أكد الدكتور أبا زبير - عميد التعليم في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، أنه في ظل مشهد الانتشار المتواصل لجائحة «كوفيد 19»، للعام الثاني على التوالي، وفي غياب الرؤية الواضحة أو اليقين حول موعد انتهاء هذه الأزمة، فإن الوقت قد حان لإعادة التفكير في مفهوم «الواقع الجديد» ويمكننا القول الآن إن مستقبلنا القادم لن يكون طبيعياً على الإطلاق، وأن الجائحة قد غيرت المفاهيم التقليدية للرعاية الصحية.

وأوضح الدكتور زبير أنه لكي يكون المرء قائداً متميزاً لخدمات الرعاية الصحية في المستقبل، ينبغي عليه أن يتحلى بالمرونة، وهي أمر مهم للغاية، ولكنها في هذا السياق تأتي بمفهوم يختلف قليلاً عن المعتاد، فهي هنا تتطلب التجربة، والعقل المنفتح إلى حد كبير؛ فلا ينبغي للقائد المستقبلي أن يكون محافظاً إلى حد كبير، نظراً للتغيرات المذهلة التي نشهدها على مسار رحلتنا نحو المستقبل.

وأضاف: كما أن القدرة على التكيف هي عنصر أساسي أيضاً لهذا القائد المستقبلي، حيث نشهد تطورات متتابعة باستمرار لطبيعة الأمراض وابتكارات التكنولوجيا وطرق العلاج.

ومن هنا، فإن القدرة العالية على التكيّف ستضمن لنا وضع مستقبلنا في أيدٍ أمينة، وعلى الرغم من أهمية التقاليد والثقافة الراسخة، إلا أن هناك خطراً كبيراً يتمثل الآن في تركيزنا على المنهجيات القديمة، ومتابعة العمل بالأساليب التقليدية المعتادة، ومن جهة أخرى، يجب على القائد المستقبلي في مجال الرعاية الصحية أن يحظى بفهم عميق لطبائع البشر، ولمفهوم المريض حول ما يعنيه تلقي الرعاية الصحية.

فمع تزايد هيمنة التكنولوجيا والرقمنة على هذا المجال، انخفضت مستويات التدخلات والتفاعلات البشرية، مما أدى بنا إلى نسيان حقيقة بالغة الأهمية، وهي أن الرعاية لا تقتصر فقط على التشخيص والعلاج.

القائد المستقبلي

وقال الدكتور زبير: «لن يكون المرضى في الغد مثل مرضى اليوم، فمن المحتمل أن يكونوا أكثر دراية واطلاعاً، وذلك بفضل تزايد المعلومات المتوفرة حول الصحة والأمراض والعلاج، والمتاحة بسهولة عبر الإنترنت، ولكن قد يكون من الخطأ الاعتماد على ذلك عند النظر في حالة المريض نفسه؛ حيث يتمثل دور نظام الرعاية الصحية في تكييف معارف المرضى لوضعها في إطارها الصحيح.

وبالإضافة إلى ذلك، نشهد توجهاً متزايداً لدى المرضى نحو الانخراط بصورة أكبر في رعايتهم الصحية الذاتية. ففي الماضي، كان مفهوم المرضى يتمثل بأن الخبير أو الممارس، أو القائد في مجال خدمات الرعاية الصحية، جهة موثوقة يمكن الاعتماد عليها في التوجيه وتولي زمام المبادرة، ونتيجة لذلك، لم تكن لدى المرضى رغبة المشاركة في الرعاية التي يتلقونها. أما المرضى في المستقبل، فهم سيحظون بمعرفة أعمق، وبفضول ووعي أكبر حول الأمراض وأساليب العلاج».

ومن هذا المنطلق، ينبغي على القائد المستقبلي للرعاية الصحية أن يدرك بصورة أساسية أن المرضى أصبحوا أكثر دراية بحالاتهم الصحية، وأوسع اطلاعاً حول العلاجات المتاحة، وأكثر معرفة بالأخصائيين المتوفرين لعلاجهم.

ولذلك، ينبغي على نظام الرعاية الصحية أن يلتزم بجمع هذه المعلومات ويعرضها أمام المرضى بصورة منطقية. ويمكن لأي شخص أن يقرأ عن الأمراض على الإنترنت، ونتيجة لهذا، قد يتمكن من إنشاء فهم محدود لحالته الصحية. ولذا، سيكون على قيادات الرعاية الصحية دورٌ أساسي في تثقيف المرضى، لإعطائهم صورة أكثر وضوحاً وتفصيلاً حول الأمراض والحالات الصحية.

إعداد المتخصصين

وفيما يخص تدريب أخصائيي الرعاية أشار الدكتور أبا زبير إلى أن الخطوات تتسارع نحو المستقبل يوماً بعد يوم، لكننا ما نزال متأخرين على صعيد جهودنا التعليمية، ففي الوقت الحالي، ينصبّ تركيزنا على المحتوى، ولكن في عالم المستقبل، سيصبح حفظ المحتوى أمراً غير ضروري، نظراً لإمكانية البحث والعثور بسهولة على أي شيء باستخدام وسائل التكنولوجيا المتاحة. وعلى الرغم من أهمية المحافظة على مخزون معرفي جيد في الذهن، إلا أن ما سيجعل قادة المستقبل لدينا فعّالين حقاً، هو الإبداع.

أما الطريقة التي يجب اتباعها في تدريب أخصائيي الرعاية الصحية لدينا، فهي وضع سيناريوهات تُحفّز إبداعاتهم في العمل، وتقديم تصورات ومقاربات تُبرز التفكير النقدي والإبداعي، وإيجاد حلول للمشكلات بطرق مبتكرة.

ومن جانب آخر، هناك مدرسة فكرية مثيرة للاهتمام ما تزال قيد النقاش، وهي تقوم على التساؤلات حول ضرورة أن تكون مناهج الرعاية الصحية لدينا واسعة النطاق كحالها الآن، فهل يحتاج أخصّائيو الرعاية الصحية لدينا بالفعل إلى مرحلة طويلة من التعليم؟ وهل سيكون التدريب المتخصّص أكثر فاعلية في تلبية الاحتياجات المستقبلية؟ وماذا عن التعليم المختلط، مثل الجمع الحديث بين الطب والهندسة؟

عند التفكير بتعديل مفاهيم التعليم ضمن قطاع الرعاية الصحية يكون التغيير بطيئاً. وضمن السياق العالمي، هناك تباين كبير على هذا الصعيد؛ حيث تتميز أنظمة الرعاية الصحية التقليدية المحافظة بنفس المنهجية التي سيطرت بفضلها لعقود طويلة، في حين تبدو الأنظمة الأخرى الأكثر انفتاحاً نحو إنشاء برامج متكيّفة، أكثر توافقًا مع المستقبل الذي نتطلع إليه. وحتى الآن، لم نجد حلاً وسطاً يجمع بين هذين المنهجين.

في مستقبل الرعاية الصحية لن يكون هناك أي شيء طبيعياً كما اعتدنا عليه، وسيكون على القائد المستقبلي الجيد في الرعاية الصحية مهمة متعددة المفاهيم، حيث سيكون عليه الموازنة بين المناهج التقليدية والأفكار الراسخة، مع توجيه القدرات العالية للغد الواعد، في سبيل تطوير وازدهار قطاع الرعاية الصحية في المستقبل.