52 عاماً مرت على الزيارة التاريخية لـ «كوكب الشرق»، أم كلثوم، إلى إمارة أبوظبي في عام 1971. تلك الزيارة التي شكلت حدثاً هاماً في توقيت استثنائي، شاركت فيه سيدة الفن العربي، الاحتفال بمناسبة عيد جلوس المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في الذكرى الخامسة لتسلمه مقاليد حكم إمارة أبوظبي.

ومن جانب آخر، جاءت هذه الزيارة، في تلك المناسبة الغالية، بموعدها في شهر أغسطس، سابقة بأشهر قليلة على تكلل جهود الراحل الكبير، بالتعاون مع أخيه المغفور له، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وإخوانهما حكام الإمارات، آنذاك، رحمهم الله جميعاً، بإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان ذلك من حسن الطالع، ومما يتفق مع توجهات الدولة الوليدة في العلاقات العربية والدولية ورعاية الفنون والثقافة.

وجددت دبي، باسم الإمارات، التي لا تنسى تكريم أهل الفن والإبداع، ذلك اللقاء التاريخي مع «كوكب الشرق»، هذه الأيام، مع القمة العالمية للحكومات. المنصة العالمية الأهم، التي تهدف إلى توجيه جهود القادة والمسؤولين عن إدارة العمل الحكومي نحو انتهاج سياسات تتوجه إلى المستقبل، فقد اختتمت فعاليات أجندة اليوم الأول من القمة بأمسية فنية طربية، صدحت خلالها حنجرة الفنانة ريهام عبد الحكيم، بأجمل ما غنت «كوكب الشرق»، بمشاركة عازفين من الإمارات وجمهورية مصر العربية الشقيقة.

أم كلثوم التي عرفها أهل الإمارات عبر أثير محطات الإذاعة، ومن خلال أفلام السينما، وحققت شعبية وشهرة في الدولة لا تقل عن شعبيتها في بلدها مصر، واستطاعت أن تصل قلب المستمع العربي وتخطف وجدانه، ما زالت تجد اليوم من يهتم بقراءة معنى دورها فنانة متفردة، ورمزاً إبداعياً، ونموذجاً وجدانياً، يحتل، ولا يزال، مساحة كبيرة من الوجدان العربي.

ومن هنا، جاءت مبادرة الأديب والمثقف معالي محمد المر، في تخليد تلك الزيارة، وتوثيقها في كتاب يحمل في آن الصورة النضرة الناصعة للعقل السياسي الذي خلق وأنشأ دولة الاتحاد، وتقدير أهل الإمارات للفن والمبدعين، جاء ذلك في كتاب مرهف، يحمل عنوان «أم كلثوم في أبوظبي»، يمثل الوفاء والتقدير العظيمين.

اتبع معاليه في تأليف الكتاب، أسلوب التوثيق الفوتوغرافي الفني المتبع في أوروبا وأمريكا، ذلك الأسلوب الذي ينقل القارئ إلى الأجواء، ويمكنه من استعادة المشاعر، وتلمس الأحاسيس التي أحاطت بموضوعه.

وفي لقاء خاص مع «البيان»، يطلعنا معالي محمد المر على تفاصيل أكثر عن تلك الزيارة التاريخية، وأبرز محطاتها. كما يستعرض المكانة الرمزية لذلك الحدث، والمشاعر الوطنية التي رافقته، تزامناً مع التوقيت بالغ الأهمية لشعب الإمارات.

للتفاصيل أكثر، ننقلكم إلى ما دار في الحوار:

 

عكس كتابك «أم كلثوم في أبوظبي»، إيمان قادة الإمارات، وعلى رأسهم القائد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بقيمة وأهمية الفن والإبداع في حياة الشعوب والمجتمعات، ودور ذلك في التحفيز على التمسك بالمجال والخير والإخلاص للوطن، والمشاركة الفاعلة في تنميته، وكذا في خدمة الإنسانية، كيف تصف تلك الزيارة، وقصتها في سياق هذه الحيثية والرؤى الإماراتية؟

الإمارات حكومة وشعباً، كانت، وما زالت، تقدر أهمية الفن والإبداع في حياة الشعوب والمجتمعات، وقبل أن تزور أم كلثوم الإمارات في عام 1971، كان شعب الإمارات قد تعرف إلى الإبداع العربي الموسيقي والغنائي، وخصوصاً الإبداع القادم من مصر عن طريق سماع الإذاعات المصرية، ومشاهدة الأفلام السينمائية التي عرضتها دور السينما في الإمارات، والتي كانت تعرض أفلاماً عربية غنائية شهيرة، كما وردت إلى أسواق الإمارات أجهزة الغرامافون، وأجهزة التسجيل وتشغيل الأسطوانات الموسيقية، التي حملت أغاني لرواد الغناء العربي، وعلى رأسهم أم كلثوم، كما تابع أبناء الإمارات أخبار أغاني أم كلثوم وإبداعاتها في الصحف والمجلات المصرية، التي كانت توزع في الإمارات، لذلك، فعندما حضرت أم كلثوم إلى أبوظبي عام 1971، كان المستمعون والمحبون لغنائها كثيرين، وكانت شعبيتها في الإمارات لا تقل عن شعبيتها في مصر وباقي الدول العربية.

