بموافقتها على تنفيذ الهدنة وتجديدها، قدمت الأطراف اليمنية بصيص أمل لشعبها بأنه من الممكن إنهاء العنف. ومع مزيد من التعاون المستمر للأطراف بنية حسنة، لبناء الثقة، واستغلال الزخم المتاح، من الممكن توفير مستقبل يعم فيه السلام في اليمن. لكن هذا يتطلب عملاً حثيثاً والتزاماً صادقاً بتنفيذ وترسيخ عناصر الهدنة كاملةً، والتوجه نحو حل سياسي مستدام يلبي تطلعات ومطالب اليمنيين المشروعة.
وتم الاتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين الخميس الماضي على تمديد الهدنة لشهرين إضافيين قبل ساعات من انتهاء مفاعيلها، وفق ما أعلن مبعوث الأمم المتحدة الى اليمن هانس غروندبرغ الذي خاض محادثات مكثفة مع أطراف النزاع كافة خلال الأيام الماضية لدفعهم نحو تمديد الهدنة. لكن هذه الهدنة تحتاج خطوات إضافية لكي تحقّق إمكاناتها بالكامل، لا سيما في ما يتعلق باستئناف الرحلات التجارية وفتح طريق تعز لحركة وتنقل الآف المدنيين على هذا المعبر المهم للحياة اليومية والمعيشية للإنسان اليمني.
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف يرى أن الهدنة «ستثمر في استمرار تهيئة الأجواء للأطراف اليمنية لبدء العملية السياسية والوصول إلى سلام شامل يحقق الأمن والاستقرار في ربوع اليمن»، وفقاً لما نقلت عنه وكالة فرانس برس.
وكان اتفاق الهدنة الأول دخل حيز التنفيذ في الثاني من أبريل الماضي، وشمل السماح برحلات تجارية من مطار صنعاء الدولي المفتوح فقط لرحلات المساعدات منذ 2016، ما مثّل بارقة أمل نادرة في الصراع بعد حرب مدمرة.
ولم يطبّق اتفاق الهدنة بالكامل وخصوصاً ما يتعلق برفع حصار الحوثيين لمدينة تعز، لكنه نجح بالفعل في خفض مستويات العنف بشكل كبير. ووفقاً لمنظمات إغاثية عاملة في اليمن فإن «في الشهر الأول من الهدنة فقط، انخفض عدد القتلى أو الجرحى في اليمن بأكثر من 50 بالمئة، ونظراً للدخول المنتظم لسفن الوقود إلى ميناء الحديدة لم يعد الناس يقفون في طوابير».
يمكن جداً الافتراض أن تمديد الهدنة خطوة في طريق ترسيخ السلام باعتباره مهمّة صعبة لكن نافذة الفرص قد فتحت. ورغم أن الأمم المتحدة استطاعت ترتيب أكثر من لقاء بين الأطراف اليمنية، إلا أن تلك اللقاءات - باستثناء محادثات الكويت عام 2016 - لم تتمكن من الخروج بأي تصور لعملية سلام ناجحة، حيث وضعت في تلك المحادثات أسس إحلال السلام من خلال الاتفاق على تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات بمشاركة كل الأطراف، والاستعانة بالقوات التي لم تشترك في القتال كي تتسلم العاصمة وتؤمّنها مع تشكيل الحكومة الجديدة، على أن تشكل لجنة عسكرية بإشراف ضباط من الأمم المتحدة تتولى جمع الأسلحة وإعادة هيكلة كل الجماعات المسلحة ودمجها في قوات الجيش والأمن.
تعزيز الثقة
تمديد الهدنة من شأنه أن يعزز ثقة اليمنيين بجهود إحلال السلام، وفق تعبير الناشط السياسي علي أحمد عبدالرحمن، الذي قال إنه كلما توقفت أصوات المدافع، ارتاح المدنيون، واستطاعت المنظمات الإغاثية الوصول إلى المناطق التي كان يصعب الوصول إليها بسبب القتال، كما أن فتح الرحلات التجارية من مطار صنعاء أدى إلى تخفيف معاناة عشرات الآلاف من المدنيين الذين كانوا يضطرون للسفر إلى عدن.
وكان الفريق الحكومي المفاوض أكد مراراً أنه موافق على تمديد الهدنة، إلا أن العقبات كانت تأتي من الجانب الحوثي. يقول محمد العمراني وهو المسؤول الفني في فريق المفاوضين الحكومي- في حديث سبق التوصل لتمديد الهدنة- إنهم أبلغوا مبعوث الأمم المتحدة موافقتهم على التمديد رغم عدم التزام الحوثيين ببعض بنودها، حيث واصلوا إرسال تعزيزات عسكرية في بعض المناطق.
