وببشاشة الوجه، أي ذكرى في تلك الصورة؟

كثيرة هي الصور التي جمعتني بالمغفور له بإذنه تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكل صورة تحمل ذكرى طيبة، حيث كان اللقاء معه، لقاء مع طيبة القلب، وتواضع العلماء. ولعلّ الذكرى التي تحملها تلك الصورة، هي ذكرى يوم جئت إليه قائلاً: هل تسمح لو قيل لك إن في مدينة دبي بترول، هل تسمح بالحفر في المدينة وتخريب البناء؟ يومها قال لي ضاحكاً، لو قيل لي إنّ هناك بترولاً في قصري، لتركت القصر قائلاً: احفروا واكتشفوا النفط.

5 شاعر وسياسي ورجل دولة، واقتصادي حمل واحداً من أهم الملفات، فكيف تفاضلون في مسيرتكم؟ وكيف؟

كنا في زمن البدايات، وفي ذلك الزمن، كانت الملفات التي نحملها تحتاج إلى مسؤول متعدد جوانب المعرفة، فملف البترول الذي سلمني إياه القائد زايد، لا يحتاج إلى خبير اقتصادي، بل كان يحتاج إلى خبير اقتصادي وسياسي، يدرك برنامج الدولة الوليدة، والغاية التي تسعى القيادة للوصول إليها، لذلك، فقد كنت مضطراً أن أكون خبيراً اقتصادياً، قادراً على المساهمة في بناء اقتصاد قوي، لا يعتمد على البترول فقط، بل يستغل وجود هذه الثروة في صناعة دعائم أخرى للاقتصاد، وكنا في ذلك الزمن، نعاني من تحكم الشركات الأجنبية بثروتنا البترولية، فهي التي تقرر حجم الإنتاج، وهي التي تحدد أسعار البترول المنخفضة، ولذلك، اتجهنا إلى العمل على تحرير ثروتنا النفطية، وتعديل اتفاقيات البترول المجحفة، والتحقنا بمنظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك)، وعملنا مع الدول الأعضاء على تقنين الإنتاج ورفع الأسعار، من دون أن نتخلف عن تلبية نداء الموهبة التي منحها الله لنا، وهي الشعر، فكنت أنظم الشعر لنفسي، وأسخّره لخدمة نشاطي الاقتصادي والسياسي، ولم يكن يسمح الواقع الذي أعيش فيه، بالمفاضلة بين مانع الشاعر، أو مانع الاقتصادي، أو مانع السياسي، الذي ينفذ مهمات القائد السياسية، والتي كانت بعيدة عن الاقتصاد، وداخلة في السياسة، حتى تصل إلى تمثيل الرئيس في مواقفه السياسية.

المفاضلة لم تخطر على بالي أبداً، بل لا أبالغ إذا قلت: كان الملف الذي كلفت بحمله، يفرض عليّ أن أكون متعدد جوانب المعرفة والصفات. وقد يفسر ذلك، الهجمة الكبيرة التي تعرضت لها قبل غزو العراق للكويت عام 1990، حيث اتهمت شخصياً بأنني كنت السبب بانهيار أسعار البترول، بسبب سياسة تجاوز الحصة المقررة لإنتاج أبوظبي، كان الهجوم عليّ سياسياً، وكان ردّي على هذا الهجوم شعرياً، ولو عدت إلى ديواني «قصائد بترولية»، لوجدت ذلك واضحاً.

6 ما اللحظة الأقرب في العلاقة مع تأسيس دولة الاتحاد؟ وما الدور الأكثر ثباتاً في الذاكرة بهذا الشأن؟ مقام الشعر أم منصة السياسة والأدوار العامة؟

عندما بدأت العمل تحت قيادة الشيخ زايد في إدارة الثروة البترولية في أبوظبي، وجدت نفسي أقوم بتنفيذ مهمات لا علاقة لها بالبترول أحياناً. ولعل أهم هذه المهمات التي عملت فيها مع القائد، مهمة تحقيق الاتحاد، الذي أراد فيه الشيخ زايد أن يجمع فيه شعب الإمارات، ويؤسس دولة قوية، سخّر لها ثروة النفط، التي كانت إمارة أبوظبي هي المنتج الرئيس له، والتي يزيد حجم إنتاجها على 90 % من إنتاج الإمارات مجتمعة.

