المرة الأولى في تاريخ سوريا تشهد البلاد تمزقاً غير مسبوق بسبب سنوات الحرب التي أفرزت معادلات وقوى جديدة على الأرض، لتتساوى قوة المركز والأطراف، فيما باتت العاصمة دمشق على قدم المساواة مع القوى الأخرى.

وفيما يعقد وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، لقاءات على هامش أعمال الجمعية العمومية، يعمل وفد من المعارضة السورية بشكل موازٍ على إجراء لقاءات مع مسؤولين غربيين من أجل توسيع دائرة العلاقات الدبلوماسية التي تلاشت طوال السنوات الماضية، بفعل تراجع الاهتمام بالملف السوري وفشل المعارضة في تكوين جبهة سياسية موحدة.

في المقابل، يذهب إلى نيويورك وفد من الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، فيما تُجرى تحركات سياسية ركزت على الدائرة السياسية الأمريكية حليف الإدارة الذاتية التي تسعى لحشد دعم واشنطن بالدرجة الأولى ومن ثمّ أوروبا للاعتراف بها سياسياً.

وبطبيعة الحال تختلف توجهات الوفود الثلاثة في رؤيتها للحل في سوريا، وهي رؤى متباعدة إلى حد كبير ومن هنا تكمن صعوبة الحل في سوريا، إذ إن وجود أي طرف على الأرض السورية مرتبط برؤيته للحل، فكل طرف يتراجع عن تصوره يعني أنه يختفي من المعادلة السورية.

وتختلف اللقاءات التي يجريها الوفد السوري الرسمي، بشكل كامل عن اللقاءات التي تجريها الوفود الثلاثة في نيويورك، وهي تذهب من الناحية العملية إلى مصالح متباعدة، إلا أن كل هذه اللقاءات تختلف مع مصالح الدول المعنية بالشأن السوري، ولا سيّما بعد تحسن وضع الحكومة السورية على المستوى الإقليمي، والمطالب المتكررة بعودة دمشق إلى الجامعة العربية.

سيناريو تقسيم

وتأتي الصورة «ثلاثية الأبعاد» في الأمم المتحدة، جراء الصراع الدائر منذ عشر سنوات، إذ أفرزت قوى واقعية مدعومة من دول خارجية، فيما تحاول الدول تفكيك التشابكات في النموذج السوري وخلق حالة سياسية واقعية على الأرض السورية. ولعل من بين السيناريوهات المطروحة التقسيم بحكم الأمر الواقع، بحيث تكون القوى الموجودة على الأرض هي المسؤولة عن إدارة مناطقها، إلا أنّ الحكومة السورية تعارض هذا السيناريو، في ظل وجود داعمين للأطراف الثلاثة في شمال شرقي سوريا وشمال غربي سوريا.

ويبقى الموقف الثابت والواضح، موقف جامعة الدول العربية التي تؤكّد في كل الاجتماعات دعم وحدة وسيادة الأراضي السورية ورفض التقسيم، فيما تظل معضلة الجامعة العربية في عدم وجود الآليات والقوة لتنفيذ هذه الرؤية، بينما تدعم روسيا الحكومة السورية وتؤكد مواقف جامعة الدول العربية، في ظل موقف أمريكي أكثر ضبابية.

وتشير كل هذه التناقضات في الأزمة السورية، إلى أنّ التوصل لحل يظل ضرورة ملحة لعودة البلاد إلى طبيعتها وممارسة دورها الإقليمي والدولي، إلا أنّ كل ذلك رهن التوافقات الدولية والإقليمية التي باتت العامل الأساسي في إيجاد أي حل.