ومن الجدير بالذكر أن موضوع فك الحصار عن تعز سيكون مؤشراً جدياً على حسن نوايا الحوثيين. وبهذا الصدد، يقول العمراني إن اقتراح الحوثيين فتح ممرات فرعية إلى مدينة تعز «لن يؤدي الغرض»، فهي طرق غير معبّدة وضيقة وتمر في مرتفعات جبلية، كما أنها ستكون مهدّدة بالإغلاق «في أي حادثة مفتعلة لإطلاق نار»، خلافاً للشارع الرئيسي الواسع الذي يسهل فيه التنقل وأكثر أمناً.
طرح الثمار
رغم حالة الهدوء التي سادت خلال الهدنة الأولى، إلا أن هذه المدة ليست كافية كي يلمس اليمنيون ثمارها الفعلية وانعكاساتها على حياتهم. يقول الخبير الاقتصادي صالح الجفري إنه من المبكر جداً قياس الآثار الإيجابية المتوخاة من الهدنة على حياة الناس وعلى البلد، ولهذا يجب البحث في سبل استدامتها لفترة أطول ما يتيح خلق توافقات بين الأطراف، وبما يحقّق الحل ولو على مراحل، بالذات بشأن انقسام البنك المركزي وإزالة التشوهات الجارية في سوق الصرف - فارق سعر العملة بين صنعاء وعدن - وما سبّبه من معاناة إضافيه للسكان، وصرف الرواتب المتوقفة منذ ست سنوات للموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويعتقد الجفري أن المنافع الاقتصادية الفعلية للسكان والقطاع الخاص لن تتحقق إلا بفتح الطرقات أمام حركة انتقال الأفراد والسلع، وهي المعضلة التي تسببت في زيادة الأسعار في ظل ارتفاع أجور النقل بسبب استخدام طرق فرعية والتفافية بعيدة والجبايات على الطرق والرسوم الجمركية المكررة التي تدفع في مناطق التماس، وقال إن هذا يمكن تحقيقه «من خلال العمل على تمديد الهدنة أطول فترة ممكنه»، وبما يساعد على حل المشكلات الاقتصادية.
وفي تأكيد على حجم المكاسب التي يمكن أن تتحقق لليمن من تمديد الهدنة، استعرض تقرير دولي التأثير الإيجابي على العديد من الأنشطة الاقتصادية وبالتالي على الوضع الإنساني، حيث عانى قطاع إنتاج وتصدير النفط والغاز من نكسات كبيرة منذ بداية الصراع. لهذا فإن تفعيل الإنتاج وزيادة الصادرات يمكن أن يؤدي إلى دخول عائدات إضافية، وهو أمر سيساعد في معالجة ميزان المدفوعات وتقليل فجوة التمويل الآخذة في الاتساع حالياً.
وذكر التقرير أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال في السوق الدولية والفجوة التي أحدثتها رغبة بعض مستوردي الغاز الطبيعي المسال في استكشاف بدائل للغاز الروسي، قد يؤدي لفوائد اقتصادية لليمن تعقب استئناف عمليات إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال، وأن ذلك سيكون له تأثيرات إيجابية على عملية السلام.
اللاجئون
كان للهدنة كذلك انعكاسات إيجابية على واقع اللاجئين والنازحين اليمنيين. المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أكدت أنه بعد توقيع اتفاقية الهدنة شهد اليمن انخفاضاً في الانتهاكات المنتظمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، كما انخفض عدد المدنيين الذين اضطروا للنزوح، حيث تظهر البيانات وجود علاقة قوية بين النزوح وانعدام الأمن الغذائي الحاد المدقع. ونبهت إلى أنه بين 4.3 ملايين من النازحين المعرضين للخطر في جميع أنحاء اليمن، من المتوقع أن يعيش أكثر من 88 في المائة (3.8 ملايين فرد) في مناطق مصنفة على أنها في حالة انعدام الأمن الغذائي الطارئ، وهي مرحلة أقل بقليل من مرحلة «أسوأ كارثة».
وتعليقاً على تمديد الهدنة، قالت منظمة «المجلس النرويجي للاجئين» في بيان «لقد أظهر الشهران الماضيان أن الحلول السلمية للصراع هي خيار حقيقي»، معربة عن الأمل «أن يسمح تمديد الهدنة بمزيد من التقدم في إعادة فتح الطرق التي تربط المدن والمناطق، والسماح لمزيد من النازحين بالعودة إلى ديارهم، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص الذين أصبحوا بعيداً عن متناولها بسبب القتال».