تتكاتف المساعي الوطنية في دولة الإمارات لاجتثاث خطر زيادة الانبعاثات الناتجة من نفايات الطعام، بجهود مبتكرة مستدامة، إذ تستهدف الدولة خفض هدر الغذاء للنصف بحلول 2030، بعدما وصلت التكلفة الاقتصادية السنوية للظاهرة 6 مليارات درهم، كما تستهدف المساعي اعتبار النفايات موارد يمكن من خلالها توفير قيمة مضافة للاقتصاد المحلي.

 

ويمثل تقليل الفاقد من الغذاء هدفاً استراتيجياً لدعم الأمن الغذائي، إذ باتت النفايات الغذائية هاجساً عالمياً ينبئ بخطر مناخي جسيم، حيث تشير الدراسات إلى أن التخلص من مخلفات الطعام يسهم بشكل حيوي في زيادة غازات الاحتباس الحراري التي تعد أبرز التحديات المناخية على مستوى العالم.

 

نفايات أغذية

 

وأكد إبراهيم عبد المجيد آل علي، مدير إدارة التخطيط الاستراتيجي والسياسات في مجموعة تدوير، أن المجموعة تنتهج أحدث الطرق والوسائل لإدارة نفايات الأغذية، حيث تقوم على سبيل المثال لا الحصر بتوفير وسائل تحث المجتمع على فصل النفايات القابلة لإعادة التدوير مع النفايات العضوية كمناجم النفايات والتي بلغت تقريباً 30 منجماً، كما تقوم المجموعة بالتدقيق على النفايات لتحليل مكونات النفايات المنتجة في عموم مناطق أبوظبي، وتحديد نسب النفايات الغذائية لتمكين متخذي القرار من رسم السياسات والأطر التنظيمية المناسبة لحث المجتمع على تقليل النفايات بشكل عام والنفايات الغذائية بشكل خاص.

 

وأوضح آل علي، أن الجهود الحثيثة متواصلة في توعية الجمهور من خلال مختلف قنوات التواصل والمحافل والمناسبات بأهمية فصل النفايات واعتبارها موارد يمكن من خلالها توفير قيمة مضافة للاقتصاد المحلي، علاوة على ذلك، تقوم «تدوير» من خلال مجموعة عمل مشروع «نعمة»، وبالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين كمؤسسة الإمارات، وهيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، بالعمل على وضع استراتيجية خاصة بإدارة نفايات الأغذية، وتقليل هدر الغذاء بشكل عام.

 

وأكد آل علي، أن «تدوير» تسعى خلال المرحلة المقبلة إلى تحويل نسبة 85% من النفايات المنتجة إلى مصادر مختلفة للطاقة مثل الطاقة الكهربائية، وأيضاً وقود للطائرات، والوقود البديل لمصانع الإسمنت، للمساهمة في تحقيق توجهات الإمارة حول تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتوفير مصادر طاقة بديلة، علماً أن هذه المبادرات ستسهم بشكل رئيسي في تقليل نسبة الانبعاثات الناتجة من قطاع النفايات بنسبة 50% خلال المرحلة المقبلة.

 

فاقد ومهدر

 

من جهته، أفاد المهندس عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي، بأنه لابد أن يتم التمييز بين مصطلحين أساسيين هما الفاقد والمهدر من الطعام بغية معرفة الأسباب والمسؤولية في معالجة جذور المشكلة، الفاقد هو الجزء من الغذاء الذي يفقد بين مرحلة الزراعة والحصاد إلى أن يصل إلى مرحلة البيع بالتجزئة، وليس ضمنها، أما المهدر من الطعام فهو الجزء الذي يهدر بعد أن يصل إلى المستهلك عبر عدم استخدام ما يقوم بإعداده من الطعام بشكل يومي أو خلال الولائم أو ما شابه ذلك.

