يعد الجوع أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في العصر الحديث، حيث يعاني ما يقرب من 345 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 79 بلداً، وفق أحدث إحصائية للأمم المتحدة، أي بزيادة قدرها حوالي 200 مليون شخص، مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كوفيد 19.
ويأتي ذلك هذا العام، بالتزامن مع انقضاء نصف الفترة المحددة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهي خطة مؤلفة من 17 بنداً، تشمل أنحاء العالم، وتهدف إلى تحقيق تحسن كبير في حياة الناس والكوكب، بحلول العام 2030، ومن ضمنها القضاء على الجوع.
وأكد خبراء ومختصون، أن دولة الإمارات نجحت خلال السنوات الماضية، في قيادة وحشد الجهود الدولية من أجل حماية وتعزيز الأمن الغذائي العالمي، عبر طرح الحلول وإطلاق المبادرات.
ودعم المشاريع التي تسهم في تحسين إنتاج الغذاء، وتأمين استدامة سلاسل توريد المواد الغذائية ومكافحة الجوع في العالم، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، تتطلب تكثيف التعاون والشراكات الدولية في مجال تبنّي مفاهيم وممارسات الاستدامة على أوسع نطاق، وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة بين الحكومات والدول والقطاع الخاص.
فيما يتعلق بإيجاد حلول مبتكرة لتوفير مصادر جديدة للغذاء تقوم على التكنولوجيا الحديثة، بما يضمن تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية.
وأشار الخبراء والمختصون، إلى أن الإمارات تقود هذا الملف الحيوي من خلال 10 مبادرات أساسية، وهي الابتكار الزراعي للمناخ، بالتعاون مع الولايات المتحدة والتطور الزراعي، بالتعاون مع المملكة المتحدة، والالتزام بمواصلة الدعم المالي السنوي للمكتب الإقليمي الفرعي للمنظمة في المنطقة، والمساهمة في إنجاح مشروع «يداً بيد زيمبابوي – مشروع استعادة وإدماج أعمال البستنة لأصحاب الحيازات الصغيرة».
كما قدمت الإمارات في عام 2020 مبلغ مليون دولار، لدعم حملة السيطرة على الجراد الصحراوي في إريتريا، التي نظمتها «الفاو»، ووقعت اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع بقيمة 14.7 مليون درهم، لرفع قدرة المرأة الريفية في مواجهة الأزمات، وتعزيز فرص توليد الدخل المستدام والأمن الغذائي والتغذية في جمهورية ليبيريا.
وفي عام 2019 قدمت الإمارات مبلغ مليوني دولار لدعم صندوق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأم المتحدة «الفاو» الائتماني، المعني بتنفيذ استراتيجية إطارية لاستئصال سوسة النخيل الحمراء، إلى جانب مبادرة «مليار وجبة».
وتقديم 5.5 ملايين درهم إلى صندوق الأمم المتحدة الاستئماني «يونيتلايف»، لدعم تطوير الحلول المبتكرة في مجال الزراعة، وتمكين النساء والأمهات ومكافحة سوء التغذية، وأخيراً، استضافتها للحدث الأبرز، وهو الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف «كوب 28».
سبل ذكية
ويؤكد بيرنهارد كواتش، رئيس برنامج «تسريع الابتكار» في برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة في تصريحات لـ «البيان»، أن العالم يواجه أزمة غذاء تقود الملايين إلى حافة المجاعة، فيما تؤدي النزاعات المستمرة والتغيرات المناخية، وارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والأسمدة، إلى تعطيل إنتاج الغذاء في شتى أنحاء العالم.
وقال بيرنهارد كواتش، إنه في عام 2023، يقدر برنامج الأغذية العالمي أن 345 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 79 بلداً، بزيادة قدرها 200 مليون شخص، مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كوفيد 19، ما يدفعنا لإيجاد سبل ذكية تسهم في تشكيل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، للاستفادة من الممارسات الزراعية المستدامة.
