تحمل القيادة بسرعات عالية إثارة وتشويقاً ورغبة كبيرة في طي المسافات بضغطة مستمرة على دواسة الوقود ولكنها تحمل أيضاً مفاجآت قاتلة ونهايات مأساوية بفقدان الأرواح.
القيادة بتهور سلوك خطير يمارسه بعض الشباب واجهته الجهات المعنية بأربعة محاور تشمل الجانب القانوني والضبط، والتوعية، والشراكة المجتمعية، وبينما تظهر أهمية الجانب القانوني في مواجهة المشكلة تحقق التوعية نتائج إيجابية كبيرة وخاصة إذا واكبها دور أسري فعال في توجيه الأبناء وتعريفهم بخطورة القيادة بتهور للسيطرة على نزيف الطريق.
جمال العامري، الخبير المروري والمدير التنفيذي لجمعية ساعد للحد من الحوادث المرورية، أكد أن نزوع الشباب إلى التهور في قيادة السيارات موضوع سلوكي بحت، لا بد من أن يتم النظر إليه من خلال أربعة محاور مهمة متمثلة بالجانب القانوني والضبط، والتوعية، والشراكة المجتمعية، إذ يتجلى الاتجاه الأول في إدراك القانون والعقوبات إذ يعد حلقة مهمة ترسم مساراً لدرء هذا الخطر المحدق.
وقال إن التعديلات في قوانين السير والمرور في الدولة ساهمت في بلوغ أعلى مستويات السلامة المرورية وضبط أمن الطرق والحد من الحوادث المرورية، وصولاً إلى الهدف الخاص بالمؤشر الوطني لخفض الوفيات، إذ تعد زيادة السرعة من أشد المخالفات خطورة على الطرق بدولة الإمارات.
وقد فرضت غرامة 3 آلاف درهم عند تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة، بما يزيد على 80 كم في الساعة، مع تسجيل 23 نقطة مرورية، وحجز المركبة الخفيفة 60 يوماً.
وحول الجرعة التوعوية التي لا بد من أن نحصن بها المجتمع بشكل دؤوب، لفت العامري إلى الحاجة الماسة لخلق رسائل إعلامية فعالة ومتواصلة وليس بشكل وقتي فقط، وأن تتولى وسائل الإعلام التقليدية والتفاعلية زمام المبادرة في طرح برامج لتوعية الشباب بالأخطار والأضرار التي قد تنتج عن هذه الممارسات السلبية، والحيلولة دون تفشيها أكثر.
هذا بالإضافة إلى الحاجة لتضافر مجتمعي دؤوب متمثل بالشركاء الاستراتيجيين والأسرة، للوصول إلى منتهى الهدف وغايته.
مدرسة
وشدد المدير التنفيذي لجمعية ساعد للحد من الحوادث المرورية، أن دور المدرسة محوري جداً، فالفكرة ليست بالكم المقدم من المعلومات، بل هي مسألة تنضوي على الكيف، هذا بالإضافة إلي تفعيل دور الحوار بين الشباب وأسرهم، إذ إن انعدام حلقة الوصل هذه يعد الخطوة الأولى للقيام بممارسات متهورة لا تحمد عقباها، وهنا على الأسرة أن تشدد على هذا الجانب، وتساءل «ما الرادع؟ أهو الحوادث الجسيمة بعد فوات الأوان؟».
وأوضح العامري أن أبرز حوادث السير تتبلور في 7 أسباب تتمثل بعـدم الالتزام بقوانين السير والمرور، والسرعة الزائدة، والقيادة المتهوّرة، والتسابق على الطريق، وعدم ترك مسافة كافية، وعدم التأكد من خلو الطريق، إضافة إلى عدم الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين والالتزام بقوانين السير والمرور.
وأشار العامري أن عدم الامتثال لقوانين السير والمرور يترتب عليه حوادث جسيمة تخلّف خسائر بشرية فادحة تحتاج إليها الدولة في مواصلة تقدمها وازدهارها في جميع المجالات، ولفت إلى أن اتباع قوانين السير والمرور يشكل سلوكاً حضارياً يجب على الجميع الالتزام به.
أرقام
وساهمت المبادرات التي أطلقتها القيادة العامة لشرطة أبوظبي مثل «لكم التعليق» منذ 2018، من خلال عرض مشاهد واقعية لبعض المواقف السلبية للسائقين، ونشر الفيديوهات على المنصات الافتراضية في زيادة التوعية المرورية، وتعريف الجمهور بالسلوكيات الخطيرة التي قد تسبب ضرراً للآخرين، إذ يعد عدم الدراية بالعواقب السبب الرئيس لاستمرار هذه السلوكيات واستشرائها أكثر، في حين يكمن السبب الثاني في الأخذ برأي الجمهور والحلول والتعليقات والآراء التي يقدمونها.
رصد
وقال الرائد المهندس عبدالله حمد الغفلي، رئيس قسم الإحصاء والدراسات في مديرية المرور والدوريات بشرطة أبوظبي، إن الكثير من المقاطع التي تم رصدها كانت لقطع الإشارة الحمراء، وتم التركيز عليها بشكل خاص، إذ إن تقاطع سيارتين في نقطة واحدة بوقت واحد ينجم عنه حوادث جسيمة.