 

وأوضح عماد سعد، أن التقديرات تشير إلى أن نسبة 17 % من الأغذية تهدر في مرحلة البيع بالتجزئة وعلى مستوى الاستهلاك، مؤكداً أن هدر الطعام وما يرتبط به من نفايات غذائية يؤثر بشكل كبير على المياه، فهناك أضرار كثيرة تنجم عن هدر الطعام من أبرزها هدر المياه التي كانت سبباً في إنتاج هذا الطعام.

 

بدوره، قال الدكتور إبراهيم علي محمد، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة الإماراتية: «استطيع القول وبحسب اطلاعي المكثف حول هذا الموضوع إن 930 مليون طن من الأطعمة أهدرها سكان الأرض في عام 2019، بحيث خلفت وراءها أزمات خطيرة، وضعت كوكب الأرض في خطر التغييرات المناخية».

 

 وأضاف: «لابد من تكاتف الجهود، لاسيما جهود الجهات المعنية وأهمية مواجهة هذه الظاهرة لتعزيز الأمن الغذائي ومعالجة تغير المناخ، مشيراً إلى أنه تماشياً مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وأولويات الأمن الغذائي الوطني، كان هدف «نعمة» وهي المبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء، خفض هدر الغذاء في دولة الإمارات إلى النصف بحلول العام 2030، ما يخفض التكلفة الاقتصادية السنوية لهدر الغذاء التي تبلغ نحو 6 مليارات درهم».

 

وشدد على ضرورة توحيد الجهود لإيجاد حلول مبتكرة وفعالة لتقليص كميات الطعام التي يتم هدرها، وزيادة الوعي من خلال إطلاق المبادرات والبرامج المبتكرة عبر كل المستويات والفئات في المجتمع.

 

إعادة تدوير

 

في سياق متصل، أكد المستشار حامد الحامد، رئيس مجلس إدارة جمعية رواد الزراعة الإماراتية، ومؤسس مجموعة غراسيا، أنه لم تعد النظرة للمخلفات الزراعية والحيوانية كما كانت، ففي المزرعة الشاملة لا شيء يصبح بلا قيمة، مؤكداً أنه يتم إعادة تدوير مخلفات النباتات والخضار التي يتم حصادها وتحويلها إلى أسمدة وأعلاف، كما يتم تحويل مخلفات الأخشاب إلى تربة تستخدم في الزراعة، فضلاً عن تحويل مخلفات النظم الزراعية من حديد وغيرها إلى أشكال هندسية من خلال إعادة التدوير.

 

تمويل المشاريع

من جانبها اقترحت الدكتورة رهف عجاج، أستاذ مساعد بكلية العلوم الصحية بجامعة أبوظبي، ضرورة حرص الجامعات في الدولة على تمويل المشاريع البحثية الرائدة التي أنجزها الطاقم الأكاديمي والطلابي حول هدر الطعام، وإيجاد حلول مبتكرة للتحديات المجتمعية كهدر الطعام، ما يساهم في تقليل الضرر المتوقع لتغير المناخ.

وأكدت عجاج ضرورة إطلاق حملات توعية تستهدف المدارس والجامعات بهدف توعية الطلاب بضرورة الحد من هدر الأطعمة التي تتحول إلى نفايات ترهق البيئة، بحيث يكون الهدف من تلك الحملة إيجاد بيئة مستدامة، والعمل على تحديد الهدر والاستفادة من المخلفات وتدويرها في مشاريع البيئة المستدامة.

يشار إلى أن هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، أصدرت الدليل الإرشادي بشأن تقليل هدر الغذاء، وتم تطوير هذا الدليل لتوفير التوجيه ومساعدة قطاع خدمات الطعام للمساهمة في تعزيز الأمن الغذائي وحماية البيئة، من خلال تقليل مخلفات الطعام بما يتوافق مع تشريعات الهيئة وأفضل الممارسات الدولية في مجال التقليل من هدر الغذاء، ويتبع هيكل هذا الدليل الاستراتيجيات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» بشأن الحد من الفاقد والمهدر في الغذاء.