ولقد قمت بالمشاركة في كثير من الاجتماعات التي مهدت لقيام دولة الإمارات عام 1971. وأستطيع أن أسجل هنا، أن أهم مرحلة من مراحل قيام دولة الإمارات، كانت في 18 فبراير 1968، حيث اجتمع الشيخ زايد والشيخ راشد، طيب الله ثراهما، في السميح، وأسفر الاجتماع عن إعلان قيام الاتحاد بين الإمارتين، ودعوة الإمارات الأخرى، بما في ذلك قطر والبحرين، إلى الانضمام لهذا الاتحاد. وفي الفترة من 21 إلى 25 أكتوبر 1969، انعقد مؤتمر حكام الإمارات، وكان وفد أبوظبي، برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيّان، وعضوية كل من:

1-  الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان

 2 - الشيخ محمد بن خالد آل نهيان

3 - أحمد بن حامد

4 - أحمد خليفة السويدي

5 - خلف أحمد العتيبة

6 - مانع سعيد العتيبة

7 - محمد حبروش السويدي

8 - عبد الله الطائي

9 - خادم بن بطي

10 - أحمد المسعود

11 - عدنان الباجهجي

أما وفد دبي، فكان برئاسة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وعضوية كل من:

1 - الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم

2 - مهدي التاجر

3 - حمد بن فطيم

4 - عدي البيطار

وفي هذا المؤتمر، تم انتخاب الشيخ زايد رئيساً للمؤتمر وللاتحاد، والشيخ راشد نائباً للرئيس لمدة سنتين، ولكن هذا المؤتمر، انتهى ببيان أنه ما زال في حالة انعقاد، وأنه سيجتمع الحكام مرة أخرى قريباً. وفي الثاني من ديسمبر 1971، بعد الإعلان الرسمي عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، كلفني الشيخ زايد، بمهمة الاتصال بالقيادة العراقية، لشرح أهمية هذه الخطوة الاتحادية، وكسب دعمها وتأييدها. وفي تلك المرحلة، كانت منصة الخطاب السياسي هي الأقرب لي، وهي الأكثر حاجة لظروف البناء الاستثنائية، إلى جانب القائد المؤسس.

7 نحتفل باليوبيل الخمسين للدولة هذا العام، وهذا تتويج لمسيرة طويلة، ما طول المسافة بين الآمال وحسن المآل؟ وما أصعب اللحظات في هذه الدرب؟

الحديث عن خمسين سنة مرّت، أمر سهل، يستطيع أي كاتب عاش السنوات الخمس الأخيرة من هذه الخمسين، أن يتحدث بإفاضة، مستخدماً الأرقام التي تضج بها مئات الكتب والمراجع عن هذه السنوات الخمسين، ولكن من عاش هذه السنوات مثلي، سنة بعد سنة، بل يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، سيجد صعوبة في الحديث عنها.

من أين يبدأ؟ وما المواقف التي تعرض لها؟ وما الأهداف التي وضعتها قيادتنا الرشيدة؟ وكيف سرنا على طريق تحقيق هذه الأهداف؟

هذا سؤال يحتاج إلى بحث مستفيض، إلى كتاب مذكرات، ولكن، وحتى لا أبتعد عن الإجابة الكافية والوافية، فإنني سأختار بعض أبيات من شعري، ففيها الإجابة الجلية عن هذا السؤال.

في قصيدة وجهتها إلى المغفور له بإذنه تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في عيد جلوسه، يوم السادس من أغسطس 1999، قلت:

أشرقت شمساً في إماراتِ العُلَى   فاسْتَبْشَرَ الشَّعْبُ الوَفيُّ بـزايــدِ

في كُـلِّ شِبْـرٍ من إمـاراتِي أَرَى  أفعالَكُمْ والفِعْـلُ أَعْظَـمُ شـاهِــــدِ

فَزِراعَــةٌ وصِنـاعَـةٌ وَتِـجـــارةٌ  هُوَ ذَا اقْتِصادُ المُسْتَنِيرِ الرّاشِـدِ

