لـن يقتصر لهيـب نــيران الحــرب الروســية- الأوكرانيـة عـلـى البلـدان، والـدول المجـاورة فقــط، بـل سـيتعدى ذلك إلى دول تبعـد عـن تلـك الرقعـة الجغرافيـة آلاف الكيلو متـرات كاليمـن، وهـو البلـد الـذي يعـاني مـن أحـد أسـوأ أزمـات الغـذاء في العـالم وفقـاً للأمم المتحدة.



وبدأت تداعيات تلـك الحـرب تلقـي بظلالهـا على أسـعار سـلعتي القمـح والزيوت، التـي تعـد تلـك الدولتان مصـدراً مهماً لهـا، حيـث تصاعـدت أسـعار القمـح بنسـبة وصلـت إلى 35 في المائــة منـذ بدايـة الحرب، بـل إن الخطـر هـو أزمـة القمـح والزيـوت العالمية الناتجة عـن فقـدان ثلث كميـة الإنتـاج العالمي تقريبـاً المتأتي مـن الدولتين.



وارتفعت أســعار المــواد الغذائيــة بأكـثر مــن الضعـف في معظــم أنحــاء اليمــن خــلال العــام الماضي، مـا جعـل 17.4 مليـون شـخص بحاجـة إلى مسـاعدة فورية وسـيتصاعد الرقـم إلى 19 مليـون شـخص منـذ بدايـة يونيـو، وحتـى نهايـة العـام وفقـاً لأحد التوقعـات.



عوامل

ولعبت عوامل أخرى كذلك دورها في ارتفاع سعر استيراد القمح والمواد الغذائية الأساسية، أبرزها الانهيار الحاد في أسعار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، مقابــل الــدولار بصــورة ســلبية حــادة، كما تقلصت قـدرة الدولـة عـلى الاسـتيراد أيضـاً نتيجـة تسـجيل مستويات قليلــة مــن الاحتفـاظ باحتياطيات التبــادل الأجنبي، وارتفـاع أسـعار النقـل وشـح المشـتقات النفطيـة، وغيرهـا مـن الإشكالات المؤثرة في أسـعار السـلع في اليمـن.



وتواجه الدول الهشة، التـي تعـاني مـن نزاعـات مسـلحة كاليمن ظرفـاً اقتصاديـاً وإنسانياً صعبـاً، مـا يجعلـه عرضـة للتقلبـات في الأسواق العالمية، ناهيـك عـن أن تكـون حربـاً في دولتين يشـكلان نسـبة مهمـة مـن مصـدر الغـذاء والزيـوت للعـالم.



ويقـدر حجـم صـادرات الدولتين مـن القمـح مـا نسـبته 30 في المئة مـن الصـادرات العالمية للقمـح، وتســتورد اليمن مــا نســبة 34% تقريبــاً مــن احتياجهــا مــن القمــح مــن روسـيا وأوكرانيـا، وهــو ما يساوي ثلـث سـلة اليمــن مــن القمـح، التي يـأتي من هذين البلدين.



وحســب مديــر إدارة التبـادل التجــاري في وزارة الصناعــة والتجــارة فــؤاد هويــدي فإن اليمــن يسـتورد مــن أوكرانيـا تقريبــاً 16.5% ونحــو 17.5% مــن إجـمالي الـواردات السـنوية مـن القمـح، ويسـتورد مــا يقـارب 34% مــن كميــات القمــح مــن روسـيا وأوكرانيـا، ومــا يقــارب 44% مــن أسـتراليا وأمريكا والهنـد ودول أخـرى، إضافــة إلى الكميــات التــي تدخـل إلى اليمــن عــر المنظـمات الدوليـة في إطـار المسـاعدات الإغاثية بسـبب الحـرب الدائـرة في البـلد، حيـث تشـير بعـض المعلومـات إلى أن المساعدات الإغاثية مــن القمــح التــي تدخــل عـبـر هذه المنظــمات الدوليــة يتــم استيرادها من أوكرانيـا، وهـي مـا تقـدر بــ 22% تقريبـاً مـن احتياجـات اليمـن مـن القمـح.



