«الأمن المائي أولوية وطنية».. مبدأ راسخ ومطلب متجدد في دولة الإمارات فرضه موقعها الجغرافي ومناخها الصحراوي، وعدم توافر مصادر دائمة أو بديلة للمياه العذبة، فضلاً عن تضاؤل معدل الهطول المطري الذي يصل في المتوسط إلى 100 مليمتر سنوياً ما يجعلها واحدة من أكثر الدول جفافاً وافتقاراً للمياه على مستوى العالم.
ولا شك في أن تحقيق الاستقرار في ملف الأمن المائي يتطلب جهداً عاماً على مستوى الجهات الرسمية المسؤولة والقاطنين في ربوع الوطن أجمع، كما يتطلب عملاً متواصلاً تحمل أمانته الأجيال، جيلاً بعد جيل.
«البيان»، وبالتزامن مع اليوم العالمي للمياه الذي يصادف 22 مارس من كل عام، تفتح هذا الملف وتستطلع آراء المختصين والمسؤولين والمعنيين بهذا الشأن، الذين طرحوا 18 تحدياً تقف أمام تحقيق الأمن المائي، وتسلّط الضوء على جهود الدولة والحلول المبتكرة في مواجهة هذه التحديات من خلال مبادرات رائدة لاستدامة هذا القطاع، تستفيد من التطورات التقنية الهائلة والتكامل بين الطاقة النظيفة وإنتاج المياه، ومراعاة الاستهلاك الرشيد للحفاظ على الموارد، وظهرت جليةً في استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036، والهادفة إلى ضمان استدامة واستمرار الوصول إلى المياه في الظروف الطبيعية وظروف الطوارئ القصوى.
إشكالية
قال محمد صالح، المدير العام لـ«الاتحاد للماء والكهرباء»: إن التحدي الأكبر في الإمارات لمواجهة إشكالية شح المياه، يتمثل بضرورة الحفاظ على وتيرة إنتاج المياه المحلاة وتوصيلها للسكان في الظروف والأوضاع كافة، كونها مورداً حيوياً لا يمكن الاستغناء عنه من جهة، ومن جهة أخرى عدم توافر مصادر دائمة أو بديلة للمياه العذبة في الدولة نتيجة موقعها الجغرافي ومناخها الصحراوي.
ولعل ذلك هو أحد أهم المُدخلات والمعطيات التي تم على أساسها إقرار الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي من قبل الحكومة الرشيدة كما تم الإعلان عنه سنة 2017، وهي الاستراتيجية التي تهدف إلى ضمان واستمرار الوصول إلى المياه في الظروف كافة، بما يواكب أعلى المواصفات العالمية المعتمدة في المجال، ويساهم في تحقيق رخاء وازدهار المجتمع واستدامة نمو الاقتصاد الوطني، ومن بين المستهدفات العليا للاستراتيجية خفض مؤشر ندرة المياه بمقدار 3 درجات.
وأضاف: تساهم «الاتحاد للماء والكهرباء» في مواجهة هذه التحديات، من خلال الدور الموكل إليها في إطار الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي، والمتمثل بإنشاء محطة تحلية المياه الجديدة بأم القيوين سعة 150 مليون جالون مياه يومياً، إذ ستكون المحطة الأضخم والأكبر من نوعها في المنطقة، والتي من المقرر أن تبدأ إنتاجها الفعلي في نهاية العام الجاري 2021، كما تساهم «الاتحاد للماء والكهرباء» في تحقيق الاستراتيجية المذكورة، من خلال عدد من مشروعات منتشرة في المناطق الشمالية في الإمارات، ستساهم في مجملها في رفع الطاقة التخزينية للمياه من 225 مليون جالون إلى نحو 500 مليون جالون بحلول عام 2023، هذا إلى جانب مشروعات تمديد الخطوط والجهود التقليدية المعتادة للحفاظ على جودة المياه المخزنة والموزعة حفاظاً على صحة وسلامة السكان.