أمّا الزّراعـةُ فالمِيــاهُ تَـفَجَّــرتْ  مِنْ أَرْضِنَـا بمُتـابَعـاتِ الرّائِـــدِ

مَنْ كانَ يَحسبُ أنّ رَمْـلَ بِلادِنَا  سيَكُــونُ نَبْـعَ مَـنـافِــعٍ وَفَـوائِــدِ

أمّا الصّناعَةُ أنتَ مَنْ أَرْسَى لَهَا  أَقْوَى القَواعِـد فاسْتَوتْ كالمَارِدِ

أمّا التّجــارةُ فهِيَ مِهْنَــةُ أَهْـلِنَـا  واسأل قريشَ عنِ الأمِينِ ونَاشِدِ

عَرَفَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى أَفْضالَهُ  وَسَعَى لَها جَـدِّي وَكـافَـحَ والِـدِي

هَذِي إمارات العُروبَةِ أَصْبَحَتْ  وَطنــاً لهُ شَـــأنٌ لِشَعْـبٍ واحِــــدِ

وَحَّـدْتَهَـا وَرَفَعْـتَ رايَةَ مَجْـدِهَا  بِمَحَبَّـةٍ رُغْـمَ الحَـسُــودِ الحَـاقِـــدِ

كانت البداية صعبة، وسنواتها قاسية، ولكن اهتمام القائد بالإنسان، وتركيزه على تسليح شباب الإمارات بالعلم والمعرفة، جعلنا نتقدم بخطوات ثابتة وقوية، في مجال تحقيق الأهداف.

مررنا بصعوبات كثيرة، وخاصة عندما كانت ثروتنا البترولية، تحت حكم الشركات الأجنبية، التي لم يكن يهمها إلا تحقيق أرباحها، على حساب شعب الإمارات.

كانت الأهداف التي وضعتها قيادتنا الرشيدة كبيرة، إلى درجة فاقت آمالنا وأحلامنا، ولكننا بدأنا مع مرور الأيام، ندرك أنه لا شيء مستحيل.

الصعوبات كانت كثيرة، ولكننا تجاوزناها بالتلاحم الحقيقي بين الشعب والقيادة، لم يكن لدينا إلا رأي واحد، وموقف موحّد، وبحكمة القيادة، وقوة التلاحم بين الشعب وقيادته، تم تذليل جميع صعوبات مسيرة النهضة، التي نشهدها في الإمارات الآن.

8 بخبرتكم الطويلة، كيف ترون موقع الثروات الوطنية اليوم من الاقتصاد الوطني؟ وما حجم دورها السياسي الدولي؟

عندما تسألني عن الثروات الوطنية، تتوقع مني أن أحدثك عن الثروة البترولية، ولكن ليست هذه الثروة هي أهم وأكبر ثرواتنا في دولة الإمارات العربية، أهم وأكبر ثروة لدينا، هو الإنسان، المواطن الذي أعطته القيادة الرشيدة كل اهتمامها، فثروة البترول مؤقتة وناضبة، ولكن ثروة الإنسان متجددة ولا تنضب، وهذا ما جعلنا نركز على تسليح شبابنا بالعلم والتكنولوجيا، ليتمكنوا من إدارة ثرواتنا الوطنية العديدة، وليصنعوا بعلمهم وجدهم مصادر جديدة للدخل، ودعائم أو أعمدة قوية غير النفط لاقتصاد الإمارات العربية المتحدة.

ولو عدت إلى دواوين شعري، ستجد أن القصائد قامت بمهمة تسجيل تاريخية لهذا المفهوم، ففي قصيدة «اقتصاد بلادي»، التي نظمتها في مارس 1999، قلت:

ما غَــرّ قـائـدَنــا تَـدَفّقُ نَفْطِنَـا  وأَصَرَّ أنْ يَبْقَى على استِعْـــدادِ

ما زالَ في سَمْعِ الخُلُودِ نِداؤُهُ:  يا شعبُ انْهَضْ فالجِـهـادُ يُنادِي

هَيَّـا نُعَـبِّـدْ لاقْتِصــــادِ بِـلادِنَـا  طُرُقاً تُخَـلِّصُــهُ مِنْ اسْتِعْـبَــــادِ

