لا أعتقد أن الحديث حول الصراع بين الصحف التقليدية والإعلام الجديد ومناهجه المتنوعة ونظرياته المختلفة التي تحكمه بات محوراً يشغل المختصين والباحثين والمستثمرين في المجال الإعلامي، باعتباره عامل جدل يتغير بتغير الزمان والثوابت والاحتياجات، لاسيما بعد أن وصلنا لمرحلة تناسلت بها التقنيات، حتى اكتسحت المشهد أبجديات الميتافيرس، إلا أن ما يتفقون عليه في ظل تضارب كل هذه المصالح هي كيفية إدارة دفة الإعلام ليتحول من مجرد سلطة عادية إلى أداة حتمية لصنع القرار وتغيير فكر المجتمعات، ببنية اقتصادية استثمارية مرتكزة على رؤوس أموال متنوعة تدعم وجودها وتأثيرها.
فمع ظهور طيف واسع من الأدوات والتقنيات المتاحة للجميع سواء للصحافة المطبوعة أو الرقمية والتي يسرت أبجديات الانتشار، ورفعت مستوى الجودة، وأوجدت موارد ربح جديدة، إلا أن الأدوات المتوافرة لصناعة المحتوى من تحسين الاستقصاء وصناعة التقرير ورواية الخبر مازالت واقفة عند حدود التكرار والاجترار، كما أن تقادم المعلومة وروتينية الطرح، شكل عزوفاً ليس فقط في ولاء الجمهور، بل في تدني جودة المخرجات والعجز عن إيجاد استثمار ناجح ينهض بهذه المنظومة نحو آفاق أرحب. وريثما تنعقد جلسات الكونغرس العالمي للإعلام في العاصمة أبوظبي، يحتدم النقاش حول أهمية الاستثمار في الإعلام كأداة حيوية ستصنع فارقاً في ظل ما نعيشه من نمو معرفي غاية في التعقيد، الأمر الذي يلقي بالعبء في جوانب كثيرة منه على الإعلام، ليس في بنيته التقنية التي وصلت إلى أوج مجدها، بل في المحتوى المعروض ومدى تخصصه، حتى طفت على السطح مجدداً ضرورة إعادة التفكير في إيجاد الصحافة المتخصصة، من أجل سد الهوة بين المتخصص والمتلقي، الأمر الذي جعلها ضرورة حتمية وسط زخم تناسل التخصصات الدقيقة، والمحور الفاصل في سياق التفسير الإعلامي، والوسيلة المناسبة لبناء رابط ثلاثي بين المجتمع والعلوم المتخصصة والمستثمرين المتوقعين، كما أن الاستغراق في فرع اقتصادي أو علمي أو غيره، يتطلب المتابعة الدقيقة مع توافر خبرة مهنية، والاستعداد الشخصي والتكوين الاستثنائي وهي نقطة لا بدّ أن تراعيها المؤسسات الإعلامية لإيجاد التغيير وكتابة عهد جديد للرسالة الإعلامية، الأمر الذي سيدفع بالتحقيقات الاستقصائية والمحتوى الخبري إلى الأمام، كما سيشق طريقاً جديداً للتحليل الواعي للخروج بمحتوى ناضج، أبجديات ستكون اللبنة الأولى لجذب الاستثمارات في قطاع الإعلام، الذي سيجسد خارطة طريق لمستقبل المعلومات وصناعة الرسالة الإعلامية.
نتساءل هنا وسط اختلاف القواعد، وتحرك بيادق جديدة على رُقعِ صناعة القرار، من سيكتب المانشيت الأخير..؟
وللإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى نظرة فاحصة والتدبر بمستقبل الاستثمار في الإعلام، ليس فقط في البحث عن رؤوس أموال، بل بالعمل الجاد وخلق الشراكات للوصول إلى مرحلة الريادة في نشر الرسالة الإعلامية كجزء محوري في صناعة القرار، فمن سيكتب المانشيت الأخير هي الوسيلة التي سيزيد تباطؤها في إحداث أثر واعٍ واسع الانتشار، ومن سيهيمن هي الوسيلة المثلى القادرة أولاً على إحداث أثر حقيقي وتقديم معلومة مفيدة تنقذ المجتمع من سطحية التلقي إلى آفاق أوسع، ثم التفكير بالنموذج الاقتصادي الأمثل لتعزيز هذه القوى العظمى، وهذه ضرورة حتمية لديمومة تأثير الإعلام كأداة فاعلة مؤثرة في ساحة الأحداث وتطورها، وكنموذج استثماري ناجح.