مشروعات
وأوضح محمد صالح أن «الاتحاد للماء والكهرباء» توسعت في مشروعات إنشاء محطات التحلية ورفع القدرة الإنتاجية، وبالتالي تقليل الاعتماد على المياه الجوفية إلى الحد الأدنى كونها تمثل مخزوناً استراتيجياً احتياطياً من هذا المورد الحيوي، وتنفذ «الاتحاد للماء والكهرباء» أحدث التقنيات العالمية في تحلية المياه، بعضها تقنيات مبتكرة، أهّلتها للحصول على جوائز عالمية في هذا المجال، وتهدف تلك التقنيات في المجمل إلى تقليل استهلاك الطاقة الكهربائية المستخدمة في عملة إنتاج المياه إلى الحد الأدنى.
استهلاك
وأشار إلى أنه بحسب آخر دراسات أجريت ونشرت في هذا المجال، يبلغ متوسط استهلاك الفرد من المياه في الدولة ما يقارب 360 لتراً يومياً، وهو بلا شك من أعلى المعدلات العالمية المسجلة، إذ يتراوح المتوسط العالمي من 150 إلى 300 لتر يومياً بحسب الموقع الجغرافي للدولة محل القياس وممارسات الاستهلاك السائدة فيها.
وتابع: تنتج «الاتحاد للماء والكهرباء» نحو 63 مليون جالون يومياً من إجمالي محطات التحلية التابعة لها ويبلغ عددها 8 محطات، 6 منها بنظام التناضح العكسي، ومحطتان بنظام التبخير متعدد المراحل. ويبلغ إجمالي كمية المياه الموزعة من قبل «الاتحاد للماء والكهرباء» على سكان شمالي الإمارات 125 مليون جالون يومياً، نسبة المياه الجوفية منها لا تزيد على 3%. وأوضح محمد صالح أن السعة التركيبية للمياه الجوفية في المناطق التي تخدمها الاتحاد للماء والكهرباء تبلغ نحو 36 مليون جالون يومياً، تعد كميات احتياطية يتم الاحتفاظ بها مخزوناً استراتيجياً في الحالات الطارئة.
جهود
وأكد الدكتور عبدالله المندوس مدير المركز الوطني للأرصاد رئيس الاتحاد الآسيوي للأرصاد الجوية، أن جهود الإمارات كبيرة ومتواصلة لمواجهة شح المياه وضمان الأمن المائي محلياً وعالمياً، مبيناً أن برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، يشكل ركيزة أساسية لتحقيق الأمن المائي، إذ أسس الباحثون الحاصلون على منحة البرنامج أرضية جديدة ساهمت في تطوير منهجيات علمية وتكنولوجية مبتكرة يمكن تطبيقها في المناطق المعرضة لشح المياه حول العالم.
بحوث
وبين المندوس أن المركز الوطني للأرصاد يسعى من خلال برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، وعمليات تلقيح السحب التي ينفذها، إلى تأمين حلول عملية قائمة على أسس علمية مدروسة لتعزيز هطول الأمطار التي تعد رافداً رئيساً لمنظومة الأمن المائي، وأنه قد بدأ العمل المتطور وتطبيق الأبحاث والدراسات الحاصلة على منحة برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار، يأخذ مجراه مع إدخال حلول حسابية ومفاهيم جديدة تحسن فهم هطول الأمطار، فضلاً عن استخدام تقنيات نانو لتحسين عمليات التكثف داخل السحب، وتحليل عمليات تشكل البلورات الثلجية في السحب الركامية، وتعديل الخصائص الكهربائية للسحب، ودراسة دور الجسيمات الدقيقة في تحسين هطول الأمطار.
أرقام
وقال: بدأت مشروعات أخرى بالتعامل مع اختبار صنع تيارات عمودية لتكوين السحب الممطرة، وتلقيح السحب باستخدام طائرات من دون طيار بعد إجراء اختبارات السحب وتحديد المناسب منها لإجراء عمليات الاستمطار، واعتماد المناهج التجريبية الرقمية المتقدمة في الاستمطار، وإنه على مدار 3 دورات، حقق البرنامج الكثير من الإنجازات التي تمثلت بتلقيه ما مجموعه 370 اقتراحاً بحثياً من 70 دولة، وشهد مشاركة 1450 من الباحثين والخبراء والعلماء المنتسبين إلى 650 مؤسسة، وكان للعلماء الذين حصلوا على منحته مساهمات نوعية تجلت في نشر 41 مقالة في مجلات علمية محكّمة، و4 براءات اختراع، هذا إلى جانب مشاركتهم في أكثر من 71 مؤتمراً محلياً وعالمياً.