فإذَا تَعَــدَّدَتِ المَصادِرُ عِنْدَنَـا  للدَّخْـلِ كَانَ الخَيْـرُ في التّعــدادِ

أمّا بَـقـاءُ النَّفْطِ فينَـا مَصْــدَراً  مُتَفَـــرِّداً فَشَـرِيعَـــةُ اسْتِبْــــدادِ

حَـيـاكَ ربِّي قــائِـدِي وَمُعَـلِّمِي  مَا قُلتَ إلاّ مَـا يقُـــولُ فُـــؤادِي

سَلَّحْتَنَـا بالعِلْـمِ فهُـوَ نَصِيـرُنَـا   والعِـلْـمُ للإنسـانِ خَيْـر عِـمـــادِ

عندما بدأنا المسيرة، كان اقتصاد الإمارات يقوم على عمود اقتصادي واحد، وهو النفط، وكان يمثل نسبة تصل إلى 99 % من دخل الإمارات، رغم أن إنتاجنا في بداية الاتحاد، لم يكن يتعدى 600 ألف برميل يومياً. وكان سعر البرميل لا يزيد على دولارين، يصلنا منه سبعون سنتاً.

اليوم، يصل إنتاجنا إلى حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل يومياً، وسعر البرميل يتجاوز السبعين دولاراً، ومع ذلك، فإن نسبة الدخل من الثروة البترولية، لا تتجاوز الثلاثين في المئة، والباقي من مصادر جديدة للدخل، متجددة ومتعددة، يشرف عليها ويديرها بكفاءة، مواطنو دولة الإمارات الشباب.

9 في خمسين عاماً من عمر الدولة، وبنتيجة الخبرة الكبيرة في الخدمة العامة، ما أهم خمس محطات في تاريخ الدولة والاقتصاد الوطني، حسب تقديركم؟

هذا سؤال كبير، والإجابة عنه تحتاج إلى استعراض تاريخنا السياسي والاقتصادي، أو ما يمكن أن نقول عنه سياسة الاقتصاد. ولكنني من موقع الخبرة، ولكوني رافقت القائد الذي وضع لنا بفكره المنفتح قواعد العمل الاقتصادي، فيمكنني أن أذكر أهم خمس محطات مررنا بها:

المحطة الأولى: محطة إنهاء تحكم شركات البترول العاملة في الدولة بالإنتاج والأسعار، واستطعنا بالفعل، ومن خلال مسلسل من مقاومة استبداد الشركات وتحكمها بثروتنا، أن نفرض زيادة في سعر البترول، ضاعفت العائدات التي كانت الأساس الذي قام عليه اقتصادنا، وكانت أول زيادة تحققت عام 1970، في اتفاقية دول الأوبك مع شركات البترول في طهران.

المحطة الثانية: إقامة شركة بترول أبوظبي، لتكون اليد الحكومية التي تنفذ سياسة الدولة في إدارة الثروة الوطنية، وترأست أول مجلس إدارة لهذه الشركة.

المحطة الثالثة: الوصول إلى مرحلة المشاركة الثانية مع شركات البترول الرئيسة العاملة في البلاد، وتطبيقها عام 1974، وفي هذه المشاركة، ارتفعت نسبة حكومة أبوظبي من 25 % إلى 60 %. وكانت اتفاقية المشاركة الأولى، قد وقعت في 20 ديسمبر 1972، أما الثانية، فوقعت في الثاني من ديسمبر 1974، ولكن تطبق بأثر رجعي، من الأول من يناير 1974. وهذه الاتفاقية، أنهت إلى الأبد تحكم الشركات بإدارة ثروتنا البترولية، وأصبحت الإدارة كلها مناطة بشركة بترول أبوظبي الوطنية.

المحطة الرابعة: إنقاذ ثروتنا من الغاز المصاحب للنفط الخام، المنتج من الحقول البرية والبحرية في أبوظبي، وكان ذلك في الرابع من أكتوبر 1977.

