شهد لبنان، أمس، يوماً استثنائياً، أُطلق عليه اسم «خميس الغضب»، وبيّنت مجرياته أنّه كان انعكاساً حتميّاً للتدهور المتدحرِج على نحو خطير على المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية، ولاختلاط العوامل الاحتجاجية الصرفة مع العوامل السياسيّة. وتلبيةً لدعوة اتحاد النقل البرّي والاتحاد العمّالي العام، نُفِّذت حركة احتجاجات وقطع للطرق في معظم المناطق، بما شلّ الحركة جزئياً، وبما أضفى خطورة عالية على المناخ الذي يواكب انزلاق البلاد إلى متاهات انهيارية جديدة، مع الارتفاع المحموم لسعر الدولار، والاضطرابات الاجتماعية الواسعة. وعليه، انضمّ يوم أمس إلى شريط الأحداث اليوميّة، والذي لا يعدو كوْنه نتاج الهزّات الارتدادية لـ «الارتطام» الكبير الحاصل في مختلف تشعّبات المشهد اللبناني، سياسيّاً واقتصاديّاً وماليّاً ومعيشيّاً.
ونفّذ السائقون العموميّون، أمس «يوم الغضب»، الذي دعت إليه نقابات النقل البري، بمؤازرة الاتحاد العمّالي العام، اعتراضاً على الأوضاع المعيشيّة، وارتفاع أسعار الدولار والمحروقات، وعدم قدرة السائقين العموميّين على تأمين معيشتهم، فضلاً عن عدم تنفيذ المسؤولين للوعود التي قطعوها للنقابات، وأبرزها مشروع الدعم، الذي كان من المفترض أن يُموّل من قرض البنك الدولي المخصّص للنقل، بقيمة 55 مليون دولار، إلى جانب تطبيق القانون، وقمع التعديات على القطاع من الشركات الوهميّة والسيارات المزوّرة والخصوصيّة، وإعداد مشروع قانون لإعفاء المركبات العمومية من رسوم الميكانيك والمعاينة الميكانيكيّة.
اختبار الشارع
وتحت وطأة تفلّت سعر الدولار، وانهيار القدرة الشرائيّة لدى الأكثريّة الساحقة من اللبنانيّين، وتمدّد شرارة الأزمات في أكثر من اتجاه، لا سيّما في ضوء ارتفاع أسعار المحروقات، وتلويح المطاحن والأفران بانقطاع الطحين والخبز، وصولاً إلى «يوم الغضب»، الذي نفّذه اتحاد النقل البرّي، أمس، والذي كان المُراد منه أولاً، بحسب تأكيد مصادر الاتحاد، لـ «البيان»، اختبار قدرة الشارع للضغط على السلطة، من أجل اتخاذ خطوات تخفّف من أوجاع الناس، وانتهى بإعلان المعنيّين، الخطوات المقبلة «التصعيديّة»، فإنّ ثمّة إجماعاً على أنّ البلد أصبح واقفاً على شفير انفجار اجتماعي وشيك، بدأ فتيله يشتعل على الأرض بشكل ملموس، منذراً بقرْب خروج الأمور عن السيطرة، وفق التقديرات والتحذيرات التي تناقلتها أوساط مراقبة لتدحرج كرة الحِراك المناطقي خلال الساعات الأخيرة. ذلك أنّ المناخ السائد، في جمهوريّة الوقت الضائع والفرص المهدورة، يشي بمزيد من الانفلات المالي والاقتصادي، مع تحكّم الغرف السوداء بلعبة الدولار، في موازاة الاستقالة الكاملة للطبقة القابضة على الدولة من أيّ مسؤولية يوجبها هذا «الإعدام» المتعمّد للعملة الوطنيّة، وإفقار اللبنانيّين وتجويعهم و«إحراقهم» بنار الأسعار، التي اشتعلت بشكل خطير في الساعات الأخيرة، فيما تداعياتها طالت رغيف الفقراء، كما المحروقات ومتفرّعاتها من مستلزمات البقاء على قيْد الحياة.
أمّا في المقلب الآخر من الصورة، ووسط ارتفاع منسوب الهواجس الأمنيّة، فتواصل المنظومة الحاكمة، الغرق في «رمال» فشلها المتحرّك في مختلف الاتجاهات، بحيث باتت تلعب دور الحاكم والمعارِض في الوقت نفسه: تارةً تحاور نفسها، كما بدا من مجريات وتحضيرات حوار قصر بعبدا، بين أبناء الصفّ الحاكم الواحد، وتارةً تدفع باتجاه التظاهر ضدّ نفسها، كما بدا عليه الحال، من خلال التظاهرات التي قامت بها الاتحادات والنقابات المحسوبة على أركان المنظومة في الشارع أمس.