استدامة
وأضاف إن قطاع الأرصاد الجوية يضطلع بدور مهم في أحد مجالات الاستدامة الرئيسة وهو الاستدامة المائية، إذ تعد المياه من أساسيات ضمان الأمن الغذائي واستدامته.
تحديات المياه
1 - استنزاف المياه الجوفية
2 - عدم توافر مصادر دائمة أو بديلة للمياه العذبة
3 - زيادة معدل الاستهلاك المنزلي
4 - قلة وتيرة إنتاج المياه المحلاة
5 - قلة الهطول المطري عموماً
6 - تأثير متوقع لتداعيات التغير المناخي على وفرة المياه
7 - ارتفاع نسبة استهلاك الزراعة للمياه
8 - ارتفاع الطلب على المياه نتيجة النمو السكاني والاقتصادي
9 - انخفـاض كفـاءة الـري ومحدوديـة الاسـتفادة مـن الميـاه المعالجـة
10 - غياب ثقافة ترشيد تقليل هدر المياه
11 - تداخل المياه المالحة من خزانات العذبة
12 - نـدرة مـوارد الميـاه الطبيعية العذبة
13 - افتقار الدولة للمياه السطحية كالأنهار والبحيرات
14 - ارتفاع تكلفة عمليات تحلية المياه
15 - حفر الآبار غير المدروس وغير المقيد
16 - الخلل بين معدلات السحب الكبير وبين معدلات التغذية المحدودة
17 - ارتفــاع معــدلات الفاقـد ضمـن شـبكات توزيـع الميـاه
18 - ارتفاع البصمة الكربونية الناجمة عن محطـات تحليـة الميـاه
منظومة لمعالجة «الإجهاد المائي»
أوضحت وزارة التغير المناخي والبيئة أن تداعيات التغير المناخي تؤثر سلباً على كل القطاعات والمجالات والأنشطة الحياتية، وتعد وفرة الموارد المائية من الأشياء، التي ستتأثر بشكل كبير بهذا التغير، والمسألة هنا لا تقتصر على المناطق التي تعاني من قلة أو محدودية الموارد المائية فحسب، بل تطال المناطق الأخرى، التي تتمتع بمعدلات كبيرة من هذه الموارد.
وقال محمد الظنحاني مدير إدارة التنمية والصحة الزراعية في وزارة التغير المناخي والبيئة: إن الدولة عملت على معالجة الإجهاد والتأثر، اللذين يمكن أن تتعرض لهما الموارد المائية، عبر منظومة متكاملة من الإجراءات تشمل اعتماد استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036، وإطلاق العديد من المبادرات المجتمعية التعريفية، التي تستهدف رفع وعي المجتمع بالسلوكيات المستدامة في استهلاك المياه وتطوير شبكات تحلية ونقل المياه وتوزيعها، لضمان خفض معدلات الفاقد منها إلى أقل درجة ممكنة.
وأضاف الظنحاني: تعمل الوزارة ضمن استراتيجيتها لتحقيق الأمن الغذائي وحماية البيئة، والحفاظ على مواردها الطبيعية على تعزيز وزيادة تطبيق نظم الزراعة الحديثة، وتحفيز حركة الاستثمار وريادة الأعمال بهذا المجال، ما يسهم في تحقيق أهداف عدة، تشمل زيادة حجم الإنتاج الزراعي المحلي، ورفع كفاءته وجودة ما يزيد من ثقة المستهلكين به، بالإضافة إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية وبالأخص المياه، حيث تُخفض هذه النظم وبالأخص الزراعة المائية معدلات استهلاك المياه بنسب تتراوح بين 70 إلى 90 %، ما يسهم بدوره في تحقيق مستهدفات الدولة للأمن المائي.
