على جدار مبنى قديم لا تزال صورة المهاجر الهندي محمد بالو، الذي وصل مدينة عدن اليمنية قبل 95 عاماً، وأسس مطعماً يحمل اسمه، ولا يزال يعمل حتى اليوم، حيث توارثه أبناؤه ومن ثم أحفاده، رغم انتشار المطاعم الحديثة في أرجاء المدينة التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد منذ سيطرة ميليشيا الحوثي على صنعاء قبل ستة أعوام. 

ذاع صيت المطعم الذي أسسه المهاجر الهندي بعد وصوله المستعمرة البريطانية السابقة واليوم أحفاده يديرونه ويقدمون الوجبات ذاتها،  التي كانت تقدم منذ العام 1926. غير أنهم يطمحون الآن لتوسعته وأن يصبح لهم ماركة خاصة تميز وجباتهم عما تقدمه بقية المطاعم.

ورغم مرور نحو قرن من الزمن على افتتاح مطعم ( بالو) في كريتر - الحي القديم من مدينة عدن، إلا أن حفيده لا يزال يقف في المكان ذاته الذي وقف فيه والده وجده وسط المطعم الصغير، دون إدخال تغييرات كبيرة سوى أنه أضاف تقديم وجبة لم تكن تقدم من قبل، لكن عشاق المشويات على طريقته ومن فئات عمرية مختلفة لا يزالون يأتون إلى المطعم رغم مساحته المحدودة جداً. 

يقول نجيب وهو حفيد محمد بالو لـ«البيان» وهو يجلس خلفي شارع التكريتي إن المطعم ظل يقدم الكباب والكلاوي والكبدة لزبائنه منذ أن افتتح وحتى العام 1990 حيث استمر في تقديم تلك المأكولات التي تعد على الطريقة الهندية ولكنه أضاف الدجاج المشوي إلى الوجبات اليومية. 

كان المؤسس والذي لا تزال صورته على جدار المطعم العتيق يبيع الكباب في مكان بسيط في مدينة بونا الهندية عندما كانت عدن جزءاً من المستعمرات البريطانية، قبل أن يقرر مغادرة بلده والاستقرار في المدينة التي كانت تخضع لإدارة شركة الهند الشرقية، وبعد وصوله افتتح المطعم وبدأ مشروعه بتقديم وجبة العشاء بقائمة طعام تقتصر على قطع اللحم الصغير (شاب) والكباب والكبدة. وأشيع حينها أن الكباب الذي يقدمه له «وصفة خاصة» تميزه عن غيره وأن الزبائن تحتاج لحجز مسبق، واتسعت شهرة وجباته وسط السكان بسبب هذه النكهة. 

توفي محمد بالو والمطعم يحظى بإقبال كبير من السكان وهذا شجع ابنه على مواصلة السير على خط والده، خاصة وأن مساعد الطباخ أظهر وفاءً نادراً للراحل بعدما اكتسب الخبرة منه أسرار الوجبات المميزة، ولهذا وقف مع ابنه في إدارة المطعم ونقل هذه الخبرة إلى الابن وظل يعمل في المطعم إلى حين وفاته. 

 برع الشاب في اكتساب أسرار الطبخ المميز، وتولى وأخوته إدارة المطعم بشكل كامل بعد رحيل صديق والدهم ولا يزال الأحفاد يعملون ويديرون هذا المطعم حتى اليوم، ولا تزال سمعة مأكولاته تجذب الكثيرين، حيث يضيق المكان بهم خاصة في فترات المساء، حيث يكون بإمكانهم الجلوس في الرصيف بعد امتلاء المكان.

فجأة فقدت الأسرة الابن وكان نجله الأكبر نجيب طفلاً في الـ 13، فقرر تحمل المسؤولية فكان يعمل نهاراً ويذهب إلى المدرسة صباحاً حتى أكمل دراسة المرحلة الثانوية، وبسبب انشغاله بالعمل لم يتمكن نجيب من مواصلة دراسته الجامعية بعد عام دراسي واحد، إذ وجد أن من الصعوبة تحمل مهمة إدارة المطعم والحفاظ على جودة وجباته ومواصلة الدراسة في الجامعة.

يكبر الإنسان فتتعاظم المسؤولية لذا لم يستطع نجيب أن يكمل الدراسة الجامعية بعد سنة الخدمة وقرر أن يكون كل وقته من أجل العمل في المطعم الذي لا يزال يقدم هذه الوجبة حتى اليوم، وفي ظل ظروف اقتصادية سيئة تعتمد الأسرة عليه في تغطية احتياجاتها، ورغم النجاح الذي حققه، فإنه يتمنى في توسعة المطعم، وأن تكون الوجبات التي يقدمها ماركة خاصة.