ولذلك تم إطلاق العديد من الحملات منذ عام 2018، ومنها حملة درب السلامة، كما بدأت شرطة أبوظبي تطبيق القانون رقم 5 لسنة 2020 بشأن حجز المركبات في الإمارة وساهم القانون في تغليظ العقوبة على مخالفة قطع الإشارة الحمراء من خلال فرض رسوم إضافية لفك حجز المركبة، والتي تبلغ قيمتها 50 ألف درهم بغية ردع المخالفين.
وفي ما يتعلق بآثار التطبيق بعد 6 شهور من تطبيق القرار، تم رصد انخفاض ملموس بالمخالفات المرورية بنسبة 68%، وما يقارب انخفاض 10% في الحوادث الجسيمة، وانخفاض 27% في الحوادث البسيطة.
وأكد أن الاهتمام بتنفيذ أفضل برامج التوعية المرورية، بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين في إمارة أبوظبي وبذل أقصى الجهود، ساهم في خفض الحوادث المرورية وفق استراتيجية شرطة أبوظبي.
ووفقاً للإحصائيات، أشار الغفلي، إلى أن الحوادث الناجمة عن الانحراف المفاجئ هي الأكثر شيوعاً، نظراً لاتساع شبكة الطرق.
جهود
وأكد عدد من أولياء الأمور الدور المحوري للتربية في تعزيز الثقافة المرورية لدى الأبناء، من أجل الحد من ظاهرة الحوادث التي تودي بحياة الشباب، وتتسبب بأضرار بشرية وخسائر اجتماعية واقتصادية فادحة، لافتين إلى ضرورة تكاتف الجهود، وترسيخ ثقافة مرورية قادرة على المساهمة في الارتقاء بمفاهيم السلامة، وتجنب الأسر كوارث فقدان الأبناء في مجتمع يعد أكثر من نصفه من الشباب.
وقال حسين الدرمكي: «تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على أولياء الأمور الذين ينبغي لهم إحاطة الأبناء بالنصح والإرشاد والتربية الحسنة، وتجنيبهم السلوكيات الخطأ.
ولا سيما أن الحوادث المرورية تقع في الغالب نتيجة لمحاولات الاستعراض، أو محاكاة وتقليد ما يشاهدونه في الأفلام، ظناً منهم أنها تكسبهم صفات الرجولة والبطولة، ما يكشف عن مدى أهمية دور الأسرة في العمل على العديد من الجوانب الخاصة بهذا الشأن منذ نعومة أظفار الأبناء، ومنها تعليمهم تحمل المسؤولية والتشديد على الالتزام بالقواعد المروية في فترة التدريب على القيادة.
وعدم السماح لهم بقيادة السيارات في سن صغيرة، فضلاً عن تعريفهم بالقوانين الخاصة بالقواعد المرورية، والمخالفات التي قد تؤدي إلى إحداث أضرار في الأرواح والأموال».
وأضاف إن الحد من الحوادث المرورية يحتاج إلى التربية السوية من قبل الأسرة، وتضافر جهود الجميع، لتوفير ثقافة مرورية راسخة، تتضمن أهمية الحفاظ على مجتمع متميز وواعٍ يساهم شبابه في الارتقاء بحاضره ومستقبله.
واجب
وأكدت أمينة الشامسي أن الاستثمار في الشباب واجب وطني يستدعي تضافر جهود جميع المؤسسات، وخاصة أن مجتمعنا يعد فتياً وشاباً، والفئة الأكبر فيه فئة الشباب الذين يتميزون بالفضول، ما يعيدنا إلى أهمية دور أولياء الأمور الذين يقع على عاتقهم تهذيب سلوكيات الأبناء، وتربيتهم تربية صالحة.
تتضمن ترسيخ مفهوم الحفاظ على حياتهم وحياة الآخرين، والارتقاء بأخلاقيات وسلوكيات القيادة، وتجنيبهم الطيش والتهور في القيادة، واستخدام الهواتف في القيادة، نظراً لخطورتها في تشتيت انتباههم.
وأضافت إن عدد وفيات الحوادث من الشباب قد يصل إلى 85%، ما يستدعي تكثيف المبادرات وحملات التوعية، ومن دون أن ننسى دور أولياء الأمور في تعليم أبنائهم وتربيتهم تربية مسؤولة، يكونون من خلالها واعين بأخلاقيات القيادة، والحفاظ على الأرواح البشرية والممتلكات العامة، وترسيخ ثقافة واعية لا تتغير كثقافة حزام الأمان التي باتت اليوم راسخة لدى الجميع.
ومن هنا لا بد من البدء بالارتقاء بهذه الثقافة منذ الطفولة، والتركيز عليها في سن المراهقة، مع المراقبة والمتابعة الدائمة، والعمل على إدخال الثقافة المرورية في مناهج الثانوية، وعدم إعطاء الأبناء مركبات في حال ظهرت عليهم علامات الطيش والتهور.