ضرورة تكاتف المجتمع
أكد المهندس عماد سعد استشاري استدامة ومسؤولية مجتمعية أن أبرز المقترحات للتغلب على التحدي المائي في الإمارات، تكمن في أهمية تعزيز مفهوم الشراكة بالمسؤولية بين كافة فئات وشرائح المجتمع من أفراد ومؤسسات حكومية وشركات خاصة، والمجتمع المدني، فلا علاج لمشكلات المياه إلا بتكاتف المجتمع، موضحاً أن الإمارات تعد من أعلى 3 معدلات للاستهلاك بالعالم، في المياه والطاقة وإنتاج النفايات، وهذا يستدعي منا جميعاً تحسين السلوك الاستهلاكي لصالح الأجيال القادمة.
وقال إن التحديات المائية في الإمارات، تشمل نـدرة مـوارد الميـاه الطبيعية العذبة، واسـتنزاف الميــاه الجوفيــة، وارتفــاع الطلــب علــى الميــاه، فضلاً عن ارتفــاع معــدلات الفاقـد ضمـن شـبكات توزيـع الميـاه، وانخفـاض كفـاءة الـري ومحدوديـة الاسـتفادة مـن الميـاه المعالجـة، وارتفاع البصمة الكربونية الناجمة عن محطـات تحليـة الميـاه وعن معدل استهلاك الفرد، فيما تعـد عمليـة جمـع البيانـات وإعـداد التقاريـر، واحـدة من التحديات الأساسية، بالإضافة إلى عدم وجود إجراءات كافية تُلزم الأفراد والسكان لترشيد استهلاك المياه وتقليل الهدر، وضعف الشعور بالمسؤولية تجاه هذه السلعة الغالية في قدرها والرخيصة في ثمنها.
وذكر أنه إذا لم تحقق الجودة والاستدامة في الموارد المائية والصرف الصحي، فإن إحراز التقدم سيتعطل في العديد من المجالات الأخرى لأهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك الصحة والتعليم والحد من الفقر.
ندرة مياه
وتابع : تؤثر ندرة المياه على أكثر من 40 % من سكان العالم، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة، وهناك نحو 1,8 مليار شخص على مستوى العالم يستخدمون مصدر مياه الشرب ملوثاً بالنفايات البشرية. كما يفتقر نحو 2,4 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية، كما أن أكثر من 80 % من مياه الصرف الناتجة عن الأنشطة البشرية يجري تصريفها في الأنهار أو البحر من دون أي معالجة، مما يؤدي إلى التلوث.
وأردف: يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة للمنطقة العربية، فهي المنطقة الأكثر معاناة من انعدام الأمن المائي في العالم، حيث يوجد بها 14 بلداً من البلدان العشرين الأكثر معاناة من ندرة المياه في العالم، فيما لا يتجاوز نصيب الفرد من المياه المتجددة فيها 12 % فقط من الحصة المتوسط للمواطن عالمياً، وفي الوقت نفسه، تنبع أكثر من نصف مياه المنطقة من خارجها، وهو ما يجعل المنطقة العربية الأكثر اعتماداً على مصادر المياه الخارجية، كذلك فإن ازدياد انعدام الأمن المائي يسبب تصاعد الصراعات في بعض الدول.
وبين أنه يتطلب ضمان حصول الجميع على مياه الشرب المأمونة وبأسعار مقبولة بحلول عام 2030 زيادة الاستثمارات في البنية التحتية، وتوفير مرافق الصرف الصحي، وتشجيع النظافة الصحية على جميع المستويات، كذلك فإن حماية النظم الإيكولوجية المتصلة بالمياه في الغابات والجبال والأراضي الرطبة والأنهار واستعادتها أمر ضروري، إذا ما أردنا التخفيف من حدة ندرة المياه.