وتعزيز الأمن الغذائي، والتغلب على التحديات العالمية المتعلقة بالأغذية والزراعة، وتطوير الحلول للقضاء على الجوع بالأساليب المثلى، مثل الزراعة الرأسية، والمناخية، والذكية، والبروتينات البديلة.
دور إماراتي
وأشاد كواتش، بالدور البارز الذي تلعبه دولة الإمارات، حيث تم توقيع اتفاقية في أكتوبر الماضي بين وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات، ووادي تكنولوجيا الأغذية وبرنامج الأغذية العالمي، تهدف إلى معالجة التغيرات المناخية وتوفير الأمن الغذائي.
وكجزء من مؤتمر COP28، الذي تستضيفه دولة الإمارات أواخر نوفمبر الجاري، ستجمع فعالية «الابتكار من أجل التكيف»، التي ينظمها مسرع الابتكار التابع لبرنامج الأغذية العالمي، أصحاب المصلحة الرئيسين للمشاركة في الحلول والنهج المبتكرة للحد من الجوع الناتج عن التغيرات المناخية، فضلاً عن تعزيز الأمن الغذائي، واتخاذ تدابير التكيف مع المناخ، وستركز المناقشات على الابتكارات القابلة للتطوير، والجهود الجماعية لبناء أنظمة غذائية صحية ومستدامة للأجيال القادمة.
تحديات
وأفاد كواتش، بأن البرنامج يهتم بالمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، من أجل بناء نظم غذائية مستدامة، وتعزيز الأمن الغذائي والقضاء على الجوع، لافتاً إلى أن هناك 4 تحديات رئيسة تواجه هذه الفئة، وتتمثل في قلة الخبرة، محدودية الحصول على الإمكانات، مثل الأسمدة وغيرها، عدم توفر أسواق لمنتجاتهم، فيما يمثل الطقس حوالي 80 % من التحديات التي تواجههم.
وأبان أن «مسرع الابتكار» وضع حلولاً مبتكرة، أهمها «تحالف من المزرعة إلى السوق»، الذي يهدف إلى تحقيق ثورة خضراء في أفريقيا، ويوفر أسواقاً للمزارعين الأفارقة من أصحاب الحيازات الصغيرة، لتحفيزهم على الانتقال إلى الزراعة التجارية.
حيث نجح التحالف في إشراك أكثر من 150 ألف مزارع، وطور شبكة من مراكز تقديم الخدمات التي يتفاعل المزارعون من خلالها مع مقدمي الخدمات، وحققت مبادرة التجارة الحرة 17 مليون دولار من مشتريات المحاصيل من قبل المشترين التجاريين، وجمعت أكثر من 60 جهة فاعلة محلية من القطاع الخاص حتى الآن، ما أدى إلى زيادة كبيرة في المعاملات فيما بينهم.
أزمة المناخ
وأكد أن أولويات البرنامج تتمثل في محورين أساسيين، وهما زيادة الموارد الغذائية وتوسيع نطاق الشراكات، وتعزيز الابتكار لتقديم حلول حديثة، وهما يحفزان على استثمار البرنامج في هذا المجال من خلال مسرع الابتكار، والذي يربط المبتكرين والشركات الناشئة بشبكة البرنامج العالمية التي تضم أكثر من 23000 موظف، وأنشطة في أكثر من 120 دولة وإقليماً.
نصائح أساسية
وقدم خبراء وأكاديميون، 3 نصائح أساسية لتعظيم الاستفادة من التكنولوجيا في تعزيز الأمن الغذائي العالمي، وهي زيادة الاستثمار في البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الزراعية، تعزيز التعاون الدولي في مجال تبادل التكنولوجيا الزراعية، وتشجيع الابتكار في هذا المجال.
وأوضحت الدكتورة طريفة الزعابي، مدير عام المركز الدولي للزراعة الملحية في دبي «إكبا» في تصريحات لـ «البيان»، أن المركز يجري العديد من الأبحاث التي تضع حلولاً للتحديات العالمية، مثل شح المياه وملوحتها، والتي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، مثل الري الذكي والمقنن، والعداد المائي للنباتات، والتنبؤ بموجات الجفاف وكميات الأمطار عبر تسخير الأقمار الصناعية، والجهاز الذكي للتعرف إلى الآفات الزراعية.