ويسـتورد اليمن معظـم احتياجاتـه مـن الغـذاء بنسـبة تصـل إلى 95 في المئة، ويعتبـر القمـح السـلعة الأكثر استهلاكاً مــن قبــل المجتمع اليمنــي، حيــث يتمحور النمــط الغذائي في اليمــن حــول القمــح باعتباره مكــوناً أســاسياً في كل الأصناف الغذائيــة. ولا يقتصـر ذلــك علــى اليمــن فقــط، إذ يشــمل دولاً عربيـة أخـرى كجمهوريـة مـصر العربيـة.



وحالياً تطـل أزمـة القمـح والزيـوت برأسـها في ظـل وضـع أمني متأزم، حيـث تعـاني اليمـن مـن فقـر شـديد في الغـذاء، ويشير التصنيـف المرحلي المتكامـل للأمن الغذائي إلى أن 31 ألـف شـخص يواجهون خطر الجوع الشـديد (المرحلـة الخامسـة في وضـع كارثي)، ويتوقع أن ترتفـع إلى 161 ألف شـخص بحلول يونيو المقبل.



احتياج اليمن من القمح

ويعـاني اليمـن مـن فجـوة غذائيـة مسـتدامة، حيـث يعتمـد إلى حـد كبـر عـلى الـواردات السـلعية من الأسواق الخارجيـة لتلبيـة احتياجـات الاسـتهلاك المحلي مـن القمـح والسـلع الغذائيـة الرئيسـية، ويعتـبـر القمــح عنــصر الغــذاء الرئيـس في البلــد، ويقــدر الاحتيــاج الــكلي لليمــن مــن مــادة القمــح بحـوالي 4 ملايـين طـن سـنوياً، يتـم اسـتيراد أكثـر مـن 3.8 ملايـين طـن مـن الأسواق الخارجيـة، بينـما يتـم تغطيـة باقـي الاحتيـاج مـن الإنتاج المحلي، وتســتقبل الموانـئ اليمنيــة القمــح مــن الــدول المصدرة بنســب متفاوتــة، حيــث يحتــل مينـاء الحديـدة وكذلك ميناء الصليــف الصدارة في اســتقبال كميـات القمــح الواصلـة إلى اليمــن، بإجمالي يصل إلى مليونين وسـبعمائة وأربعين ألف طـن وفقـاً لإحصاءات العـام 2021م.



ويـأتي مينـاء عـدن حسب دراسة صادرة لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في المرتبة الثانيـة بإجـمالي مليـون وثلاثة وأربعين ألف طــن، ثــم مينــاءا المكلا وســقطري اللــذان اســتقبلا كميــات متواضعـة مــن الحصــة المسـتوردة مــن القمــح.

ويتم اســتيراد القمــح تجاريــاً للاستهلاك المحلي الإجمالي المقدر بحــوالي 3.8 ملايــين طــن ســنوياً، عـبـر عــدد محــدود مــن المســتوردين (5 شركات كبــيرة، و6 شركات متوســطة وصغــيرة) وتســيطر تلــك الـشـركات عــلى ســوق القمــح في اليمــن منــذ فــترة طويلــة، قبــل أن تتوســع تدخلات برنامــج الغــذاء العالمي ضمـن جهـود العمـل الإغاثي أثناء الحـرب، حيـث بـات البرنامـج أحـد المستوردين والموزعين للقمــح في الأسواق اليمنيــة.



ويعـاني اليمـن مـن فجـوة غذائيـة في القمـح تقـدر بنحـو 97% مـن حجـم الاحتيـاج، وتوضـح بيانـات التجــارة الخارجيــة أن واردات هــذه الســلعة شــكلت المرتبة الأولى بـيـن أهــم ثلاثين ســلعة مســتوردة عــام 2018.



وأطلقت مجموعة هائل سعيد أنعم- المستورد الرئيسي للقمح في اليمن- تحذيراً صارخاً من مجاعة كارثية محتملة في جميع أنحاء اليمن، نتيجة للانقطاع غير المسبوق لإمدادات القمح العالمية الناتج عن تداعيات الصراع في أوكرانيا.