مصادر تعكر صفو المياه العذبة
قال البروفيسور زين العابدين رزق، أستاذ جيولوجيا المياه ونائب مدير جامعة العلوم والتقنية للشؤون الأكاديمية الوظيفية بالفجيرة، تُقدر كمية إعادة تغذية المياه الجوفية بالإمارات 120 مليون متر مكعب سنوياً، يتم ضخ 880 مليون متر مكعب سنوياً من مياه تلك الخزانات لخدمة القطاع الزراعي فقط، مبيناً أن هذا الوضع غير المتوازن أدى إلى هبوط حاد في مناسيب المياه الجوفية وتدهور شديد في نوعيتها بمعظم حقول الآبار المنتجة للمياه بالدولة، نتيجة تداخل المياه المالحة في الخزانات المائية العذبة من مصادر متعددة أبرزها 3 مصادر، الأول: يتمثل في تداخل مياه البحر المالحة في الخزانات المائية العذبة بالمناطق الساحلية، والثاني: يتمثل في حركة المياه المالحة من مناطق السبخات المجاورة، أما المصدر الثالث فهو اختراق المياه الأكثر ملوحة من المستويات الدنيا بالخزانات المائية للمستويات العليا الأقل ملوحة بنفس الخزان، كما تتمثل التحديات في تدهور نوعية المياه.
ريّ حديث
وقال البروفيسور رزق: يجب العمل على وقف الهدر في مجال الري عن طريق التوسع في استخدام أساليب الري الحديثة، كذلك الحد من التسرب الذي قد يزيد على 40 % من شبكات توزيع المياه، كما يجب صيانة واستبدال خطوط التوصيل التالفة لتعزيز أساليب إيصال وصرف توقف هدر المياه في الشبكات إلى أدنى الدرجات، إضافة إلى الحد من الإسراف، حيث تستهلك الإمارات سنوياً كمية من المياه الجوفية تزيد على 10 أضعاف قدرة الطبيعة على تعويضها.
سدود
وتابع: من بين الحلول كذلك الاستمطار الصناعي، وإنشاء سدود التغذية للاحتجاز المؤقت لمياه السيول والأمطار لتغذية المياه الجوفية، وذلك بتحويلها نحو باطن الأرض لتغذية الخزانات الطبيعية للمياه الجوفية، حيث تم بناء أكثر من 113 سداً وبحيرة وحاجزاً تستطيع استيعاب 106 ملايين متر مكعب سنوياً خلال مواسم الأمطار، ومن الحلول التغذية الاصطناعية للمياه الجوفية، وهي إعادة شحن الخزانات المائية الطبيعية الناضبة بمياه من مصادر مختلفة، كمياه السيول ومياه التحلية ومياه الصرف المُعَالَجة.
ويتم الشحن عن طريق حقن المياه في الخزانات المائية الطبيعية بطرق مختلفة مُخطط لها، مثل خزانات السدود وأحواض نشر المياه أو رشح المياه السطحية من هطول الأمطار والمجاري المائية المؤقتة أو الدائمة، والتغذية الاصطناعية تُخَزِّن المياه تحت سطح الأرض من أجل الاستخدامات المستقبلية.
مشكلة الاستهلاك المفرط
أكد الدكتور معتز عمر تخصص الهندسة النووية والميكانيكية بجامعة الشارقة أن الإمارات تعد من بين أدنى الدول في موارد المياه العذبة الطبيعية للفرد في العالم، بينما تعد من بين أعلى معدلات استهلاك المياه للفرد، ويعتبر تحقيق إمدادات المياه المستدامة من بين أعلى الأولويات في الدولة، حيث تفتقر الإمارات للمياه السطحية كالأنهار والبحيرات، في حين أدى الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية لنضوب المخزون الجوفي.
حلول
وأضاف: إن من الحلول المقترحة لحل مشكلة ندرة المياه، خصوصاً المياه المحلاة هو تأمين موارد المياه العذبة من خلال تقنيات تحلية المياه المتقدمة من البحر وتوفر البنية التحتية الواسعة لتحلية المياه في الدولة، التي تعاني من ندرة المياه العالية لإيجاد موارد مائية مستدامة ضرورية، لتأمين الحياة ودعم مجموعة واسعة من الأنشطة المنزلية والصناعية والتجارية والزراعية، إضافة إلى توسيع محطات تحلية المياه الحالية وبناء محطات جديدة، لتلبية متطلبات التنمية الاقتصادية.