وأشارت الدكتورة الزعابي، إلى الدور المهم الذي يقوم به المركز في أحد أهم القطاعات المتصلة بالتنمية في دولة الإمارات والعالم، وهو قطاع الزراعة والمياه، مؤكدة أن «إكبا» يجسد دور الإمارات الرائد في العمل على تحقيق التنمية المستدامة على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال استثمار المعرفة والابتكار والبحث العلمي، لإيجاد حلول للتحديات التي تواجه الزراعة الملحية ومشاكل التربة، وابتكار أساليب حديثة في مجال الاستخدام الأمثل للمياه في القطاع الزراعي، وتطوير سلالات زراعية قادرة على التكيف مع الظروف البيئية والمناخية الصعبة.
أبعاد رئيسة
بدورها، تقول الدكتورة منار بني مفرج، الأستاذ المساعد في علوم البيئة بكلية العلوم الطبيعية والصحية في جامعة زايد، في تصريحات لـ «البيان»، إن دولة الإمارات تصدت لهذا التحدي العالمي، عبر الاستفادة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تحسين الأمن الغذائي، والقضاء على الجوع في العالم، عبر عدة طرق من أهمها الابتكار الزراعي للمناخ، الزراعة الذكية والمستدامة، الري الذكي، الري بالتنقيط، تقنيات التغليف والتعبئة المتقدمة، التمويل الرقمي، التعليم والتوعية.
وأوضحت أن مبادرة «الابتكار الزراعي للمناخ»، التي تقودها دولة الإمارات والولايات المتحدة، تعد من أبرز الخطوات العملية التي شهدها العالم مؤخراً، لتسريع التحول المنشود في النظم الغذائية، وتركز المبادرة على تسريع ابتكار أنظمة زراعية وغذائية تدعم العمل المناخي.
حيث يتحمل القطاع الزراعي المسؤولية عن 25 % تقريباً من الانبعاثات الضارة بالبيئة عالمياً، كما تسعى المبادرة إلى تعزيز المساهمة الاقتصادية للقطاع الزراعي، وتوفير فرص عمل أكبر في هذا القطاع الحيوي الذي يوفر أكثر من ملياري فرصة عمل، ويوفر الغذاء لكافة سكان الكوكب.
أمثلة ناجحة
وحول فوائد استخدام التكنولوجيا في القضاء على الجوع في العالم، أوضح الدكتور فارس الهواري عميد كلية العلوم والآداب في جامعة ولاية جورجيا في فورت فالي الأمريكية، في تصريحات لـ «البيان»، أنها تسهم في تعزيز التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية عبر ركائز أساسية، هي زيادة الإنتاج الزراعي، تحسين التوزيع الغذائي، تحسين جودة الغذاء، تحسين أساليب الري، استخدام تقنيات حديثة في حفظ الطعام، تعزيز الأمن الغذائي ووصوله للجميع، حتى في المناطق النائية أو المتأثرة بالنزاعات.
وضرب الدكتور هواري، أمثلة ناجحة على استخدام التكنولوجيا، مثل استخدام الأقمار الصناعية لمراقبة المحاصيل، وتحديد المناطق التي تعاني من الجفاف أو الآفات، استخدام الطائرات بدون طيار لرش المبيدات الحشرية بشكل أكثر كفاءة ودقة، ما يقلل المخاطر على البيئة والصحة، وكذلك استخدام تقنيات التحليلات لتحسين كفاءة سلسلة التوريد الغذائية، ما يقلل من الهدر.
نتائج مميزة
من جهتها، أوضحت الدكتورة سوزانا المساح، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات متداخلة التخصصات بجامعة زايد، لـ «البيان»، أن استخدام تقنيات الهيدروبونيكس والزراعة بدون تربة، يسهم في تحقيق نتائج مميزة في بيئات محدودة المساحة، كما تسهم الاستعانة بالتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية في تطوير محاصيل جدية ومقاومة للأمراض والآفات، والتجاوب مع ظروف البيئة القاسية.