وقال أحمد عبدالله سعد إن القيادة بتهور أصبحت سمة منتشرة بين الشباب لأسباب متعددة ومنها الحصول على رخصة القيادة في سن صغيرة وامتلاك سيارة رياضية في الوقت نفسه بالإضافة لعدم الوعي الكافي بالأخطار المترتبة على تجاوز السرعة والاستهانة بأخطار الطريق والتي أدت إلى زيادة إذ لا يكاد يخلو منزل من إصابة أحد أفراد الأسرة نتيجة الحوادث المرورية.
قانون
يقضي القانون رقم (5) لسنة 2020 بشأن حجز المركبات في إمارة أبوظبي، بمخالفة تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة بما يزيد على 60 كم / ساعة بـ2000 درهم و12 نقطة مرورية وحجز المركبة 30 يوماً والقيمة المالية لفك حجز المركبة 5000 درهم على أن يتم حجز المركبة إلى حين دفع القيمة المالية لفك الحجز ومدة أقصاها ثلاثة أشهر وفي حال عدم سداد المستحقات تحال المركبة للبيع في المزاد العلني.
صفر وفيات لضحايا السرعات الخطرة في رأس الخيمة
كشفت إدارة المرور والدوريات بالقيادة العامة لشرطة رأس الخيمة، عن تسجيل «صفر» وفيات لضحايا السرعات الخطرة خلال العام الجاري، نتيجة لحملات التوعية الميدانية والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن السائقين المتهورين الذين تم ضبطهم يقودون بسرعات خطرة منذ بداية العام قليل جداً، كما تصدرت شريحة الشباب نسبة الحوادث المرورية.
وأكد العميد أحمد الصم النقبي، مدير إدارة المرور والدوريات بالقيادة العامة لشرطة رأس الخيمة، وجود أسباب أخرى للحوادث المرورية مثل الانشغال عن الطريق أثناء القيادة والانحراف المفاجئ ودخول الطريق قبل التأكد من خلوه.
وقال: «يتم تشديد الرقابة على السائقين المتهورين من خلال الرادارات والقناص ودوريات المرور المتواجدة علي الطرق الخارجية والداخلية، أما بخصوص العقوبات والمخالفات المترتبة على السائقين متجازي السرعة فالمادة 34 تقضي بغرامة 3000 درهم و12 نقطة والحجز 60 يوماً للمركبة الخفيفة عند تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة بما يزيد على 80 كم بالساعة والمادة 35 تنص على أن غرامة تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة بما يزيد على 60 كم بالساعة 2000 درهم إضافة إلى 12 نقطة والحجز 30 يوماً».
وأشار إلى أن أبرز النتائج الخطرة المترتبة على القيادة بسرعات عالية، تتمثل في فقدان السيطرة على المركبة في حال كانت السرعة عالية مما ينتج عنه صعوبة القيام بتغيير اتجاه المركبة فتزداد نسبة الأخطار، وتعريض الركاب وكذلك جميع المشاة المتواجدين على الطريق إلى المخاطر، حيث تصل هذه المخاطر إلى الوفاة أو الإصابات.
24 شاباً ضحايا الحوادث المرورية في الشارقة 2020
أكد المقدم محمد علاي النقبي مدير إدارة المرور والدوريات في القيادة العامة لشرطة الشارقة أن العام الماضي شهد حوادث مرورية نتج عنها 24 حالة وفاة من فئة الشباب، مشيراً إلى أنه منذ بداية العام الجاري وقع 157 حادثاً مروياً من قبل الفئة العمرية ما بين 18 و30 عاماً، فنتج عنها إصابات وشكلت 48% من إجمالي الحوادث في الإمارة.
وقال إن القيادة العامة لشرطة الشارقة تستخدم وسائل الضبط كافة سواء بالدوريات أو التكنولوجيا الحديثة من كاميرات وأجهزة رادار بالإضافة إلى الضبط الإعلامي عن طريق تصوير السلوكيات المرورية الخطأ ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
حملات
وأضاف مدير إدارة المرور والدوريات في القيادة العامة لشرطة الشارقة إن هناك حملات مرورية تطلق سنوياً بناء على الإحصائيات ومن أهمها (غايتنا سلامتك) والتي نفذت في العام الجاري وحملة «القيادة الوقائية مطلب وهدف»، وقد حققتا الأهداف المرجوة منها ووصلت إلى شريحة كبيرة من المستفيدين.
مبيناً أن هناك إجراءات رقابية مشددة لرصد السائقين المتهورين، من خلال عمل حملات ضبطية في مناطق محددة، وكذلك مراقبة الطرق بشكل دوري عن طريق كاميرات غرف العمليات وتتفاوت العقوبة بحسب السلوك المروري الخطأ، إذ ينص قانون السير والمرور على مخالفات تفصيلية مختلفة لكل فعل وتتناسب شدة المخالفات والغرامات مع خطورة السلوك المروري الخطأ.