ويقترن ذلك التوسع والتطور بالجهود التي تقودها الحكومة لتقليل استهلاك الفرد من المياه، واعتماد تقنيات جديدة لتحلية المياه، وتبسيط إنتاج المياه والطاقة من خلال دمج الوكالات الحكومية. مع وجود أكثر من 70 محطة تحلية، يبلغ الإنتاج اليومي من المياه المحلاة نحو 1،585 مليون جالون يومياً (MIGD) وهو ما يمثل 14% من إجمالي إنتاج المياه المحلاة في العالم.
محدودية
وبين الدكتور معتز أن الدولة لديها إنتاج كبير من المياه المحلاة، إلا أن الأمن المائي لا يزال يمثل جانباً رئيسياً للمسؤولين الحكوميين في الإمارات بسبب محدودية موارد المياه الطبيعية وزيادة الطلب على المياه، مبيناً أن الطلب على المياه زاد بنسبة 35% من عام 2008 إلى عام 2012، لذلك، في عام 2017، بدأت الإمارات «استراتيجية الأمن المائي 2036»، بهدف تحقيق عدد من الأهداف، أبرزها تنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية، من خلال تقليل الطلب الكلي على الموارد المائية بنسبة 21% و رفع مؤشر إنتاجية المياه إلى 110 دولارات للمتر المكعب، وزيادة كفاءة استخدام المياه بشكل كبير في جميع القطاعات وضمان السحب والإمداد المستدام من المياه العذبة لمعالجة ندرة المياه وتقليل عدد الأشخاص، الذين يعانون من ندرة المياه بشكل كبير.
الترشيد واجب وطني وسلوك حضاري
أكد المهندس عماد سعد، استشاري استدامة ومسؤولية مجتمعية، أن ترشيد استهلاك المياه واجب وطني بالدرجة الأولى وسلوك حضاري وعلينا جميعاً أفراداً ومؤسسات وشركات ومجتمعاً مدنياً أن نلتزم به ليكون منهج حياة بشكل عام، وأن نذهب إلى الترشيد راغبين قبل أن نكون مرغمين.
وضرب مثالاً بمقارنة معيارية في استهلاك المياه بين ألمانيا والامارات، وقال إن المستهلك في ألمانيا يدفع 1.5 يورو سعر المتر المكعب الواحد من المياه العذبة التي تدخل إلى منزله، في حين يدفع أيضاً 3.75 يورو سعر المتر المكعب الواحد من المياه العادمة أو الرمادية التي تخرج من المنزل، أي أن المستهلك في ألمانيا يدفع أولاً كلفة المياه الحلوة التي يستهلكها (وهذا أمر طبيعي) ومن ثم يدفع ضعف قيمة المياه العادمة التي ينتجها في منزله.
بالمقابل يدفع المستهلك في إمارة أبوظبي على وجه التحديد 2.2 درهم سعر المتر المكعب الواحد من المياه المحلاة التي تدخل إلى منزله، في حين أن كلفة المتر المكعب الواحد من المياه المحلاة على شركة مياه وكهرباء أبوظبي تقدر بـ 10.43 دراهم، بحسب تقرير هيئة البيئة بأبوظبي.
وهذا يعني أن المستهلك بأبوظبي يدفع فقط 21.3 % من كلفة إنتاج المياه، لأن المياه والكهرباء مدعومة من الحكومة، ولو افترضنا أن الشركة ألزمت المستهلك بدفع الكلفة الحقيقية للمياه التي يستهلكها (وهذا حق طبيعي أسوة لما هو في باقي دول العالم) فإنني أتوقع أن المستهلكين سيفكرون 100 مرة قبل أن يسرفوا في المياه.