ولفتت الدكتورة المساح، إلى أن التقنيات المتقدمة، مثل الزراعة في المباني، ونظم الإضاءة الصناعية، تسمح بتحقيق إنتاجية عالية، واستخدام فعال للمساحة والموارد المحدودة، كما يمكن استخدام تقنيات «الهيدروبونيكس» والزراعة بدون تربة، لتحقيق نتائج مميزة في بيئات محدودة المساحة.
من جهتها، قالت فيروز داوود رائدة الأعمال ومؤسسة «عالم لالافيرس»، في تصريحات لـ «البيان»، إن استخدام الميتافيرس في مكافحة الجوع، قد يكون حلاً مبتكراً في جهود محاربة هذه المشكلة العالمية، إذا ما تمت الاستفادة منه بنجاح.
وأضافت داوود، أنه يمكن خلق منصات افتراضية تعمل بتقنية «الميتافيرس» للزراعة الرقمية، تتضمن مراحل العمل الحقيقية للزراعة والحصاد وتربية المواشي، بهدف تدريب وتأهيل رواد الأعمال من خلال تطبيقات تتماثل مع عالم الزراعة الحقيقي.
كما يمكن لهذه المنصات أن تؤدي إلى تحسين «إنترنت الأشياء» في المزارع الذكية، من خلال معالجة الكميات الضخمة من البيانات، التي سيتم إنشاؤها في المراقبة عن بعد للتربة والمياه، والظروف الميدانية وصحة الثروة الحيوانية والاستهلاك بشكل فعال، ما سيسهم في سلسلة التوريد بشكل كبير، وبالتالي، زيادة الإنتاجية والأرباح.
أنماط التغذية
وأكد طبيبان متخصصان، أن سوء التغذية، ونقص التغذية، عبارتان مختلفتان، إذ تشير الأولى إلى تغذية غير متوازنة، بينما تشير الثانية إلى نقص في المغذيات.
وتوضح الدكتورة لينا دوماني اختصاصية تغذية سريرية في مركز «ميدكير» الطبي، لـ «البيان»، أن سوء التغذية اختلال في استهلاك الشخص للكمية الكافية من الطاقة والمغذيات الأخرى ذات الطلب الأيضي، ويشير إلى نقص حصول الجسم على الطاقة البروتينية التي يحتاجها، ويعتبر فرط التغذية (البدانة)، إحدى أشكالها.
مشيرة إلى أن أمراض تضخم الغدة الدرقية، فقر الدم وجفاف الملتحمة، تعبر عن سوء التغذية الناجم عن نقص مستوى اليود، فيتامين C، الحديد وفيتامين A.
بدورها، تقول الدكتورة نيتا جافيري ممارسة طب وظيفي في مركز «ويلث» للطب التكاملي بدبي، إن نقص التغذية ينجم عن عدم تناول كميات كافية من المواد الغذائية، وتتمثل أضراره لدى الكبار في فقدان قوة العضلات، وجفاف البشرة، وتقصف الشعر وجفافه، وضعف التركيز، وتأخر التئام الجروح، وإبطاء فترة التعافي من الأمراض، وهشاشة الأظافر، والشعور المتواصل بالتعب والكسل.
كما يسبب الإصابة بحالات مثل التقزم والانخفاض السريع في الوزن، لا سيما لدى الأطفال، حيث تضعف جهازهم المناعي، ويتأخر النمو الذي ينجم عنه ضعف في المهارات الحركية والنطق، والضعف الإدراكي، بما يؤدي إلى صعوبات في التعلم، واعتلال النمو الذهني، ومشكلات في الذاكرة، والهزال.
وتضيف جافيري: كما تسبب ضعف الجهاز المناعي لدى الكبار، وانخفاض حجم وقوة العضلات، ومشكلات في الصحة العقلية، كالاكتئاب والقلق والتهيج، ومشكلات في الخصوبة، ومضاعفات خلال فترة الحمل.