المحطة الخامسة: بدء استثماراتنا غير النفطية، وهي أهم مرحلة ينتهي فيها الاعتماد الكلي على عائدات النفط، ويتم استخدام هذه العائدات في صنع مصادر جديدة للدخل غير البترول، وهذه المرحلة، بدأت منذ إنشاء جهاز أبوظبي للاستثمار، والذي تأسس عام 1976.

هذه المحطات الخمس، ليست وحدها المحطات التي وصل إليها اقتصادنا، ولكن من وجهة نظري، هي أهم هذه المحطات.

وما كنا لنصل إلى هذه المحطات، لولا اهتمام القيادة بأبناء وبنات الوطن، وتسليحهم بالعلم والمعرفة، ليقودوا بأنفسهم عجلة الاقتصاد، ويحققوا للوطن ما يصبو إليه من الرفعة والتقدم. ومنذ تسلم المغفور له بإذنه تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقاليد حكم أبوظبي في السادس من أغسطس 1966، تم إرسال شبابنا إلى الجامعات الأجنبية والعربية، فتلقوا العلم ، وانتقلوا للعمل القيادي بعد ذلك، وكان ذلك أهم ما تحقق للوطن في مجال الاستثمار الإنساني.

10 كتاب الكون مفتوح، وفيه صفحات بيضاء فارغة: لو أعطيت قلماً، هل ستكتب قصيدة؟ مشروعاً اقتصادياً، أم رؤية سياسية؟

سأخط رسالة إلى روح زايد، أقول فيها:

بِـدَمْعَـةِ حُـبٍّ أَخُـطُّ الرِّسَـالَـه   إِلَيْـكَ وقَـلْبِـي يُثِيــــرُ سُــؤالَــه

أَزايِـــدُ هَـلْ سَتَـعُـــودُ إلَيْنَــا   أَمَ انَّ لِأَمْرِ الرُّجُوعِ اسْتِحـالَـه

أَحَقّاً سَكَنْتَ الضَّريحَ فَغابَتْ   عَنِ القَـوْمِ بَسْمَةُ وَجْهِ الأَصالَه

أنَا لَمْ أَزَلْ بانْتِظـارِ الرُّجُوعِ   وَمَا ذاكَ بالمَـوْتِ مِنِّي جَهَـالَـه

وَلَكِـنْ لأَنِّـي أَراكَ أَمَـــامِي  عَلَى كُـلِّ دَرْبٍ وَفِي كُلِّ صَـالَـه

أَرَاكَ بِمَـا قَــدَّمَتْــهُ يَــــداكَ     إلى وَطَــنٍ قَـدْ عَشِقْتَ رِمَـالَـه

فأهْـتِـفُ: لاَ ما تَغَيَّبَ بَــدْرٌ     عنِ القَــوْمِ إلاّ أعَـــادَ هِــلالَـه

أقولُ: سَتَرْجِعُ لاَ شَكَّ عِـنْدِي    وعِـنْدِي لهـذا الرُّجُـوعِ دَلالَـه

لأنِّـي أراكَ بِـوَجْــــهِ الحَـبيـبِ   أبُو خـالـدٍ وهُوَ رَمْزُ البَـسَالَـه

وحِينَ إلى قَوْلِهِ الحَقِّ أُصْغِـي   أُحِسُّ بصَوْتِكَ يَسْرِي خِـلالَـه

عَـزيـزٌ عَـلَيَّ فِــراقُـكَ يَا مَـنْ   أَراهُ إذا مَا رَأَيْتُ عِـــيـــالَـــه

تَـمُـرُّ السِّـنيـنُ وفي كُـلِّ عـامٍ    تَكُونُ لِذِكْـرَى رَحِـيلِكَ هَــالَـه

وتَـنْسـابُ دَمْـعَـةُ حُبٍّ وشَوْقٍ     إلَيْكَ وفِيهَـا لِقَـلْبِـي مَـقَــالَــه

سَتَبْقَـى لأجْـيـالِنـا سِفْـرَ مَجْـدٍ     ولَيْسَ لأسْفــارِ مَجْــدٍ إزالَـه

فَيَا زايِـدَ الخَـيْـرِ يَدْعُـو فُؤادِي   لِتَسْكُنَ فِرْدَوْسَ رَبِّ الجَلالَه