تقنيات زراعية متطورة
قال الدكتور خليل عمار، مدير برنامج الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية والخبير في الموارد المائية، إن المركز الدولي للزراعة الملحية وبالتعاون مع الشركاء الدوليين والمحليين يعمل على تطبيق حلول ناجعة تساعد الدولة في تحقيق الأمن المائي، حيث تعتبر التحديات المتعلقة بالأمن المائي من نـدرة مـوارد الميـاه الطبيعية العذبة، واسـتنزاف الميــاه الجوفيــة، وارتفاع الاستهلاك المائي المنزلي والزراعي من أبرز التحديات التي تؤثر على استدامة الإنتاج المائي في الدولة.
حلول
وأوضح أن من هذه الحلول اختيار المحاصيل المتحملة للملوحة مثل الأعلاف والنخيل والخضراوات وغيرها، والتي تمتاز بقدرة عالية على تحمل الحرارة والملوحة ويمكن زراعتها في الدولة، حيث يتم التركيز دائماً في هذه الأبحاث على زيادة التنوع الحيوي خاصة باستخدام النباتات المحلية والتي تعتبر عالية التأقلم مع الأجواء الحارة والتربة غير الصالحة لزراعة المحاصيل التقليدية من خضراوات وفواكه، ويعتمد اختيار هذه المحاصيل بناء على نوعية المياه وتفاوت درجات ملوحة التربة والمياه، حيث إن بعض المحاصيل يمكن زراعتها وريها بمياه شبه مالحة قد تتراوح ما بين 3.000 ملغرام للتر مثل بعض الخضراوات كالبامية والكوسا، في ما يمكن ري الكينوا بمياه تصل ملوحتها الى 13.000 ملغرام للتر، لافتاً إلى أنه قد تم زراعة عدة محاصيل علفية مثل الدخن اللؤلؤي والذرة الرفيعة وغيرها، حيث تم ريها بمياه شبه مالحة نحو 10.000 ملغرام / لتر.
وأضاف، من الحلول المثالية التي تساعد على ترشيد المياه استخدام تقنيات الري المتطورة مثل الري بالتنقيط السطحي والتحت سطحي والري باستخدام الرشاشات وغيرها، والتي تعمل على توفير كميات كبيرة من مياه الري، إلى جانب جدولة الري وفقاً للاحتياجات الفعلية للمحاصيل حسب مرحلة النمو، والسلالة، وخصائص التربة، وقد شارك المركز بعدة أبحاث لتقدير الاحتياجات المائية الفعلية باستخدام المجسات وصور الأقمار الاصطناعية والاستشعار عن بُعد لحساب التبخرالنتحي.
الاستشعار عن بُعد
وأشار عمار إلى أنه من الضروري استخدام الاستشعار عن بُعد، ونظم المعلومات الجغرافية، والطائرة من دون طيار في مراقبة المحاصيل ومياه الري وصحة هذه المحاصيل، حيث تساهم هذه التقنيات المتطورة في توفير بيانات ضخمة والتي قد تساهم في تحقيق إدارة الفصل للموارد الطبيعية على عدة مستويات: الإقليمية، والوطنية، وعلى مستوى المزرعة، كما ينصح بالزراعة في البيوت المحمية والشبكية والرأسية واستخدام بدائل للتبريد باستخدام مياه البحر، وقد قام المركز بتقديم عدة أبحاث على الزراعة في البيوت المحمية والشبكية وتقدير كميات المياه التي يمكن توفيرها سواء باستخدام أنظمة الري من دون تربة وكذلك مياه التبريد.
توصيات «البيان»
01 استخدام أحدث التقنيات لتعزيز الموارد المائية وترشيد الاستهلاك.
02 اختيار محاصيل متحملة للملوحة، مع الري الحديث، و«درون» لمراقبة المحاصيل.
03 تقليل نسبة استنزاف المياه الجوفية وتعزيز مشاريع الربط المائي.
04 إنشاء المزيد من سدود التغذية لاحتجاز مياه السيول والأمطار.
05 التركيز على بحوث علوم الاستمطار، وتعزيز التعاون الدولي لرفع كفاءة استخدام المياه.
06 تعزيز مفهوم الشراكة بالمسؤولية بين جميع فئات وشرائح المجتمع من أفراد ومؤسسات