لا يزال أبناء الإمارات يظهرون حرصهم على موروثهم ويتمسكون به وينقلونه للأجيال الحالية وللمستقبل بموازاة مع التطور التكنولوجي، وربما كان شيئاً من عبق الماضي حرياً به أن يكون صديقاً للبيئة، وكما حرص الأجداد على نقل المعلومة والعادات الأصيلة فإن أحفادهم اليوم أجداد مسلحين بالانتماء وحب تراث أجدادهم. ومن هؤلاء محمد صالح النقبي الذي حرص على إعادة بناء ما يتم من خلاله تصنيع الأسمنت الأبيض، وربما تعد هذه الصناعة مهمة بالنسبة للأجيال الماضية، كونها كانت تتعلق بتأمين الحماية للسفن والبيوت، وتعد من الحرف المتوارثة في دول مجلس التعاون الخليجي ويطلق على الفرن أو الطريقة «المهكة» التي استعاضوا بها عن تصنيع الأسمنت الصناعي الذي دخل فيما بعد، وكانت المواد عبارة عن ما يتخلف من النخيل ومن البحر مثل المحار البحري وجذوع النخل، حيث تصبح الأسمنت الأبيض الذي يستخدم للبيوت والقوارب.
وذكر محمد صالح النقبي الخبير التراثي أن «المهكة» تم الاستغناء عنها بدخول الأسمنت الصناعي من المصانع وكان ذلك تقريباً في منتصف الخمسينيات، ولكنه حريص على مشاركة زوار المعارض والمهرجانات المحلية بعرض مكونات التصنيع والتعريف بـ«المكهة»، حيث يجد أن من المهم أن تستمر مثلما عرفها وهو طفل يبلغ الثامنة من عمره، وكان قلة من الناس يجيد هذه الحرفة وينتفع بها لأن الناس يشترون الأسمنت الأبيض، ويرى أنه بالإمكان عودة هذه الصناعة واستمرارها بشيء من التعديل، مثل أن تضاف لها أجهزة كما هي الحال في بقية المصانع التي تحمي من الانبعاثات، وأن تكون هناك أيدٍ عاملة لجمع المواد.
يقول النقبي: إن «المهكة» عبارة عن حفرة بعمق يصل إلى مترين وعرضها يصل أيضاً إلى مترين، وتشبه الغرفة العميقة وبها إجراءات احترازية تمنع الانهيار أو تساقط أية أحجار، ولا يستطيع أي أحد أن يقوم بالمهمة حيث لا بد أن يكون خبيراً وصبوراً، لأن عليه أن يدخل إليها ما يتخلف من جذوع النخل بحيث تشكل داخلها على شكل متقاطع ليتم بعد ذلك وضع محار البحر الأبيض، والذي يتم جمعه بكميات كبيرة، ثم تبدأ عملية الحرق بحرارة مرتفعة وتترك حتى تنطفئ النار، وتستغرق تلك العملية ما يقارب أربعة أيام، ليتم الحصول على مادة سائلة غليظة تسمى «النورة» ومن ثم يتم جمعها جيداً وتصفى بطريقة تزيل الشوائب، وتعد من أقوى المواد لحفظ البيوت أو صيانتها من التآكل، ولذلك لا بد من المحافظة عليها ولذلك لا تزال موجودة ولكن تم استبدال الطرق القديمة بطرق حديثة ومواد حديثة، لأن الإنسان حتى اليوم يحتاج لهذه المادة ولكن ربما تصنع من مواد أخرى وليس مواد عضوية.
كانت لدى النقبي «مهكة» موروثة ولكن عندما دخل التخطيط العمراني للمنطقة تمت إزالتها، فما كان منه إلا أن قام بإعادة بناء أخرى بذات المواصفات مع بعض المواد الحديثة، التي تسهل عليه العمل لأجل استخدامها ولأجل عرضها على الباحثين في مجال التراث.