 

كيف تقرأ مضامين وروح ولغة الدعوة التي وجهها القائد المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، إلى «كوكب الشرق» لزيارة أبوظبي، حيث برزت في كتابك بصورة لافتة؟

دعوة المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، حملت عواطف التقدير والاحترام، التي يكنها سموه وشعبه للشعب المصري، وإبداع الشعب المصري، وكذلك تقديره لجهود المرأة العربية في مجال الإبداع الفني، ممثلة في عبقرية أم كلثوم الغنائية، التي أسعدت العرب جميعاً، ورقت بأذواقهم، وطورت مستوى الأداء الغنائي العربي لأجيال قادمة.

 

يوضح كتاب «أم كلثوم في أبوظبي»، المكانة الرمزية الكبيرة للزيارة، التي أرادها المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإضافة إلى كونها أتت في مناسبة عيد الجلوس الخامس للقائد المؤسس حاكماً لإمارة أبوظبي، كانت أيضاً بمثابة احتفاء بولادة ونجاح تجربة وحدوية عربية مهمة، متفردة، وهي اتحاد دولة الإمارات.. كيف ترى قيمتها ودورها في الخصوص، وماذا عن الرؤية الثاقبة والمشاعر الوطنية المتميزة للشيخ زايد؟

المؤسس الرائد والوالد الكبير، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان حلمه لأبناء وطنه بكيان يجمعهم، ودولة تقودهم في مسارات التقدم والرقي، وحرص منذ بدايات تاريخ دولتنا المعاصرة، على أن تكون للإمارات بنية تحتية حديثة وشاملة في مجالات المواصلات والصناعة والزراعة والصحة والتعليم، وفي مجال الثقافة، شجع المؤسسات الثقافية، ورعى المواهب الأدبية والفنية، كما شجع كافة مشاريع الحفاظ على التراث الوطني في مختلف تجلياته الثقافية والفنية.



يمثل «أم كلثوم في أبوظبي»، الصادر عن الأرشيف الوطني في «عام زايد» 2018، توثيقاً وافياً ومعمقاً، لجوانب كثيرة من حياة كوكب الشرق، بجانب كونه إضاءات نوعية على قصة زيارة أم كلثوم إلى أبوظبي. ما العوامل التي دعتك لجمع الكتاب.. أية أهداف تكمن وراءه؟

هنالك العديد من الجوانب الهامة لتاريخنا الوطني، لم يهتم بها الباحثون، ولا شك أن توثيق الكثير من المحطات التاريخية الهامة في تاريخنا المعاصر، هو عمل هام من عدة نواحٍ، الناحية الأولى، حفظ هذا التراث والتاريخ لكيلا يضيع ويتشتت ويغيب، والناحية الثانية، ضرورة إحيائه للأجيال القادمة، لكي يعرفوا تاريخهم المجيد، ويعتزوا بصفحاته المشرقة.

 

هل يعكس الكتاب مدى تركيز قادة الإمارات على تعزيز مكانة ودور الفن كرأس حربة في مكون القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية لدولة الإمارات، لترسيخ الذائقة الجمالية المجتمعية، ونشر السلام والمحبة محلياً وعربياً وعالمياً؟

لا شك أن الإبداع الثقافي والفني، هو من أهم وسائل التواصل بين الشعوب والدبلوماسية الثقافية، هي التي تقدم المنجز الثقافي الإماراتي لأبناء الشعوب الشقيقة، ويكفي أن نذكر نموذجاً واحداً، وهو التجربة الإبداعية للفنان حسين الجسمي، الذي دخل بإبداعه الغنائي إلى قلوب الملايين من أبناء الشعوب العربية، فكان خير سفير للإمارات، وللغناء الإماراتي في كل مكان.

 

«أم كلثوم في أبوظبي» يحصد حالياً شعبية كبيرة، نجدها تتجدد وتتضاعف مع الأيام، إذ يقبل على اقتنائه أهم المراكز والجهات البحثية المتخصصة، في مصر والإمارات وجميع الدول. فما جوانب الإثراء والأهمية التي يضيفها الكتاب، برأيك، لسيرة حياة وحكايات أم كلثوم، والتي أُشبعت بالأساس بكثير بحث وتوصيف وتوثيق؟ ما الميزات التي ينفرد بها الكتاب عن سواه؟

مهما كتب عن التجربة الرائدة لأم كلثوم سيدة الغناء العربي، أقل مما تستحقه، فهي الهرم الرابع في الفن الغنائي المصري والعربي، وتحتاج لعشرات الكتب والأعمال لنقدمها للأجيال القادمة. أم كلثوم موهبة غنائية عملاقة، لم يأتِ في مستوى إبداعها أحد في الماضي، وأظن أنه لن يأتي أحد بمستوى إبداعها في المستقبل، فهي، رحمها الله، كانت ظاهرة فريدة ومميزة.

 

كان للصورة في متن الكتاب حضور مهم وواسع، يبدو متعمداً، هل تجد أن هذا الأمر أضاف الكثير من التشويق والزوايا التوثيقية الإضافية المهمة للكتاب؟

الصور الفوتوغرافية في كتاب «أم كلثوم في أبوظبي»، هي الأساس الذي قام عليه، فقد حرصنا أن تكون الصور المعبرة، هي التي تروي ذلك الحدث الفني والتاريخي الهام. وفي المكتبة الأوروبية والأمريكية، كتب التوثيق الفوتوغرافي الفني، تعتبر من أهم الكتب وأكثرها انتشاراً، نتمنى أن ينتشر هذا التقليد البحثي والفني في العالم العربي، لكي يخرج لنا الكثير من جواهر وكنوز تاريخنا العربي المعاصر.