تفيد الأوساط العلمية أن تمارين الايروبيك، كالمشي السريع والركض وركوب الدراجة والسباحة، يمكنها أن تساعد في درء أضرار الشيخوخة، لكن مجموعة متزايدة من الأبحاث كانت تشير أخيراً، إلى أن السباحة تحديداً، قد توفر دفعة فريدة من نوعها لصحة الدماغ.
وفقاً لموقع "كونفرزيشن" الإعلامي، كان الناس يبحثون على مدى قرون عن ينبوع الشباب وقد تكون السباحة وسيلتنا الأقرب إلى ذلك.
فقد أظهرت الدراسات أن السباحة المنتظمة تعمل على تحسين الذاكرة والوظيفة الادراكية والاستجابة المناعية والمزاج، وقد تساعد أيضا في إصلاح الضرر الناجم عن الاجهاد وتكوين روابط عصبية جديدة في الدماغ.
لكن العلماء ما زالوا يحاولون كشف لماذا على وجه الخصوص لدى السباحة تلك التأثيرات المعززة للدماغ، وهم على وشك أن يكشفوا سر ذلك.
فقد أصبح هناك دليل واضح الآن على أن تمارين الايروبيك يمكن أن تسهم في تكوين الخلايا العصبية، كما تلعب دوراً رئيسياً في المساعدة على عكس أو اصلاح الأضرار التي تلحق بالخلايا العصبية ووصلاتها في كل من الثدييات والاسماك.
وتظهر الأبحاث أن الطرق الرئيسية التي تحدث فيها هذه التغييرات استجابة للتمرين، هي من خلال زيادة مستويات بروتين يسمى "عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ"، وقد وجدت الدراسات التي أجربت على البشر علاقة قوية بين تركيزات هذا البروتين في الدماغ وزيادة حجم الحصين، وهي منطقة الدماغ المسؤولة عن التعلم والذاكرة. كما تبين أن زيادة مستوياته هذا العامل يزيد من حدة الأداء المعرفي ويساعد في خفض القلق والاكتئاب، ذلك أن تمارين الأيروبيك تعزز أيضا إطلاق نواقل كيميائية معينة تسمى الناقلات العصبية، ومن بينها السيرتونين. كما أن "عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ" يزيد من كثافة العمود الفقري العصبي، وقد ثبت أن تلك تساهم في تحسين الذاكرة والمزاج وتحسين الادراك لدى الثدييات، كما تساعد كثافة العمود الفقري الأكبر الخلايا العصبية على بناء اتصالات جديدة وإرسال المزيد من الإشارات الى الخلايا العصبية الأخرى، ومع تكرار الإشارات يمكن أن تصبح الاتصالات أكثر قوة.
وبدورها، لطالما اشتهرت السباحة بفوائدها للقلب، لأنها تشمل جميع مجموعات العضلات الرئيسية، وتزيد من تدفق الدم في جميع انحاء الجسم. ويؤدي هذا الى تكوين أوعية دموية جديدة، كما يؤدي تدفق الدم الأكبر أيضا الى إطلاق كميات كبيرة من الاندروفين، وهي هرمونات تعمل كمخفف طبيعي للألم في جميع أنحاء الجسم.
وفي احدى الدراسات التي أجريت على الفئران تبين أن السباحة تحفز مسارات الدماغ التي تثبط الالتهاب في الحصين، وتمنع موت الخلايا المبرمج. وقد أظهرت الدراسة أيضا أن السباحة يمكن أن تساعد في دعم بقاء الخلايا العصبية وتقلل التأثيرات المعرفية للشيخوخة.
ولتحديد المدة التي قد تستمر فيها تلك الأثار المفيدة، قام الباحثون بتدريب الفئران على السباحة لمدى 60 دقيقة يومياً لمدة خمسة أيام في الأسبوع، وتبين بعد سبعة أيام فقط من التدريب تحسينات في كل من الذكريات قصيرة وطويلة المدى، بناء على انخفاض في الأخطاء التي ترتكبها الفئران كل يوم. واقترح الباحثون أن هذا التعزيز في الوظيفة الادراكية يمكن أن يوفر أساساً لاستخدام السباحة كطريقة لإصلاح التعلم وتلف الذاكرة الناجم عن الأمراض العصبية والنفسية لدى البشر.
وبينت الأبحاث التي أجريت على البشر نتائج مماثلة تشير الى فائدة معرفية واضحة من السباحة عبر جميع الاعمار، حيث نظرت مجموعة بحثية أخرى أخيراً، في الارتباط بين النشاط البدني وتعلم الأطفال كلمات جديدة، وبعد القيام بثلاثة أنشطة متنوعة، بين التلوين (نشاط الراحة) والسباحة (نشاط ايروبيك)، والتمارين الشبيهة بتمارين كروس-فيت (نشاط من غير الايروبيك) لمدة ثلاثة دقائق، فوجدت أن دقة الأطفال كانت أعلى بكثير في عدد الكلمات التي تم تعلموها بعد السباحة مقارنة بتمارين أخرى، مما يوضح وجود فائدة إدراكية واضحة من السباحة، وأن السباحة لفترة قصيرة من الوقت مفيدة للغاية للأدمغة الشابة النامية.
ولا يزال يجري العمل على تفاصيل الوقت او أسلوب السباحة لمعرفة ما هي التعديلات المعرفية والمسارات التي يتم تنشيطها عن طريق السباحه، وعلماء الاعصاب يقتربون كثيراً من جمع كل القرائن معاً.